مثقفون: تواصل موجة التفجيرات الإرهابية يستدعي مراجعة شاملة لمواجهة التكفير والغلو

◄ العليان: للتطرف أسباب فكرية وسياسية واجتماعية.. ويستفيد من أجواء عدم الاستقرار

◄ الفهدي: الإرهابي يبرر كل جرائمه بوهم زائف وفكر مخالف لا يستند إلى حق الله

◄ الطوقي: على الحكومات أن تبادر إلى مواجهة الفكر "الداعشي" ولا تكتفي برد الفعل

◄ عزيزة راشد: من الغريب أن يجد الإرهاب تربة خصبة في بلاد الإسلام دين الوسطية والسلام

◄ الغافري: "الإنتربول" صنف مكافحة الإرهاب كمجال إجرام ذي أولوية دولية

◄ المسكري: معادلة الإرهاب تتلخص في معطيات الجهل والفقر والقمع والإقصاء

◄ ضعف نظام التعليم وهشاشة الدور التربوي للأسرة من أسباب خلق الشخصية المتطرفة

◄ من الضروري تعزيز مفاهيم الإسلام الذي يستوعب الجميع بمختلف مذاهبهم وعقائدهم

توالت الضربات الإرهابية خلال الأيام الماضية على مناطق متفرقة بدول عربية إسلامية، ونشرت الرعب والذعر بين النفوس الآمنة في الشهر الفضيل؛ حيث وصل الفجور بهؤلاء الإرهابيين إلى تفجير مسجد في الكويت دون مراعاة لحرمة شهر رمضان الفضيل. وأشار عدد من المهتمين بالشؤون الدولية والإقليمية إلى أن التفجيرات الأخيرة في الكويت وتونس وفرنسا تمثل ظاهرة إرهابية جديدة لا تراعي حرمة المساجد أو الكنائس، وتقتل ضحاياها بشكل عشوائي، يكشف أن مرتكبي هذه الجرائم من فاقدي الضمير والإنسانية.

ويقول الكاتب والباحث عبدالله العليان: إن ما جرى من تفجيرات في مسجد بالكويت، وقتل العشرات وهم ساجدون لله -عز وجل- وفي شهر رمضان المبارك، أمر خطير، وكذلك ما حدث في تونس من تفجير بعض الفنادق، وقتل سياح آمنين، وهذا بلا شك يستدعي المراجعة الكاملة لمواجهة التكفير والتطرف والغلو، الذي يزداد ويشكل خطورة فعلية على الأمة كلها.. ورأى أنه لابد من محاصرة هذا الفكر بفكر أقوى، لتقويم جيل الشباب الذي يسلم عقله ونفسه إلى داعش دون وعي، ولابد من تجفيف منابع التكفير والتطرف من كل أصحاب الفكر والرأي، وأولهم العلماء، ووقف خطاب التكفير والكراهية والتحريض في القنوات الإعلامية من الجميع.. وأكد أن الحل العسكري وحده لا يحقق الهدف، أنه ولابد من المواجهة الفكرية، وإغلاق وإسكات دعاة التكفير والإقصاء من الوسائل الإعلامية، ومن كل الأطراف.

الرؤية - مدرين المكتومية - محمد قنات

وذهب العليان إلى أن التطرف والغلو والتكفير، أسبابه عديدة، فكرية وسياسية، واجتماعيا، وأسرية، لكنه يستفيد من عدم الاستقرار والقمع والاستبداد والمظلومية، ليكسب أنصارا تحت هذه الظروف والأسباب؛ لذلك فإن القوة العسكرية والحلول الأمنية لن تستطيع إنهاء هذا الفكر المتطرف تماما، أو القضاء عليه بعيدا عن الحلول الأخرى الفكرية والسياسية، بل لابد من استئصال.. وأشار العليان إلى أن هنالك تجارب عديدة أظهرت أن هذا التوجه الفكري فاشل ومرفوض من غالبية المسلمين؛ لأن التطرف والغلو يرفضه الإسلام، ولا يمكن احتضانه لأن الرؤية الإسلامية واضحة برفض تكفير الآخر لمجرد الاختلاف في قضايا فرعية، وهذا ما تؤمن بعكسه داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، ولابد من محاصرة الفكر وإغلاق خطابات الكراهية والتحريض، وأن تكون المواجهة مع التطرف والغلو من خلال مواجهة، فكرية وثقافية، وليس الحلول العسكرية والأمنية التي لن تتمكن وحدها من مواجهة الخطر الفكري الكبير.

لا دين للإرهاب

ومن جانبه، أكد د.صالح الفهدي أنه لا دين للإرهاب وهو يعد أبشع وجوه الإجرام، وأدناها جبناً، وأوضعها خسة، وهو الوجه الأسود للإنسان المتواري خلف متاريس الفكر الظلامي، ومصاريع التعصب الإجرامي. ولم يعد يرى سوى لون السواد والدم، ولم يعد يستسيغ سوى الاستماع إلى الدوي، وصوت حز الأعناق، ولم يعد يرى في الأرض غيره خليفةً. ويبرر الإرهابي أفعاله بالوهم الزائف لتمرير كل جريرة وجريمة، لأنه لا يستند إلى حق؛ فالله سبحانه وتعالى يقول قولاً واضحاً جلياً في محكم التنزيل: "ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا" (النساء:93)، فإن كان الإرهابي الذي يدعي الإسلام -والإسلام منه بريء- يستحل دماء المسلمين وأعراضهم، فكيف شأنه مع غير المسلمين؟. أين هؤلاء الظلاميون من وصية المصطفى -عليه الصلاة والسلام- في خطبة الوداع: "أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا".

وأضاف الفهدي بأن الإرهابيين يبنون بنيانهم على قواعد الدين، ويردون فظائعهم إلى شريعته السمحاء التي هي في حقيقتها المحجة البيضاء (الطريق المستقيم) لا يزيغ عنها إلا هالك كما ورد في الحديث الشريف. ويقول عالم النفس الشهير (William James) في كتابه قناع التدين 1902: "إن المتدين يميل إلى أن يتخذ الدين قناعا لكل أنواع الأفعال القاسية التي يرتكبها". لا ينطلق هؤلاء من فهم للدين فالدين أسمى من عقولهم، وأسمح من قلوبهم، وأجلى من أبصارهم، إنما غلظت سرائرهم، وفسدت قلوبهم فدفعتهم إلى الاستعلاء الذي يصنف الأمم إلى مؤمنة وكافرة..! يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "وفي تجاربي ما يجعلني أشمئز من التدين المغشوش، وأصيح دائما أحذر من عقباه! فالمنحرفين يسترون -بركعات ينقرونها- فتوقاً هائلةً في بنائهم الخلقي وصلاحيتهم النفسية، وهم لا يظنون بالناس إلا الشر، ويتربصون بهم العقبات لا المئات، وهم يسمعون أن شعب الإيمان سبعون شعبة، بيد أنهم لا يعرفون فيها رأسا من ذنب ولا فريضة من نافلة".

وأوضح الفهدي أن للإرهاب جذوره وأسبابه وعوامله، وما لم نأخذ ذلك في الحسبان فلن نقوم اعوجاجاً، ولن نوقف مداً من الإجرام الظلامي الهدام، هؤلاء ليسوا إلا تربيةً وزرعاً لأفكار مسمومة لمن ادعوا العلم فصارت لهم القدسية والحصانة والتبعية العمياء وهم أضل الناس وأكثرهم حقداً على الإسلام وعلى الإنسانية، فما نتج من ضلالتهم إلا تقطيع الرؤوس، وتفجير الآمنين، وإزهاق الأرواح، وخراب الأوطان، واحتراب الطوائف، وعصبيات المذاهب. وسيتحمل هؤلاء الوزر العظيم الذي ورثوه للأجيال، وبئس ذلك ورث. كما أنَّ الذنب يتحمله كل من يسمي نفسه "داعية إسلامي" أو "مفكر" أو "مثقف"، أو من لم يعمل للتخلص من الأفكار التي ورثت له طائفياً أو مذهبياً أو فكرياً أو غير ذلك، بل استمر في ذات العصبية السالفة، ونفس العقلية الماضية، وكأنه قد حمل في يده مفاتيح الجنان لا تنفك عنها أنامله. وجذور الإرهاب يتحملها إلى جانب هؤلاء كل نظام سياسي بدد ثروات الأمة، وأهلك خيرات الأوطان، واستبد بمصائر العباد فجعلهم عبيداً له، يقتاتون على ما يتساقط من أياديه، ويتكففون على بقايا طعامه..! وجذور الإرهاب تكمن في تعليم لم يع كيفية فتح العقول لتدرك وتفهم وتعي وتناقش وتحلل وتبني وتبدع، بل أتخمها بالحشو من الكلام، ولقمها بسحق الآخر وزهو الأنا. وألجمها عن التحاور والتعليل، والفهم والتحليل. فإذا بها تكبر مذعنة، خاضعة تأتمر لكل من يسمي نفسه عالم، فهي رهينة أمره لا أمر الله. فالله ينهاه عن القتل، وإمامه يأمره به.

وأشار إلى أنَّ جُذور الإرهاب متأصلة في الكتب والعقول والأفكار وفي المفاهيم، تراها في قساوة القلوب، وجهامة الوجوه، وغلاظة الحديث، وما لم تبادر الحكومات لإصلاح عام: علمي، وفكري، واقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني فلن تفلح جهودها للقضاء على الإرهاب.

وخَتَم الفهدي بقوله: إنَّ الأمة اليوم في وَضْع حرج جداً، فخير لها أن تنبذ العصبيات المذهبية، وتترك النزعات الطائفية، لأجل سد الذرائع للإرهاب. كما أن الأصوات المعتدلة يجب أن تعلو فوق أصوات التشدد من جهة والتفسخ من جهة أخرى، وعلى الساسة أن لا ينظروا للأمر بعين التطويق الأمني وإنما بعين التنمية الإجتماعية والعلمية والإقتصادية التي تعلي من قيم الكفاءة والمساواة والعدالة الإجتماعية وتحسن معيشة الأفراد، وكل جانب من شأنه الإرتقاء بمستوى معيشته. وعلى الإعلاميين أن يدركوا حجم المسؤولية الملقاة على كاهلهم إزاء هذا البلاء العظيم الذي ابتليت به الأمة حتى يعي كل إعلامي ما هي رسالته الحقيقة التي لا تكمن في الإثارة وإنما في الإصلاح الأصيل بعيد المدى والمؤسس على أركان قويمة. إنها رسالة لكل مواطن واع بما يحيط أمته من مخاطر، وما يواجهها من تحديات أن يكون عاملاً مساعداً على نبذ الإرهاب وشيوع السلام، والإسهام في التنمية الشاملة لوطنه.

مواجهة الفكر "الداعشي"

وقال خلفان الطوقي: لكي نتفادى التفكير الداعشي في مجتمعنا العماني المسالم، على الحكومة أن تكون ذات فكر استباقي وأن يكون تفكيرها رياديًّا، وألا تعتمد على الفكر الارتجالي أو تطبيق مبدأ "لكل حدث حديث"؛ لذا على حكومتنا أن تنظر للموضوع من جوانب مختلفة وتطبيق إستراتيجية شاملة ذات منظور شمولي وتكاملي لا يهمل جانبًا على حساب آخر على أن يشمل جميع جوانب الحياة. وأضاف بأنه من الناحية القانونية على الحكومة أن تطبق سيادة القانون والعدالة الاجتماعية بمعناها الحقيقي على الجميع دون استثناء، ويمكنها أن تستلهم من خطب صاحب الجلالة السلطان قابوس في مناسبات عديدة عندما يذكر اﻷجهزة المختلفة بأهمية تطبيق القانون بصرامة وعلى الجميع، ويذكرنا دائما بأن عمان دولة قانون ودولة مؤسسات وللمواطن نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. ومن الناحية الإعلامية، طالب بضرورة إيجاد ما أسماه "الإعلام الأساسي المقروء والمسموع واﻹلكتروني" نشر التوعية المستمرة للشباب بأهمية الانفتاح الفكري ونقبل واحترام الآخر والتعايش مع الآخر بغض النظر قبيلته أو مذهبه أو جنسه أو لونه أو عرقه أو دينه. ومن الناحية الاقتصادية، فعلى حكومتنا إيجاد التشريعات والقوانين المحفزة لخلق شراكات إستراتيجية ومبادرات داخلية بين صناديق الاستثمار العمانية وخاصة الحكومية مع الشركات العائلية والشركات التجارية الكبرى والاستفادة من الحجم الكبير من الوادئع المجمَّدة ﻹنعاش الاقتصاد، وتوظيف العدد الهائل من الخريجين، خاصة إذا عرفنا أن حجم الودائع البنكية للأفراد والشركات المحلية تجاوزت السعبة مليارات ريال عماني أي حوالي عشرين مليار دولار.

وأوضح الطوقي أنه من الناحية التعليمية والتربوية على الحكومة تطوير المناهج وتنمية معنى المواطنة الصالحة لديهم، وعدم الاكتفاء بالنظريات والتعبير اﻹنشائي.. واقترح أن تكون هناك تطبيقات عملية تخلق الحسَّ المجتمعيَّ لشبابنا منذ نعومة أظافره، والتركيز على المراحل الابتدائية أثناء دراستهم، كما على أطفالنا أن يقضوا ساعات معينة في كل مرحلة من حياتهم الدراسية لخدمة مجتمعهم؛ وبذلك سنخلق المواطنة المجتمعية والشخصية المنتجة المفيدة لنفسه ومجتمعة ووطنه الكبير.

وفيما يخص الجانب اﻹستراتيجي والتخطيطي، قال الطوقي: يجب تبنى إستراتيجيات وطنية في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والشبابية، ويشارك في صياغتها جميع أطراف العلاقة ويكون المواطن طرفا فيها لكي يكون جزءا وعاملا ولاعبا أساسيا لتقبلها والمساعدة في تنفيذها وخاصة الجزئيات الخاصة به، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تنمية العنصر البشري والتركيز على اقتصاد المعرفة. أما الجانب الديني، فلابد من مراقبة الخطاب الديني المتطرف ورصده ومراقبته وتشديد العقوبات عليه، ومنعه من إثارة النعرات القبلية أو الطائفية أو العرقية أو الدينية.

أهداف استعماريَّة

فيما أكدت الباحثه والإعلامية عزيزة راشد، أنَّ الإرهاب وجد في البيئة العربية أرضًا خصبة ليتفرخ فيها وينتشر. ومن الغرابة أنَّ هذه التربة الخصبة ماؤها الإسلام الذي يأمر بالرحمة ويحث على التسامح.. وأضافت بأن الأنظمة الوضعية التي وضعها البشر بدأت تفرِّغ أجندتها من الإسلام، وتربي جيلا آخر مختلفًا ليكون إرهابيا يدمر ويقتل ويحرق، هذه التراجيديا العجيبة التي لا نراها حتى في الأديان الوثنية والشركية، نستغرب من وجودها بين المسلمين أنفسهم فمنها ما جاء من صنع المسلمين انفسهم ومنها ما جاء إثر صناعة غربية أخرى لها أهداف استعمارية، ورؤية بعيدة المدى، الدين هو الملجأ والحصن الذي يحمي الانسان من أهواء نفسه الأمَّارة بالسوء، ولا يمكن أن تتم المتاجرة به واستغلاله، ولابد أن توضع القوانين الرادعة والمراقبة المستمرة لتلك القوانين الصارمة.

وأشارت إلى أنَّ الإرهاب يجد البيئة الحاضنة له والتربة الخصبة، إن توافرت عدة عوامل؛ منها: هشاشة التعليم والمتاجرة بالدين وضعف التربية الأسرية، مع استغلال بعض القوى الأخرى التي لها أجندة استعمارية لمسار الأحداث في المنطقة. وأن تحصين البيت من الداخل هو الملجأ والحصن الحصين لأمن الوطن، كما أنَّ التربية الأسرية يجب أن تبتعد عن التطرف ودعاة الدين يجب أن يبتعدوا عن الغلو والتعليم يجب أن يرسخ مبادئ التسامح.

ومن جانبه، قال الدكتور حسين الغافري مدير الشؤون القانونية بهيئة تقنية المعلومات: إنَّ الإرهاب أصبح ظاهرة تقشعرُّ لها الأبدان؛ حيث حَوَتْ بين جنباتها الكثير من الآلام والأوجاع؛ لدرجة أنَّها استقطبتْ اهتمامَ الشعوب والحكومات في كل دول العالم، وأصبح الإرهاب يمثل بجميع أشكاله تهديدا خطرا على السلام والأمن الدوليين، نظراً لما له من آثار وخيمة على أمن المواطنين استقرارهم، وعلى الإمكانات الاقتصادية والهيبة السياسية للدولة في محيطيها الإقليمي والدولي.. وأضاف بأن مظاهر هذا الاهتمام تتجلي فيما تعده الجهات الرسمية بالدولة من خطط إستراتيجية وتكتيكية لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه، كما تتجلى في اهتمام المراكز العلمية والمنابر الإعلامية بتناول تلك الظاهرة عبر البحوث والدراسات، والبرامج واللقاءات لتجلية أبعادها وآثارها وتبيان ما يستخدم فيها من وسائل وأساليب وأدوات، وما يستحدثه الإرهابيون في هذا الشأن. وأضاف الغافري بأنَّ الإنتربول صنَّف مكافحة الإرهاب كمجال إجرام ذي أولوية وخصص موارد مهمة لإسناد البلدان الأعضاء في جهودها المبذولة لمكافحته ومع ظهور شبكة الإنترنت؛ حيث أصبح وسيلة اتصال والتقاء وباباً للفائدة وتلقي المعلومة إلى درجة أن أصبح شيئاً من ضرورات الحياة البشرية؛ كونه يختصر المسافات ويسهل الوصول للمعلومات، وازداد وجه الإرهاب قبحاً عما كان عليه في الماضي، وظهر على الساحة نوع جديد من أسهل أنواع الإرهاب، في الوقت الذي ينطوي فيه على خطورة كبيرة جدا، قد تتجاوز أضراره ما قد تخلفه قنبلة في قارعة الطريق، أو سيارة مفخخة وضعت في مكان مكتظ ألا وهو الإرهاب الإلكترونيCyber Terrorism.

ماهية الإرهاب

وقال الغافري إنَّ الإرهابَ يعني في اللغة الإخافة والتفزيع والترويع. أما إصطلاحا، فلقد تعدَّدت تعاريف الإرهاب واختلفت وتباينت في شأنه الاجتهادات، ولم يصل المجتمع الدولي حتى الآن إلى تعريف جامع مانع متفق عليه للإرهاب؛ ويرجع ذلك إلى تنوع أشكاله ومظاهره، وتعدد أساليبه وأنماطه، واختلاف وجهات النظر الدولية والاتجاهات السياسية حوله، وتباين العقائد والأيديولوجيات التي تعتنقنها الدول تجاهه، فما يراه البعض إرهاباً يراه الآخر عملاً مشروعاً ففي قانون مكافحة الإرهاب العماني الصادر بالمرسوم السلطاني 8/2007 عرف الإرهاب بأنه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ولغرض إرهابي، ويكون الغرض إرهابيا إذا كان يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم أو أغراضهم أو حقوقهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر، أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية للسلطنة أو وحدتها السياسية أو سيادتها أو منع أو عرقلة سلطاتها العامة عن ممارسة أعمالها أو تعطيل تطبيق أحكام النظام الأساسي للدولة أو القوانين أو اللوائح.

وأضاف بأن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يعرف الإرهاب بأنه: "ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم، وكرامتهم الإنسانية، بغياً وإفساداً في الأرض"، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي يذهب في تعريف الإرهاب إلى أنه: "العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أموالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها".

وأوضح أنَّ العالم -دولا وشعوبا- أصبح أمام تحد كبير، يتطلب تنسيقا إلكترونيا عالي المستوى بين الأجهزة الأمنية في كافة الدول، فضلا تعزيز التعاون والتنسيق مع المؤسسات الدولية المعنية بمواجهة هذا المشكلة وبخاصة الإنتربول لمواجهة كافة أشكال جرائم الإرهاب على الإنترنت.

مثلث الجهل والفقر والقمع

وقال دكتور د.صالح بن هاشل المسكري -الكاتب والخبير القانوني- إنَّ ظاهرة الإرهاب ليست جديدة، إنما هي ظاهرة قديمة قِدَم الانسان ذاته وهي لصيقة بطبيعة وجوده وطموحه وتطلعاته، وتطورت هذه الظاهرة بفعل متغيرات البيئة الدولية وتداخل الثقافات والمبادئ واختلاف القيم، وتطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتي تعتبر العامل الرئيسي وراء التحول في اشكال الإرهاب؛ فعلى الرغم من أنَّ جوهر الإرهاب يظل واحدا إلا أن اشكاله وأدواته وتكتيكاته تختلف وتتطور بسرعة مع الزمن.. وأضاف المسكري بأنَّ ظاهرة الإرهاب مذمومة في الإسلام، بل هي ليست من الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة والى التسامح. وشدد الإسلام العقوبة على الذين يسعون في الأرض فساداً وحكم عليهم القرآن بأشد العقوبات كفاً لشرهم وحفظاً لدماء الناس وأعراضهم وأموالهم.. قال تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (المائدة:33). وقال رسوال الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.

وأضاف بأنَّ أسباب الإرهاب كثيرة منها أسباب داخلية تتعلق بالبنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات، كانتشار التخلف والبطالة وسوء توزيع الثروة والفساد الإداري الحكومي و ما ينتج عن ذلك من كسب غير مشروع وثراء غير مستحق لفئة قليلة من المجتمع يقابله حرمان وكبت وإقصاء للشريحة الأكبر من المجتمع؛ وبالتالي فإن المعادلة هي: جهل، وفقر، وقمع وإقصاء تساوي: إرهاب. وأوضح أنه لابد من التركيز على أهمية نشر الحرية والعدالة الإجتماعية والسعي الى تحقيق مستوى من الكرامة الإنسانية لجميع المواطنين والتمسك بقيم التسامح والشورى وفتح ابواب الحوار بين المواطنين وعدم نبذ واقصاء الآخر؛ لأنه مختلف فكريا.

وأكد المسكري على أهمية إشاعة أجواء الديمقراطية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتعزيز مفاهيم الإسلام الحقيقي الذي يستوعب جميع المسلمين بمختلف مذاهبهم وعقائدهم ومناهجهم الفكرية وليس الإسلام المؤدلج الذي يتجه لفكرة واحدة ومذهب واحد ويكفر كل من يخالف أيديولوجياتهم الإقصائية، ويجب أن تنتج الأمة الإسلامية علماء ووعاظا وخطباء منابر معتدلين يدعون الى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وإعلاماً متزنا غير موجه بالعصبيات والأحقاد الطائفية والمذهبية كي لا تتحول بلاد المسلمين وهي الآن كذلك إلى مفرخة للإرهاب ومصدر له حول العالم.

وذهب المسكري إلى أنَّ الإرهاب الحاقد الذي لا يفرق بين إنسان وآخر ودين ومذهب، بل هو هو يضرب في كل مكان وفي جميع الاتجاهات، إرهاب مجنون معتوه بمعنى الكلمة؛ ففي الجمعة الماضية شنت الجماعات التكفيرية هجمات ضد الشيعة في الكويت وضد السنة في تونس وضد المسيحيين في فرنسا هجمات دموية مروعة سمتها غزوات رمضان وشهر الرحمة والمغفرة منهم براء. واختتم بقوله: نهيب بكافة الأجهزة المختصة في بلادنا أن تتدبر وأن تأخذ باسباب الحيطة والحذر "ويؤتى الحذر من مأمنه"؛ فيجب على سبيل المثال أن تكون هناك بوابات إلكترونية على مداخل المساجد الخارجية وتفتيش عند الدخول، وأيضا في مؤسسات الدولة التي تكتظ بالموظفين والمراجعين، وفي المجمعات التجارية، يجب أن تتخذ كافة الاحتياطات الأمنية المتاحة ولا يترك المجال للصدفة وللعابثين، ثم تأتي ردات الفعل بعد أن يضرب الإرهاب ضربته وتحدث الكوارث والمصائب وتوقد نار الفتنة في مجتمعنا الآمن لا سمح الله.

تعليق عبر الفيس بوك