السيّارة ذاتية القيادة

عبيدلي العبيدلي

فيما نتعارك نحن العرب حول قضايا يعود تاريخها إلى ما يربو على 15 قرنًا من الزمان، حتى بتنا كما يقول مسلسل "سلفي" الرمضاني، بحاجة إلى "طبيب نفساني لعلاج هذه الظاهرة، التي لم يعد في الوسع خضوعها للشروط الأمنية المتعارف عليها"، يواصل في العالم سباقاته للسيطرة على الفضاء، من خلال تطوير سفنه التي يرسلها إلى الأقمار والكواكب الأخرى، أو إحداث قفزات سريعة متتالية في الصناعات التقليدية مثل صناعة السيارات. هذا ما أزاحت عنه الستار شركة غوغل، عملاقة صناعة الاتصالات والمعلومات، عندما كشفت النقاب، مؤخرا عن سيارتها ذاتية القيادة الجديدة. وهكذا لم تعد السيارة ذاتية القيادة حلمًا يراود أفكار الشباب والمراهقين، بل أصبح حقيقة ملموسة بتنا نشاهدها على طرقات مدينة ماونتن فيو، بولاية كاليفورنيا الأمريكية. صحيح أنّها، كما تقول عنها صاحبة الابتكار، شركة غوغل، ما تزال في "مرحلة الاختبار وتحت سائقين لأغراض الأمان"، لكن الحقائق تقول إن فكرة السيارة ذاتية القيادة انتقلت من مجرد طموح يستحق التفكير، إلى حقيقة قابلة للاستخدام.

ورغم أن النماذج التي نشرتها غوغل على مدونتها "مصممة للعمل دون عجلة القيادة أو الدواسات، لكن سيكون لسائقي السلامة عجلة قيادة قابلة للإزالة، ودواسة للوقود، ودواسة مكابح أثناء مرحلة الاختبار في حال الحاجة لتولي القيادة".

وكانت غوغل قد كشفت في مايو 2014 "عن خطط لنشر 100 سيارة على الأقل مستقلة تماما بمقعدين، على شكل بيضة مع سرعتها القصوى 40 كيلومترًا في الساعة ودون عجلة توجيه القيادة".

من الطبيعي أن تفابل خطوة غوغل بردة فعل من الضالعين في سوق السيارات وصناعتها، وأولهم الشركات العملاقة التي تمتلك تاريخا طويلا في هذه السوق من أمثال "جنرال موتورز" و "بي إم دبليو"، ورينو"، وتويوتا"، نظرًا لكبر حجم سوق هذه الصناعة. فوفقا للتقديرات يتجاوز "حجم سوق السيّارات الأمريكي 500 مليار دولار". في حين قدر حجم سوق السيارت في السعودية في العام 2012، " بنحو 2.5 مليار دولار".

فيما تتحدث التقارير القريبة من هذه السوق، فإن شركات "كبرى مثل مرسيدس-بنز ونيسان موتورز قدمت وعودا كبيرة بشأن تصنيع السيارات ذاتية القيادة منذ العام 2010"، قبل أن تفاجئهم غوغل وتطرح سياراتها التجريبية ذاتية القيادة في الأسواق، والتي "تستطيع قيادة نفسها بأستخدام أجهزة استشعار متطورة وبرمجيات غوغل".

على نحو مواز، كان مسؤولون تنفيذيون في شركة نيسان، قد أعلنوا قبل فترة "إنّهم بصدد وضع جدول زمنى بشأن السيّارات ذاتية القيادة ودخولها خطوط الإنتاج للمستهلكين". وجاء على لسان الرئيس التنفيذى للشركة كارلوس غصن أنهم على أبواب تقديم" عدد من التقنيات المتطورة خلال الأعوام القادمة مثل نظام المساعدة أثناء الازدحام ونظام الركن الذاتي واللاتي سيتوفران في سيارات نيسان أواخر 2016، وبحلول عام 2018 ستقدم نظام المناورة التلقائي الذي يساعد السيارة على التنقل بين حارات الطريق، وعام 2020 ستقدم نيسان نظاما أكثر تطورًا يساعد السيّارة على القيادة الذاتية فى مختلف الشوارع دون تدخل السائق".

أمّا شركة مرسيدس- بنز فوفقًا لتصريحات المسؤول عن برنامج القيادة الذاتية فى الشركة الأم دايملر رالف هيرتوش،"فإنّ الشركة تستهدف مشتري السيارات ومستخدمي خدمات Car2go الخاصة بمرسيدس من خلال إنتاج السيارات ذاتية القيادة".

ولم يتخلّف عملاق صناعة السيّارات الأمريكية جنرال موتورز عن هذا السياق، فأكدت "أنّها ستقدم تكنولوجيا القيادة الذاتية وعرفتها بأسم سوبر كروز (Super Cruise) بحلول العام 2020 الذي سيشهد (حسب توقعات الشركة) انطلاقة لأحدث السيارات ذاتية القيادة".

لكن روح المنافسة لم تتوقف عند مصنعي السيّارات بل امتدت كي تشمل شركات تقنية المعلومات من أمثال أبل، التي رغم تحاشيها الإفصاح عن مشاريعها في هذا الاتجاه، لكن تقريرًا نشرته رويترز نقلا عن توقعات صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، "كشف أنّ شركة أبل تعمل على تطوير سيارة كهربائية ضمن مشروع سري داخلها، أطلقت عليه اسم (تيتان Titan).

ويرى العديد من الخبراء أنّ أية خطوات إيجابيّة على هذا الطريق من شأنها أن تؤثر سلبًا على شركات التأمين على السيّارات، وهو أمرٌ أشار إليه المُستثمر الأميركي الشهير وارن بافيت بقوله إن "السيارات ذاتية القيادة ستؤدي إلى خفض معدلات حوادث السيارات بنسب قد تصل إلى 50%، وهو أمر قد يؤثر سلباً في مستقبل صناعة تأمين السيارات".

لكن الخطر الحقيقي من المنافسة الذي ستتعرض له غوغل لن يكون مصدره شركات السيارات وحدها، أو شركات التقنية فقط، بل هناك المشروع الهجين الذي تشاركت في إطلاقه شركتا سامسونغ و رينو في العام 2012 عندما أطلقتا "سيارة كهربائية تعرف بإسم SM3 استحوذت على حصة قيادية من سوق السيارات الكهربائية في كوريا الجنوبية. ولاتزال سامسونغ رائدة في تقنيات البطاريات وهي المورد الرئيسي لسيارات BMW الكهربائية". وتتحدث الأخبار أنّها ولجت طريق صناعة السيارة ذاتية القيادة.

وبخلاف تصورات الكثيرين، التي ما تزال غير قادرة عن التخلص من مخاوفها التي تتحكم فيها بشان الأخطار المرورية التي يمكن أن تسببها السيارة ذاتية القيادة، فإن كل التوقعات تشير إلى أن السيارات ذاتية القيادة، سوف تساهم بشكل مباشر وملموس في "منع حوادث السير أو خفض احتمالاتها بنسب هائلة، ستصل (حسب بعض التقديرات إلى) 90% من حوادث السير، في حين يرجح البعض الآخر بأن هذا الرقم سيكون بحدود 75% فقط".

وهذا ما ينوه له المُستثمر الأمريكي الشهير وارن بافيت حين يقول "إن السيارات ذاتية القيادة ستؤدي إلى خفض معدلات حوادث السيارات بنسب قد تصل إلى 50%، وهو أمر قد يؤثر سلباً في مستقبل صناعة تأمين السيارات".

السيّارة ذاتية القيادة قادمة، شاء المحافظون أم أبوا، لكن طريقها لن تكون بطبيعة الحال مفروشة بالورود، كما يتوهم بعض المفرطين في تفاؤلهم.

تعليق عبر الفيس بوك