بَدْر العبري
قال الله تعالى: "من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتًا".
لقد خلق الله تعالى الإنسان في جوٍّ جماعيٍّ؛ فهو لا يستطيع أن يعيش بمفرده، فهو يدور في دائرة الجماعة، وهذه الجماعة البشرية تقوم على التعارف والتجانس، وخدمة بعضها بعضا.. يقول تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".
ومن هنا، يُربِّي الله تعالى فينا أنْ نكون عنصرَ إصلاح في البشرية لا عنصر إفساد، عنصر توحيد لا عنصر تفريق، عنصر تأليف لا عنصر بغضاء وشحناء، فنحن يربي فينا الله تعالى أن نحب الخير للإنسانية، وأن ندفع عنها الشرور، وأن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، وبهذا تكون فينا الخيرية بين الأمم، قال سبحانه: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون".
ومن السنن الطيبة التي يُربينا الله عليها سنة الشفاعة الحسنة، التي توحِّد بين الناس، وتؤلف قلوبهم، مثالها أن يطلب منا شخص أن نشفع ونتقرب له في زواج، أو قضاء دين، أو إصلاح بين متخاصمين، فهذه شفاعة حسنة، يكتب الله لنا بها الأجر ما دام الأثر موجودا منها "من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها".
وكما أنَّ الله يطلب منا أن نجعل بين البشر سننا طيبة حسنة، ينهانا سبحانه أن نسن بين البشر سننا سيئة مضرة، مثال ذلك الشفاعة السيئة التي بها يرتكب ما حرم الله، أو نضر بها عباد الله، كما يحدث من التوسط لمن لا كفاءة لهم في العمل على الذين لهم كفاءة، من باب القرابة والتحبب، ونحوها الواسطات التي تضر الناس في سائر حياتهم، فهذه من الشفاعات السيئة، والذي يجد الإنسان أثرها السيئ ما دامت موجودة، فمن فعل ذلك يتحمل جزءا من الوزر، "ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفل منها".
فالله تعالى قادر على أن ينتقم منا مباشرة أن شفعنا شفاعة سيئة "فالله على كل شيء مقيت"، أي قادر على إنزال العقوبة بعد المعصية، ولكن من رحمته يؤجل العقاب إلى يوم الحساب لعلنا نرجع إليه ونتوب، ونتخلص من الشفاعات السيئة المحرمة.