حتى لا تُصبح وباء

أسماء القطيبي

"الفئران قادمة، احموا الناس من الطاعون".. شعارٌ رفعه مجموعة من الشباب الكويتين عام 2020 في رواية "فئران أمي حصة"؛ لتحذير الناس من أخطارالفتنة الطائفية التي تتعرَّض لها البلاد في ذلك الوقت. وها هي الفئران التي روى لنا عنها السنعوسي تتسلل من بلاد الحرمين إلى الكويت بنفس طريقة القتل، ونفس بشاعة التنفيذ مخلفة عددا لا يستهان به من الشهداء والجرحى. بينما نتلقى نحن الخبر -كما فعلنا المرة الماضية- بردود فعل غاضبة ومستنكرة دون أن نتوقف مليا لنسأل: كيف تربت هذه الفئران وسطنا دون أن نحس بها؟ وهل نحن مسؤولون عن وجودها بيننا؟ وهل ستتكاثر هذه الفئران لتنشر طاعون الموت في جميع بلداننا؟

... إنَّ الوضع الذي تشهده بعض دول الخليج يحتم علينا أن نستشعر اقتراب الخطر، وأن نتخذ الطرق المناسبة لمنع حدوثه، لأن الإتكاء على شعارات لم نختبرها إختبارا حقيقيا في أرض الواقع مبالغة في الثقة، واستهانة بالوضع. وأول ما نبدأ به أنفسنا وبيوتنا. ولعل بسبب فراغ الناس من قضايا يعيشون لأجلها، وغايات مستقبلية جماعية يسعون لتحقيقها فإنهم يكرسون أوقاتهم للدخول في نقاشات مذهبية عقيمة. بل ويدافعون باستماتة عن أفكارهم المتوارثه، ويجتهدون في برهنة فساد فكر الآخر. مما يمنحهم الشعور بالفوقية التي تؤدي بطبيعة الحال إلى احتقار الآخر، والرغبة في إقصائه. وهو ما يؤكد افتقارنا إلى أبسط أخلاقيات الاختلاف. وفي هذا الصدد، يقترح الكاتب محمد العجمي طريقة يستطيع من خلالها الشخص أن يتعامل مع أي اختلاف بمنطقية واتزان؛ وذلك عن طريق نزع الفكرة -أيا كانت- من الانفعالات التي تحيط بها عندما يتفاعل معها أول مره؛ وبالتالي حين يجد الشخص أن الفكره المعروضة لا تضره ولا تسيء إليه سيكشف انه ما من داعي لأن يقسو عليها، وسيكون أقدر على استيعاب الإختلافات وتقبلها.

وتربويًّا، نحن لسنا بحاجة إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية فحسب، بل نحن بحاجة إلى حلول أكثر تأثيراوعملية، كأن تقام زيارات طلابية لمساجد المذاهب المختلفة يقوم الطلاب بالصلاة فيها، فهذا من شأنه أن يكون له تأثير قوي في نفوسهم، ويبعد عنهم التخوف من الآخر؛ لأن الشيء الذي يكتنفه الغموض عادة يثير الريبة والشك. وأن تعرض على الطلاب مواد مرئية تحث على التسامح وتبين خطورة الطائفية، بما يتناسب مع كل مرحلة سنية. كما أننا بحاجة إلى وضع قوانين صارمة تعرض أي تربوي يتحيز لمذهب معين للمساءلة، وتعاقب أي معلم أو طالب يحاول نشر الفتنة والبلبلة الطائفية في المدارس. مع التشهير بهذه القضايا لتكون عبرة للآخرين. وأن تتكثف الجهود في الجامعات والكليات لإنقاذ الشباب من جماعات التطرف والتشدد التي تستهدفهم عادة، مستغلة حماسهم لخدمة الدين والمجتمع لتحقيق اغراضها الدنيئة.

وإعلاميًّا، أعتقد أنه آن الأوان لأن يكون الظهور الإعلامي للمفكرين والمؤرخين والمختصين في العلوم الإنسانية بنفس الظهور الإعلامي لرجال الدين، ففي العصر الذي نعيشه، الدين يد لا تستطيع التصفيق وحدها، خاصة وأن كثير من رجال الدين يلجأون إلى الخطاب العاطفي، واستحضار القصص التاريخية المثالية بأسلوب مكرر لا يراعي الزمان والمكان. في حين يحتاج الشباب إلى من يخاطب عقولهم وأفكارهم من خلال برامج تفاعلية تتيح لهم المشاركة والمداخلة وإبداء الرأي. واظن ان تأثير الظهور الإعلامي لهؤلاء المختصين سيثمر نتائج ملموسة، كما لمسنا على النقيض تأثير القنوات التي كرسها أصحابها لتكفير المذاهب ونشر الفتن. ولا أدري لليوم سبب عدم منعها من البث في بلداننا!

... إنَّ خطر الطائفية يكمن في أن العدو يبدو مشوشا غير واضح، فهو تارة إنسان متعصب لفكر ما، وتارة صاحب مصلحة وسلطة، وتارة يكون القاتل هو نفسه الضحية، وتارة منقادا من قوة خارجية، وقد يكون كل هؤلاء. مما يجعل أجدى طريقة للتغلب عليه هي الوعي بأساليبه ومجابهتها بالرفض. وأهم من ذلك تقديم حس الإنسانية والوطنية ووضعهما فوق كل إعتبار. أما التباكي على الأطلال وإلقاء اللوم -كل اللوم- على عدو خارجي سيسهل انتشار الوباء، وحينها ستهاجمنا الفئران من خلف الأبواب والشاشات، كما تفعل اليوم في سوريا والعراق وغيرهما من الدول العربية.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك