أ/ حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني*
أيها الأعزة، توقفنا في لقائنا الماضي مع كتاب (الدخيل في التفسير) وما ذكره عن العلماء الذين يقولون بوجود الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؛ كأبي حامد الغزالي، والإمام الرازي، والإمام الزركشي، والإمام السيوطي، وأبي الفضل المرسي، والقاضي أبي بكر ابن العربي.
ولا زلنا في هذا اللقاء نواصل استعراض ما جاء في هذا الكتاب، وحتى يترابط الكلام فلا بأس أن نكرر ذكر ما جاء في آخر المقال السابق: (غير الإمام الغزالي نرى الإمام الرازي؛ فرفع الراية عالية، ولم يترك آية تتحدث عن السموات والأرض، والبحار والأنهار، والجبال، وكل آيات الآفاق والأنفس إلا أعمل فيها عقله، وفسرها بما وصل إليه العلم في عصره، وجاء الإمام الزركشي في (البرهان) والسيوطي في (الإتقان) وتأثروا بالغزالي، ونقلوا عباراته: أن القرآن يحتوي على سبعة وسبعين ألف علم، والكلمة لها ظاهر وباطن، وحد ومطلع ... إلى آخره؛ ثم نقل الإمام السيوطي عن أبي الفضل المرسي، وعن القاضي أبي بكر ابن العربي كثيرًا من ذلك.
وجاء بعد هذا العصرِ العصرُ الحديث باكتشافات، ومعرفة أسرار الكون، ووجدوا أسرارًا تحدثوا عنها من هؤلاء الإمام القاسمي في تفسيره، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ محمد متولي الشعراوي تحدثوا عن كثير من الاكتشافات العلمية، وربطوا بينها وبين آيات القرآن الكريم، وبين ما اكتشفه العلم، وبين الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
والشيخ محمد عبد الله دراز له كتاب (مدخل إلى القرآن الكريم) ذكر وجوه إعجاز كثيرة أيد بها الآيات، والشيخ شعراوي له كتاب (معجزة القرآن) وتكلم عن الإعجاز العلميخاصة، وذكر أن عطاء القرآن متجدد، وفيه من الإعجاز ما يشبِعُ كُلَّ الأجيال عبر القرون، وأن آيات الإعجاز على مدى الزمان متجددة مع الهدايات القرآنية الدائمة إلى قيام الدين، وأيضا نرى هناك الشيخ طنطاوي جوهري وله تفسيره المعروف في هذا الشأن تفسير للقرآن كامل.
وجاء كذلك الدكتور محمد الغمراوي، وله: (الإسلام في عصر العلم) والأستاذ حنفي أحمد له (التفسير العلمي للآيات الكونية) والدكتور عبد العزيز إسماعيل له: (الإسلام والطب الحديث) والدكتور عبد الرازق نوفل له: (الإعجاز العددي) ولهم كلام كثير في هذا المعنى.
ويقولون: إن آيات الفرائض وآيات الفقه والعبادات معدودة؛ فإذا كانت سبعمائة آية عن الكون، فيها عجائب الدنيا في القرآن، أما تستحق أن تكون لها دراسات عظيمة لإعجاز القرآن ... إلى آخره.
أما في المقابل؛ فنجد هناك جبهة معارضة، فهناك المعارضون لهذا الاتجاه، وأكثر هؤلاء ممن تخصص في العلوم الشرعية أو الأدبية، وعلى رأسهم: الإمام الشاطبي، والشيخ محمود شلتوت، والأستاذ عباس العقاد، والدكتور محمد حسين الذهبي، والأستاذ أمين الخولي في بعض كتبه.
ونرى الإمام الشاطبي في (الموافقات) والشيخ شلتوت في تفسيره للقرآن، وعباس العقاد في كتابه (الفلسفة القرآنية) تحدث عن العلم والقرآن، وأكثروا بعناوين ذكروها: إنكار التفسير العلمي، وذكروا: أن القرآن كتاب هداية، وليس بنظريات الهندسة، أو الطب، أو النجوم، ونحن نقرأ القرآن يدعو إلى العلم، وهو العلم الذي يهدي البشر إلى الله -تبارك وتعالى-، والأصل في قولهم: إن القرآن عقيدة وشريعة وهداية، إلا أن الله نشر فيه إشارات علمية تتضح للناس في كل زمان ومكان؛ لقوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} إلى آخره) بتصرف بسيط.
وأود أن أشير هنا إلى أن لبعض العلماء المحققين موقفا من الإعجاز العددي في القرآن الكريم؛ ومنهم إمام المفسرين سماحة الشيخ الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة؛ ولعل ذلك يأتي بيانه فيما يأتي بحول الله تعالى.
* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)