عبدالله الحجي
الموت موتتان: صغرى وكبرى، أما الصغرى فحين يخلد المرء إلى نومه، وأما الكبرى فحين تُنزع روحه من حنايا جسده، فإذا كان عالم الغيب يقرَّب إلى عالم الشهادة، فإن نوم الإنسان وهو منزوع الإحساس بما يدور حوله، ارتخت أعضاؤه، وتعطَّل سمعه وبصره، لهو في حالة أشبه إلى حالة الذي فارق الحياة حقيقة، قال الله تعالى:(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر: ٤٢).
فعندما يُرى النائم، وهو بتلك الحالة من السكون، وعدم الحراك، يتنامى إلى العقل صورة الذي قضى عليه حتفه، إذ تشابهت حالتاهما في بعض جوانبهما، فأما النائم سيستيقظ بعد فترة من نومه، لينقلب إلى الحياة غارقاً في لججها، فالسعيد من وُفِّقَ لتثميرها التثمير الحسن، حيث طاعة الرحمن، والنأي عن حبائل الشيطان. وأما الذي قضى عليه الموت، فقد آوى إلى مصيره الذي وَعِدَ به، أو تُوعِّدَ به، وكل سيفضي إلى ما قدَّمَ.
فليتعظ العاقل، وليتفكر في حالة نومه، حينما يكون أشبه ما يكون بميت قد أسلم روحه إلى بارئها؛ علّه يتوب إلى الله، ويحاسب نفسه قبل يوم الحساب. وذلك إن أمدَّ الله له في عمره بعد نومه، إذ كم نائم نام نومة صباحها يوم القيامة. ولا يغطُّ في نومه كما تصنع البُهْمُ دون تفكُّر في حالته، فماذا لو قُدِّر ألا يقوم من فراشه، حيث خُتِمَ عمله، وانقضى أجله، أيرضى أن يفد إلى الله ربه الذي رزقه وأنعم عليه، وهو قد اجترم الجرائم العظام في جنب الله، أم يرضى أن يغادر الدنيا، ولم يمهله الأجل لمراجعة النفس عمَّا أسلفت من سالف الذنوب.
والنومُ يشبه موتَ المرءِ في جَدَثٍ *** فذاكَ حيٌّ وهذا أعْظُمٌ نُخُرُ