سالم بن جمعة الهاشمي
خلق غض البصر، خلقٌ قرآني، والمراد به غض البصر عن محارمِ الله تعالى، فلابدَ للمسلمِ أن يأخذ به، لما في ذلك من حسنِ الخًلقِ والأدب والأخلاق السامقة، وقبل ذلك هو طاعة للهسبحانه وتعالى الذي أمرنا بغض البصر بآية صريحة في كتاب الله من سورة النور، قالَ تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).
وقال ابن كثير في تفسيرها: "هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعا، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال : سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري.
وجاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوسَ في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه".
ولنتأمل سوياً أيها الأحبة في الحال الذي وصل إليه الشباب والفتيات ما تقشعر منه الأبدان المؤمنة، فلا يراعون حرمات الله ولا حرمات الناس، خاصةً عندما يجلسون في الطرقات يتسنحون الفرص للنظر إلى الفتيات؛ لما يرون في ذلكَ من إمتاع النظر، ومنهم من يقول نتمتع ونتأمل ما خلق الله!!! يالهُ من لبس شيطاني سيطر على بحبوخة أدمغتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله !!
النظرٌ كما قالوا سهم من سهام إبليس، الذي ما يعود إلا بالمصائبَ الجسام، وهي خطوة من خطوات إبليس والعياذ بالله، وتردي صاحبُها إلى ما يحمد عُقباه، ولها وقع وخيم في النفس، حيث تجعل المرءُ متخدراً ومتحسراً ومهموما ومغموماً إزراء هذه النظرة! ولله در القائل: كل الحوادث مبدأها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشرر// كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ** فتك السهام بلا قوس ولا وتر// والمرء ما دام ذا عين يقلبها * في أعين الغيد موقوف على الخطر// يَسُرُّ مقلتَه ما ضرَّ مهجته *** لا مرحباً بسرور عاد بالضرر".
ولو رجعنا قليلا إلى الزمن الجاهلي، ونسمع معا ما قاله عنترة ابن شداد العبسي:وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي ... حتى يُواري جارتي مأْواها// إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ماجدٌ ... لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها".
هذا عنترة ابن شداد ينشحُ هذه الجواهر والدرر وهو في عصر الجاهلية، التي ينبثقَ منها الأدب وسماحة النفس والخُلق وشيم الرجال الذين يترفعون عن سفاسف الأمور! وهذا نداء الفطرة الطرية الصافية!
فكيف يا ترى نحنُ المسلمينَ الذين أكرمنا الله بالإسلام والهداية، وللأسف نسلكُ طرق الغواية !! إلا من رحم الله.