عبدالله الحجي
الجزاء اﻷخوي منوط بالحال الدنيوي، هذه حقيقة قررها القرآن الكريم، وأصَّلتها آيات الذكر الحكيم في كثير من المواضع في كتاب الله، فالجزاء من جنس العمل، فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه. ومن صفات الله تعالى العدل، وعدله يقتضي مجازاة كل فرد بعمله، خيرا كان أو شرا، قال تعالى في محكم التنزيل: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل: ٨٩ - ٩٠)، فهذه الحقيقة الدامغة لا مجال فيها للجدال بالباطل والمراوغة، فهي حقيقة مقررة من قِبَل الله تعالى، "فإذا جاء نهر الله، بطل نهر معقل".
فمن يرغب في الفوز الأبدي، والنعيم السرمدي؛ فليحسن العمل في مزرعة دنياه، حتى يلاقي الخير في أخراه، وليحسن الظن بالله أن الله مجازيه بعد الحُسْنِ بِالحَسَنِ، وأن الله صادق في وعده للمتقين الموفين الذين (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (الأحزاب: ٢٣).
وأما من أساء العمل، وتمنى على الله الأماني، وحسب أن الله سيغفر له ذنوبه بغير دموع التوبة، ولا أنين الأوبة، فما هو إلا مخاطر بآخرته، مجازف بها، فحين تبدو له أعماله السيئة التي ما كان يحسب لها حساب، (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)(الزمر: ٤٨)، وما كان يحسب أنها بلغت مثل ما رآها بأم عينيه في صحيفة أعماله، إلا ويعلو صراخه، ويكثر زفيره وشهيقه، ويتعاظم تأوُّه، ويتحسر حسرته السرمدية (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ) (الزمر: ٥٦)، ولات ساعة حسرة.