الغرباوي: أهمية القرآن تكمن فيما اشتمل عليه من هداية إلى العقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والتشريعات العادلة

-يتضمَّن تعاليم بناء المجتمع الفاضل ونظام الأمة القوية


الرُّؤية - مالك الهدابي-


قال فضيلة الشيخ منصور السعيد الغرباوي مدرس القرآن الكريم والتجويد والقراءات بالأزهر الشريف والجامع للقراءات العشر والقائم بأعمال مدير مدرسة "اقرأ" لتحفيظ القرآن الكريم في الوطية بمسقط، إنَّ أهمية القرآن الكبرى تكمُن فيما اشتمل عليه من هداية إلى العقائد الصحيحة، والعبادات الحقة، والأخلاق الكريمة، والتشريعات العادلة، وما اشتمل عليه من تعاليم بناء المجتمع الفاضل، ونظام الأمة القوية وإنّ المسلمين لو جدّدوا إيمانهم باهتمامهم بهذا الكتاب الكريم، وكانوا جادّين في الالتزام والطاعة لما فيه من أوامر وتوجيهات إلهية حكيمة، فإنهم يجدون ما يحتاجون إليه من حياة روحية طاهرة، وقوة سياسية وحربية، وثروة وحضارة، ونعم لا تعدّ ولا تحصى.

قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ" (الأعراف: 96).

وأضاف: إذا أراد المسلمون الخير والصلاح والعزّة لأنفسهم وأمتهم؛ فعليهم اتّباع هدي نبيّهم -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام -رضي الله عنهم- في حفظ القرآن وفهمه وتدبره والعمل بما فيه؛ لأنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها.


أثر القرآن في العالم

وتابع: من المعلوم أنَّ لهذا القرآن ما يُشبه السحر، تأثيره على النفوس والقلوب، ومن الثابت تاريخيا أن هذا التأثير كان له فعله في أنفس المؤمنين خاصّة، وفي أنفس المشركين عامة، والآن بعد تعاقب الشهور والسنين والقرون لا تزال للقرآن جدّته، ولا يزال له تأثيره، بل زادت قوّته قوة وحجّته حجة، فملايين المسلمين يطبقون أحكام القرآن ويطيعون أوامره بشكل اختياري ومن غير أي إجبار أو إكراه، وملايين الألسنة تتلوه صباح مساء، وإذاعات وفضائيات العالم تبثّ آياته من أقصى الأرض إلى أقصاها، والمطابع تدفع كلّ يوم ملايين النسخ إلى جميع أنحاء العالم، وفي كلّ عام نجد القرآن الكريم ينير بآياته مساحة جديدة من الأرض، وينشر الإسلام في أناس لم يكونوا في عداد المسلمين من قبل. ومع ذلك، فإنّ المسلم يجد هذا الأثر جزئيا بالمقارنة مع ما يطمح إليه من وصول هداية القرآن للناس جميعا، وتخليص العالم من شرور المدنية المادية الحديثة، وإنقاذهم من واقع حياتهم المليء بالرذائل والأهواء والتفنّن في إثارة الشهوات.

وهذا متوقف ولا شك على عودة المسلمين إلى قرآنهم عودة صادقة، بفهم عميق وتدبر وعمل ليسترشدوا بآياته، ويلتزموا بأحكامه، ويتعظوا بعبره ودروسه.

وعندها يمكن للمسلمين أن يكونوا دعاة إصلاح وسلام صادقين وناجحين، كما صدق ونجح أسلافهم من قبل، ويوم يتحقّق ذلك يفرح المؤمنون بنصر الله.


فضل تلاوة القرآن

واختتم قائلا: تلاوة القرآن سنة من سنن الإسلام والإكثار منها مُستحبّ؛ لأنها وسيلة إلى فهم كتاب الله وتدبره والعمل به، وفضلها ثابت في القرآن الكريم والسنة الشريفة، قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" (فاطر).

ورَوَى مُسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".

ورَوَى أبو داود والنسائي والترمذي، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق، ورتّل كما كنت ترتّل في الدّنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرأ". والتلاوة مع إخلاص النية وفهم وتدبر عبادة يؤجر عليها المسلم، وتقرّبه من خالقه؛روى الترمذيّ عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".

ورَوَى البخاريّ ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقّ له أجران".

وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحافظون على تلاوة القرآن، وتعليمه وتعلمه، ومنهم من كان يختم في اليوم والليلة، ومنهم من كان يختم في أكثر. ورَوَى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اقرأ القرآن في شهر". قلت: إني أجد قوة، قال: "اقرأه في عشر". قلت: إني أجد قوة، قال: "اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك". وأما القدر الذي ينبغي للمسلم أن يقرأه ليختم القرآن: فيختلف باختلاف الأشخاص.

تعليق عبر الفيس بوك