إستراتيجية المراجعة والتصويب

إستراتيجيَّات رمضانيَّة (12) -

سالم البوسعيدي -

((فإذا واجهت اللصوص...

فاحذر العدو الأقوى

الإعصار وأنت في وسط المحيطات والبحار...

أي مسافر عليه أن يتوقع الأخطار

وأن يتجهز للعدو المتربص...

فكم من سفينة اغتر أصحابها بقوتها فأهلكتهم، كسفينة تيتانك

احذر... احذر الإعصار...

هناك موجة عالية في الطريق تسمى: (الهوى)

ليس تحت أديم السماء إله يعبد شر من هوى متبع...

أتعبد الله على مزاجك!! وحسب هواك!!))

لذلك أريد أن أقول إنَّ: شر الأمور -وهو الإعصار الذي سيُغرقك- أنْ تعبد الله على هواك.

والنجاة من الإعصار في الإخلاص والافتقار وعدم رؤية النفس.

*****

يقول محمد إبراهيم زيدان: لو تأمَّل كل إنسان في ذاته، واستقرأ حياته وأوضاعه، لوجد أن له أفكاراً يتبناها.. وصفات نفسية وشخصية يحملها، وسلوكاً معيناً يمارسه، وأنه يعيش ضمن وضع وقالب يؤطر حياته الشخصية والاجتماعية.

والسؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه هو: هل هو راضٍ عن الحالة التي يعيشها؟ وهل يعتبر نفسه ضمن الوضع الأفضل والأحسن؟ أم أنه يعاني من نقاط ضعف وثغرات؟

... إنَّ هذه التساؤلات كامنة في نفس الإنسان؛ تبحث عن فرصة للمكاشفة والتأمل، يتيحها الإنسان لنفسه، لينفتح على ذاته، وليسبر غورها، ويلامس خباياها وأعماقها.

*****

رغم حاجة الإنسان إلى هذه المكاشفة والمراجعة، إلاّ أنَّ أكثر الناس لا يقفون مع ذاتهم وقفة تأمل وانفتاح، لأسباب أهمها ما يلي:

أولاً: الغرق في أمور الحياة العملية، وهي كثيرة، ما بين ماله قيمة وأهمية، وما هو تافه وثانوي.

ثانياً: وهو الأهم، أن وقفة الإنسان مع ذاته، تتطلب منه اتخاذ قرارات تغييرية بشأن نفسه، وهذا ما يتهرب منه الكثيرون، كما يتهرب البعض من إجراء فحوصات طبية لجسده، خوفاً من اكتشاف أمراض تلزمه الامتناع عن بعض الأكلات، أو أخذ علاج معين.

... إنَّ لحظات التأمل ومكاشفة الذات، تتيح للإنسان فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل. فثمرة المحاسبة إصلاح النفس.

ولعل من أهداف قيام الليل -حيث ينتصب الإنسان خاشعاً أمام خالقه، وسط الظلام والسكون- إتاحة هذه الفرصة للإنسان. وكذلك فإن عبادة الاعتكاف قد يكون من حكمتها هذا الغرض، والاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة.

*****

حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب، وبقية الشهوات التي يلتصق بها يومياً، فإنه يكون قد تخلص من تلك الانجذابات الأرضية، مما يعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه. وتأتي تلك الأجواء الروحية التي تحث عليها التعاليم الإسلامية، لتحسّن من فرص الاستفادة من هذا الشهر الكريم، وتزيد من مناعته ضد إعصار الهوى.

فصلاة الليل مثلاً فرصة حقيقية للخلوة مع اللَّه، ولا ينبغي للمؤمن أن يفوت ساعات الليل في النوم، أو الارتباطات الاجتماعية، ويحرم نفسه من نصف ساعة ينفرد فيها مع ربه، بعد انتصاف الليل، وهو بداية وقت هذه الصلاة المستحبة العظيمة، قال عز وجل: "وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا".

وقراءة القران الكريم والتي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك؛ فهو شهر القرآن يقول تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ" هذه القراءة إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها، لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القران، والاهتمام بفهم معانيه، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القران ونواهيه.

وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم؛ فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القران وذكر الموت".

والأدعية المأثورة في شهر رمضان، كلها كنوز تربوية روحية، تبعث في الإنسان روح الجرأة على مصارحة ذاته، ومكاشفة نفسه، وتشحذ همته وإرادته، للتغير والتطوير والتوبة عن الذنوب والأخطاء. كما تؤكد في نفسه عظمة الخالق وخطورة المصير، وتجعله أمام حقائق وجوده وواقعه دون حجاب.

******

إستراتيجية المراجعة والتصويب

حاجة الإنسان إلى التأمل والمراجعة لها أهمية قصوى فلتراجع نفسك وفق أبعاد ثلاثة:

- البعد الأول: المراجعة الفكرية: أن يراجع الإنسان أفكاره وقناعاته، ويتساءل عن مقدار الحق والصواب فيها، "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ".

- البعد الثاني: المراجعة النفسية: فهل هو جبان أم شجاع؟ جريء أم متردد؟ حازم أم لين؟ صادق أم كاذب؟ صريح أم ملتو؟ كسول أم نشيط؟.. إلخ.

- البعد الثالث: المراجعة الاجتماعية والسلوكية: أن يراجع الإنسان سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، بدءاً من زوجته وأطفاله، وانتهاءً بخدمه وعماله، مروراً بأرحامه وأصدقائه، وسائر الناس، ممن يتعامل معهم أو يرتبط بهم. فما أوضحها من دعوة للمصالحة الاجتماعية، والافتقار وعدم رؤية النفس.

salem2226@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك