رقائق(8)

عبدالله الحجي

الفناء أمر غيبي، لا يدري المرء متى يحين أجله؛ من أجل أن يكون على صلة دائمة مع ربه يطيعه ولا يعصيه، فالغيب كما أخبرنا ربنا في كتابه لا يطَّلع عليه أحد سواه، سواء أكان ملكا مقربا، أو نبيا مرسلا، فالغيب من خصوصيات الله تعالى، (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل: ٦٥) . وهذا هو شأن سكرة الموت التي هي من خصوصياته تعالى، لا يعلم أحد متى يحين أجلها، ولا يعلم متى تنقل روح فلان ابن فلان من دار الفناء إلى دار البقاء.

ولا يدري المرء في أي أرض يموت؛ لأنه لا سبيل لاختياره أرض موتته، فربنا العالم بأرض اختتام عمل كل نفس، فهو العليم الخبير، قال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان: ٣٤).

وهذه الحقيقة الحقة تولِّد في المؤمن الحريص على سلامته في أخراه، ديمومة الاتصال بالله، واليقظة والحذر، مستعدا للموت في أي لحظة قد يفاجئه، بأن يكون صالحا متقيا، عاملا بما أُمِرَ به، منتهيا عما زُجِرَ عنه، مسارعا للخيرات، ومبادرا إلى مزيد الطاعات، حتى يأتيه وهو في أحسن حال، وأكمل خصال، حيث البر والتقوى، والتوبة والأوبة، والاستقامة والصلاح؛ ليفوز في عقباه بالنُّجْحِ والفلاح.

مشيناها خُطىً كُتبتْ علينا *** ومن كُتبتْ عليه خُطىً مشاهَا
ومَنْ كانتْ مَنيتُه بأرضٍ*** فليسَ يموتُ في أرضٍ سِواهَا

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة