مثقفون: الشيخ عبدالقادر الغساني رحل عن دنيانا جسدا وسيظل حاضرا روحا وذكرا

 

◄ مقيبل: حمل الشيخ أمانة التعليم في ظفار وفتح أبواب المدرسة السعيدية لجميع أبناء البلد

◄ الغساني: يُحسب له أن تخرَّج على يديه طلاب يُحبون العلم ويجيدون آداب اللغة العربية

◄ العليان: تتلمذ على يديه المئات ممن أصبحوا الآن في مواقع المسؤولية بمؤسسات الدولة

◄ تقلَّد الشيخ عبدالقادر الغساني وسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون في 2001

◄ أسَّس أول مكتبة عامة في ظفار لتكون وقفا للعلم يربط القارئ والباحث بالكتاب

◄ تضمُّ المكتبة 12 ألف كتاب في الدين والتربية واللغة العربية وآدابها والتاريخ والتراجم

◄ أوصى الشيخ المعلمين من بعده بالإلمام بأكثر من أسلوب من أساليب التدريس

 

 

 

فقدتْ السلطنة، ليلة الجمعة الماضية، واحداً من أخلص أبنائها وأشدهم حماسة لتنمية الوعي الثقافي وتطوير التعليم، وهو الشيخ عبدالقادر بن سالم السيل الغساني، الذي يصفه تلاميذه بأنَّه كان موسوعة علمية متنقلة. مثمنين مشروعه التطوعي في مكتبة دار الكتب التي أوقف عليها منزله ليكون من بَعْده إرثا ثقافيًّا وتعليميًّا للأجيال الجديدة التي تقدِّر قيمة العلم والعلماء، وعرضوا ملامح وصيَّته على المعلمين من بَعْده في سبيل تطوير الحقل التربوي في مختلف مدارس السلطنة.

وقد وُلد الشيخ في صلالة بمحافظة ظفار في الخامس والعشرين من ذي القعدة 1338هـ، الموافق الحادي عشر من أغسطس لعام 1920م. وتوفِّي ليلة الجمعة الماضية عن عُمر يناهز الـ95 سنة.. وتلقى تعليمه الأولي على يد والدته، التي حفظته كتاب الزبد، وهو نظم مكوَّن من ألف بيت في أبواب الفقه على مذهب الإمام الشافعي، وناظمه هو علامة الفقه الشافعي ابن رسلان.. وبعدها، حفظ ألفية بن مالك المكوَّنة من ألف بيت، في رباط سيئون بحضرموت، وكان يكرِّرها يوميًّا قبل النوم. وفي خريف 1941، عُيِّن معلِّما في المدرسة السعيدية بظفار. وفي العام 1949، عُيِّن مساعداً للمدير مع احتفاظه بحصصه كلها؛ وذلك وفق ما أخبرنا به الدكتور سالم بن عقيل مقيبل، الذي اقتربَ كثيرا من حياة عبدالقادر الغساني رحمه الله.

 

الرُّؤية - إيمان بنت الصافي الحريبي

 

 

 

وعن سيرته، يقول الدكتور سالم بن عقيل مقيبل الرئيس التنفيذي لمركز الرؤية للتنمية البشرية، إنه كان مُحبًّا للثقافة والكتاب، ويعلم أن السلطان سعيد يحب القراءة وأنه كثير الاطلاع على الكتب السياسية والتاريخية والأدبية، ويتابع الصحف العالمية التي تأتيه عبر الطيران البريطاني القادم من عدن، فأحب أن يهديه مما أحب فأهداه كتابين في 21 فبراير 1947م ورد عليه بالشكر والقبول. وفي 4 أكتوبر عام 1970 وافق عبدالقادر على أخذ أمانة التعليم في ظفار، وبدأ العمل من المدرسة، فأول قرار اتخذه هو أن تفتح المدرسة السعيدية أبوابها لجميع أبناء البلد، وتم استقبال التلاميذ ووصل عددهم في الفصل الواحد إلى سبعين تلميذاً، وتم قبول 245 تلميذاً من أصل 365، فلقد كان هذا هو الحد الأقصى لما يمكن استيعابه من التلاميذ نظراً للنقص في المعلمين والغرف الصفية.

وكانت السنتان الأوليان بعد عام 1970 فترة تأسيس للمدارس الجديدة، وكان الأستاذ عبدالقادر يعمل فترة طويلة حتى المساء، وعندما يرجع للبيت للراحة يقدمون له الغداء، وكان لا يستطيع أن يمد يده ليأكل من كثرة الإعياء والإرهاق.

وبدأ بافتتاح مدارس جديدة على الشريط الساحلي لظفار في كلٍّ من: الدهاريز مدرسة 23 يوليو للذكور، ومدرسة حطين بطاقة، وابن خلدون بمرباط، وأبوعبيدة بسدح. ثم تبعها الشريط الجبلي فافتتح أول مدرسة ريفية في مدينة الحق.. ثم حجيف وزيك وقيرون حيرتي ونحيز وطوي أعتير، ثم طيطام وغدو ومدرسة شيحيت وألسان وخبرارات وأشنهيب وجبجات وجوفاء.

وتمَّ تأسيس مدرسة قابوس الداخلية للنازحين من ثورة ظفار وأبناء الشهداء، ومدرسة خالد بن الوليد بصلالة الجديدة، ومدرسة النور للبنات، ثم الفارابي في عوقد، ومحمد بن القاسم بالقرض، والقوف وصلالة الشرقية. ثم تمَّ تأسيس مدرسة ثمريت بالبادية للبنين والبنات. وتوسع في تأسيس المدارس في جغرافية ظفار كلها.. تبدأ بخيمة أو بناء خشبي أو تأسيس مدرسة من بناء حديث بالحجر. وفي العام 1980، تمَّ افتتاح المدرسة السعيدية الثانوية بالدهاريز.

وفي العام 1981، وضعت الخطط الأولوية للمنطقة الغربية؛ فتم تأسيس 4 مدارس؛ هي: خضرفى، وارديت، واجدروت، وشهب أصعيب. ولأول مرة في تاريخ التعليم أن تكون هناك صفوف مجمعة (الأول والثاني) في غرفة واحدة، (الثالث والرابع) في غرفة واحدة، لقلة المعلمين، وقلة الطلاب في المناطق النائية في الجبال والبادية. وفي العام 1982، تم افتتاح مدرستي شيرشتي وخضرافي في الغربية. وفتح ثلاث مدارس بالنجد: ذهبون، بربزوم. ثم توالت تأسيس المدارس في مناطق ظفار بأشرافه هو شخصيا. ويوم الأربعاء 29 يوليو 1981 تم ترقيته؛ وذلك بإصدار المرسوم السلطاني 64/81م وهو استثنائي من قانون الخدمة المدينة ونقله إلى درجة وكيل بكافة مخصصاتها.

وتقاعد الأستاذ من وزارة التربية والتعليم بتاريخ 1مايو 1996م، بعد عمر حافل بالإنجازات والعطاء من عمره الذي استمر لمدة 55 عاما خلال الفترة (1941-1996)، كان خلالها معلماً جاداً، علم التلاميذ في غرف الصفية المدرسة وتحت الخيام والصنادق وتحت ظلال الشجر، بذل كل جهد، أحب التعليم لذاته، وأحب تعليم الأطفال، أسس بناء الإنسان في عُمان وساهم في العطاء مع منظومة مؤسسي دولة عصرية بدأت وتكونت كأنها في الأحلام، ولكنها الآن حقيقة مشاهدة.

وانتهى عمله كموظف ورحلته كتربوي وكصانع قرار في مجال التربية والتعليم إلى وظيفة مستشار في وزارة التربية والتعليم ثم التقاعد الرسمي، ولكنه استمرَّ في العطاء حتى لقي الله؛ حيث ظلَّ يقول "حياتي وقف لله". ولكن رحلته بعد التربية لم تنته؛ إذ صدر أمر سامٍ بتعيينه عضواً مكرماً في مجلس الدولة من العام 1997 إلى العام 2000م. وتمَّ تكريمه كأحد الأفراد الذين كانت لهم بصمة في الجانب التعليمي والثقافي، وقُلِّد وسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون في أبريل 2001م.

 

مكتبة دار الكتاب

وخلال سنوات عُمره منذ العام 1941 إلى العام الجاري، وهو يقتني ما لذ وطاب من كنوز المعارف المختلفة من كتب الإسلاميات إلى الأدب والتربية والتاريخ، سلوة العقل والروح، عالمه نحو المعرفة بما أنتجته التجربة الإنسانية عبر القرون، قرأ مئات من الكتب وآلافاً من المجلات في شتى العلوم، ومن حُبِّه لها كان يحتفظ بها في مكتبته الخاصة، والتي تزيد على عشرة آلاف كتاب؛ فقرَّر أن يُؤسِّس أول مكتبة عامة في ظفار تكون وقفا للعلم، واختار لها اسم "مكتبة دار الكتاب" لربط القارئ والباحث بالكتاب. وتم افتتاحها رسمياً في 23 فبراير 2015. هي مفتوحة للباحثين والقراء ومحبي الثقافة، ووقف البناية كلها لله لتكون رافدا لاستمرارية المكتبة. وخصص المرحوم الأستاذ عبدالقادر الغساني منزله الخاص ليكون حاضنا لأول مكتبة عامة في محافظة ظفار على مساحة 381 مترا مربعا. وتحدث الدكتور سالم بن عقيل مقيبل عن التوسع الذي شهدته هذه المكتبة، وقال إنها كانت في منزله في صلالة الوسطى ومن ثم انتقل الأستاذ إلى منزله الجديد بصلاله الجديدة في العام 1983. وتمَّ إنشاء مبنى مستقل للمكتبة في فناء المنزل بمساحة حوالي 80 مترا. ثم جاءت فكرة تحويل المكتبة الخاصة إلى مكتبة عامة لفتحها أمام الجمهور، حيث قام الأستاذ بإعادة بناء منزله القديم هذا وهيأه وفق رؤيته للمكتبة وجعله وقفًا لخدمة المكتبة ومرتاديها.

وتضمُّ المكتبة أكثرَ من 12 ألف كتاب في شتى العلوم والمعارف: 1378 كتابا في الدين والفكر الإسلامي، والتربية والتعليم 964 كتابا، واللغة العربية وآدابها 1700 كتاب، والتاريخ والتراجم 1900 كتاب...وغيرها من المعارف الأخرى، وهي في نمو مستمر، والآن تم عقد اتفاقية شراكة مع مكتبة الاسكندرية بجمهورية مصر العربية لاستفادة الباحث العماني منها مباشرة عبر وسائل الاتصال الحديثة، وهذه خدمة جديدة للباحثين وطالبي العلم. وتعدُّ المكتبة دليلا على حرص المرحوم -طيَّب الله ثراه- على العلم والتعليم، وبث حب القراءة، وتؤكد على دور للمجتمع في تعزيز ثقافة القراءة لدى أفراد المجتمع.

وقال الشيخ أحمد بن محسن الغريبي إنَّ المكتبة تمثل إضافة مهمة لتعزز القراءة خاصة لدى جيل الشباب.. موضِّحا أنَّ المؤثرات الحالية أثرت على إقبال الجيل الحالي من الشباب على القراءة.. وقال إنَّ مثل هذه المبادرات وبرامج التحفيز الأخرى من قبل الأندية والمدرسة ووسائل الإعلام هي إحدى الوسائل التي يمكن أن تعود بها أجيالنا للكتاب.

 

وصية للمعلم

وعن وصيته، يقول الدكتور سالم بن عقيل مقيبل: إنَّ المرحوم الشيخ عبدالقادر الغساني كتب وصية يُوصِي فيها المعلم؛ فقال: "الأمور التي يجب أن يكون المعلم متمكنا منها كي يحقق النجاح في مهنته هي: فهم إيجابي للفلسفة التربوية السائدة في المجتمع الذي يعمل فيه، والتمكن الكافي من المادة الدراسية التي يقوم بتدريسها، والإلمام بأكثر من أسلوب من أساليب التدريس، وفهم طبيعة نمو أطفال المرحلة التي يقوم بالتدريس فيها، وأن يمتلك في شخصيته الاستعداد الذاتي للقيام بتصميم الدروس. وأوصي مدرس اللغة العربية أن يتدرب أثناء الخدمة على الأهداف التربوية، ولحل المشكلة بشكل دائم، ويجب أن تهتم كلية التربية بجامعة السلطان قابوس بتدريبهم على فلسفة وأهداف التربية العُمانية".

 

موسوعة تربوية

وقال الأستاذ والخبير التربوي السابق سالم بن أحمد بن فرج الغساني -الذي عمل بالميدان التربوي جنبا إلى جنب مع المرحوم الشيخ عبدالقادر الغساني، مع عدد من رجالات التربية والتعليم في محافظة ظفار- إنَّ أقلَّ ما يُمكن أن يوصف به المرحوم أنه موسوعة ثقافية وتربوية وطنية بخبرته ودراسته ومعايشته وفهمه لواقع العمل التربوي، وأتاح له علمه وتدرجه الوظيفي في عدد من الوظائف التربوي أن تكون له لمسات وإسهامات واقعية كثيرة وكبيرة على واقع التعليم في محافظة ظفار في ذلك الوقت. وأضاف بأنَّ المرحوم -طيَّب الله ثراه- أفنى حياته لخدمة التعليم وتنشئة الأجيال وكانت لشخصيته كمعلم الأثر الكبير في تقديم كوكبة من الصفوة الذين يُشار إليهم بالبنان من مخرجات المدرسة السعيدية آنذاك. وسرد الأستاذ سالم بن أحمد الغساني لـ"الرؤية" جانبا من ذكرياته مع الشيخ عبدالقادر الغساني -رحمه الله- وقال إنَّه التحقَ بالعمل مع الشيخ عبدالقادر في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كنائب للشيخ عبدالقادر عندما كان -رحمة الله عليه- مديرا لمكتب الإشراف التربوي في ذلك الوقت، وبعد أن أصبح مكتب الإشراف التربوي مديرية عامة للتربية والتعليم في محافظة ظفار، شغل سالم الغساني مديرا لدائرة التخطيط بالمديرية. وقال إنَّ هذا التدرُّج أتاح له أن يقترب كثيرا من بيئة العمل التربوي النشطة التي كانت تغلف العمل، بل وتشكل قالبا وروحا أساسية لعمل دؤوب يحثنا عليه.

وقال سالم الغساني، إنَّ عبدالقادر الغساني -طيَّب الله ثراه- كان شغوفا بالعلم والثقافة والقراءة والاطلاع والتعليم واللغة العربية.. وقال إنه يُحسب له أن تخرج على يديه طلاب يحبون العلم ويجيدون اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة؛ إذ إنه -رحمه الله- كان لديه من أساليب التعليم والتدريس ما جعل الطلاب يقبلون بمزيد من الشغف على دراستها وتعلمها لدرجة الاجادة والتميز فيها. وزاد الغساني موضحا بأنَّ أسلوب التدريس لدى المرحوم -طيَّب الله ثراه- يوظِّف المناهج مع بعضها ويربطها فهما وتطبيقا؛ فعلى سبيل المثال: في حصة المحفوظات وهو يستمع إلى حفظ الطلاب للقصائد والأبيات الشعرية تراه يستوقفهم عند بيت معين، ويطلب منهم أن يُعربوه، وهنا تشكَّلت لدى ذلك الجيل رصانة لغوية تمثَّلت في فنون وجمال الخط العربي للطلاب، ومهارات كبيرة في القراءة والكتابة والتحدث...وغيرها.

وأضاف بأنَّ عبدالقادر الغساني كان يتمتَّع بخط عربي في غاية الروعة؛ حرص على نقله لتلاميذه.. وقال إنَّه خلافا لما لدى الراحل من ثقافة واطلاع وشغف للعلم والتعلم، فإنه إلى جانب ذلك رجلٌ يتَّصفُ بدرجة كبيرة من الدقة واحترام الوقت والجدية في العمل والحرص على مصالح الطلاب، وكان يعتمد أسلوبَ التشويق والترغيب في تدريس مادة اللغة العربية. ومهنيا (والكلام لا يزال للغساني) كان مربِّي الأجيال الراحل -رحمه الله- يُؤمن بالزيارات الميدانية للحقل التربوي؛ حيث كان كثيرَ الزيارات للمدارس، ومهتما وحريصا على متابعة العمل التربوي عن كثب في جدول زيارات معلوم ومحدَّد يضعه ويحثُّ كافة فريق العمل لديه -من مديرين وموجِّهين- على الانطلاق للميدان التربوي لمتابعة ما يتم، والوقوف على الإيجابيات ومعالجة السلبيات، ووضع الحلول، كما كان لا يكترث ببعد أو قرب المدرسة بل كان شديد الحرص على القيام بهذه الزيارات، وحضور الطابور الصباحي، وإلقاء الكلمات التحفيزية والتوجيهية أثناء الطابور، خلال زياراته الصفية لمدارس الوسطى آنذاك والمناطق الغربية والشرقية والجبلية في ظفار.

كما كان -رحمه الله- مشجِّعا ومحفِّزا لكلِّ مُعلم وتربوي مجيد، وكان يحرص كذلك على أن يعقد اجتماعات أسبوعية مع كلٍّ من مديري ومديرات المدارس والمسؤولين في المديرية بشكل متواصل، بهدف مناقشة واستعراض التحديات واقتراح الحلول المناسبة لدعم سير العملية التعليمية. ووصف الغساني بأن العمل مع الشيخ عبدالقادر -رحمه الله- كان يسير في جو تسوده الألفة والتفاهم؛ فهو معروف بهدوئه وضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين.

 

مرجع ثقافي

فيما قال الكاتب عبدالله بن علي العليان: لا شك أنَّ المرحوم الشيخ عبدالقادر بن سالم الغساني، عَلَمٌ من أعلام عُمان في الثقافة والعلم والتربية في عصرنا الراهن، ومرجع مهم لتاريخ السلطنة وتراثها، وقدَّم الكثيرَ لخدمة بلده في هذا المجال، خاصة في مجال التراث، والتربية والتعليم على وجه الخصوص؛ حيث عمل في التربية لعقود طويلة معلِّما ومربيا ومسؤولا، وتخرج على يديه المئات من أبناء عمان، وعدد كبير منهم في موقع المسؤولية الآن في الكثير من مؤسسات الدولة، وأتذكر أنني أرجع إليه في معرفة جوانب هذا التاريخ والتراث؛ حيث إنَّ له بعض المؤلفات والبحوث العلمية في التاريخ والتراث، وبعضها لم ينشر حتى الآن ونأمل أن تُنشر كل أعماله ليعرف هذا الجيل مدى مساهمة الشيخ المرحوم عبدالقادر الغساني في تاريخ هذا البلد وتراثه العريق.

وأضاف العليان: كان المرحوم الشيخ عبدالقادر من المهتمين والمتابعين للفكر والثقافة منذ بداية حياته الدراسية والتربوية؛ حيث كان يُتابع كل جديد في مجال الفكر والثقافة، وكما أعرف أنه كان يتابع إصدارات مجلة الثقافية منذ صدورها في الخمسينيات من القرن الماضي، وهذا يدلُّ على اهتمامه بالفكر والثقافة والتاريخ، وعلى أهمية القراءة باعتبارها غذاءَ الروح والعقل، وعندما كنت أزوره -رحمه الله- كنتُ أجده يقرأ إما في كتاب، أو مجلة ثقافية أو فكرية حتى في السنوات الأخيرة من حياته.

واعتبر العليان أنَّ إقامته لمكتبة عامة في ظفار -والتي تم افتتاحها برعاية سمو السيِّد هيثم بن طارق آل سعيد- دليلٌ على هذا إدراكه -رحمه الله- أهمية الثقافة والقراءة ليتزود بها كل من يريد أن ينهل من المعارف المختلفة، وكذلك الباحثون والمهتمون بالثقافة والفكر، وأن المثقفين العمانيين سعدوا بافتتاح المكتبة التي تعدُّ علامة بارزة للثقافة بما يجسده المكان من مصدر إشعاع للفكر، خصوصا وأنَّ محافظة ظفار تفتقر إلى مكتبة وطنية أهلية تفتح أبوابها للجميع، ليس للقراءة فقط، بل للنقاش والحوار من خلال عقد جلسات ثقافية ودعوة المفكرين والأدباء لمناقشة ما يطرح من قضايا ثقافية وفكرية وأدبية. وأضاف: كان شيخنا وأستاذنا والباحث والمربي -غفر الله له- قدوة ومرجعا لأجيال في العلم والمعرفة، إلى جانب تاريخه التربوي في السلطنة.

 

مربي الأجيال

أما سالم بن عوض النجار رئيس مكتب الإعلام بمحافظة ظفار، فقال: إنَّ الشيخ عبدالقادر بن سالم الغسـاني -رحمه الله- يتوارى عن دنيانا جسدا، ولكنه يظل حاضرا بيننا روحا وذكرا.. المعلم والمربي الفاضل الذي رحل بعد عُمر ناهز الخمسة وتسعين عاما كانت حافلة بالعطاء.. وستظل مآثره تتحدث عن هذه شخصيته؛ فمكتبته دار الكتاب التي رفض أن تسمى باسمه وأوقف عليها منزله الذي أعاد بناءه على طراز حديث ليُسهم عائده في تطوير هذه المكتبة التي أراد لها أن تكون منهلا للقراء والباحثين عن المعرفة؛ لما تحويه من أمَّهات الكتب والدوريات والمخطوطات النادرة ووسائل المعرفة الحديثة.. وفَضْلُ الشيخ عبدالقادر على أهل ظفار كبير؛ لما قدمه من خدمة في مجال التربية والتعليم منذ عودته من رباط العلم في سيئون بحضرموت؛ ليكون أحد الأوائل من مدرسي المدرسة السعيدية في صلاله؛ حيث تتلمذ على يديه الكثير من أعلام محافظة ظفار، كما كان له شرفُ تعليم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم مُنقذ هذه الأمة وباعث أمجادها. وهذا الرجل امتدَّ عطاؤه في مجال التربية والتعليم منذ السعيدية القديمة التي أُنشئت في ثلاثينيات القرن الماضي وإلى وقت قريب، حظي خلال هذه الفترة باحترام الناس وتقدير الدولة، وبشكل خاص تقدير صاحب الجلالة الذي ولَّاه مناصبَ عُليـا تليق بشخصه العظيم.

واختتم بقوله: كلنا ندين له بهذا الفضل؛ حيث كان التعليم في عهده في أحسن حالاته -انضباطا وسلوكا وتحصيلا- لأنه يُثمِّن أهمية التعليم؛ لذلك أعطى له دون حُدود إخلاصا وجهدا.. رحم الله الشيخ عبدالقادر الغساني وطيَّب ثراه.

 

تعليق عبر الفيس بوك