رسائل رمضانيَّة (3)

عيسى الرَّواحي

الرسالة التاسعة: إذا كانت حكمة الصيام هي الشعور والإحساس بمعاناة الفقراء والمحتاجين؛ فإنَّ هذا يجعلنا أكثر بُعداً عن الوقوع في الإسراف، وأشد حرصاً من أن نرمي أكلاً أو شراباً في سلال المهملات، وهناك من أبناء المسلمين من لا يجد ما يسدُّ به جوعته. وإذا كان الشرع الحنيف قد أباح لنا أكل الطيبات -حيث يقول الله تعالى: "كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى" (طه:81)- فلا يعني ذلك أنْ يحق لنا أن نُسرف في مأكلنا ومشربنا، وكم هو مُؤسف جدًّا واقع كثير من الأسر والمجتمعات التي أصبح الإسراف ورَمْي المأكولات في سلال المهملات سمة لها في هذا الشهر الفضيل؛ وهذا بلا ريب كفران للنعم وسيحاسبون على ذلك، إذ هم منهيُّون نهيًا صريحًا عن الإسراف؛ حيث يقول الله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين" (الأعراف:31).

*****

الرسالة العاشرة: الأولاد أمانة كبيرة في أعناقنا وقد استرعانا الله إياهم، وأمرنا أن نقيهم عذاب النار وبئس المصير؛ يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون" (التحريم:6)، ويقول الرسول في الحديث الذي يرويه ابن عمر -رضي الله عنهما: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

لذا؛ وَجَب أن نؤدِّي الرعاية حقها في جميع الأوقات، وشهر رمضان أحق من غيره من الشهور برعاية الأبناء؛ لما فيه من فضل عظيم، كما أنهم يقضون إجازتهم الصيفية؛ فلنحرص على أن يكونوا مُحافظين على صلواتهم في المسجد، ولنحرص على تعليمهم القرآن الكريم والاستفادة من البرامج التعليمية في هذا الشأن، ولنحرص على مشاركتهم في مسابقات حفظ القرآن الكريم التي تقوم بها الجهات المختصة؛ فذلك خير لهم وهو ما ينفعهم ويُصلحهم بإذن الله تعالى، ولنكن قدوة وعونا لهم على محافظتهم على أوقاتهم واستغلالها في العبادة وعمل الصالحات، مع ضرورة تهيئة الأجواء الإيمانية لهم داخل المنزل، وكم هو مؤسف وباعث على الحسرة والأسى ونحن نشاهد أبناءنا يقضون نهارهم في النوم والخمول والكسل، ويقضون ليلهم داخل وخارج المنازل إلى قبيل الفجر يتسمَّرون على الهواتف النقالة، ويلهون ويلعبون بشتى وسائل اللهو واللعب؛ لتضيع بذلك من قلوبهم وأفكارهم وواقع حياتهم عظمة رمضان، وقيمة الوقت، وأهمية العبادة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

*****

الرسالة الحادية عشرة: صلاة التراويح سُنَّة مندوب إليها ومرغَّب فيها، سنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته قيامها في شهر رمضان، وهي عبادة وقربة إلى الله، ومن أقامها كان له كفضل قيام الليل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"، ومما نُلاحظه حرص أغلب الصائمين على تأديتها في الليالي الأولى من رمضان، ولكنَّ المحافظة عليها عند كثير منهم لا تستمر طويلا؛ حيث يبدأ تناقص عدد المصلين في المساجد ليلة بعد أخرى؛ إذ تصبح ثقيلة عليهم. أما الأطفال -وأقصد هنا طلاب المدارس- فمما يُؤسف له أنَّ أغلبهم -أو كثيرا منهم- لا يكاد يُصليها رَغْم وجودهم داخل المسجد؛ فحيث يصلي المصلون يكونون هم في مؤخرة المسجد يتحلَّقون في أحاديث جانبية بينهم، وقد يسبِّبون إزعاجا للمصلين؛ لذا فإنَّنا نذكِّر بأنَّ الصيام والقيام يحتاجان صبرا ومجاهدة للنفس والشيطان، وعلى الصائم ألا يُفرِّط في سُنن رمضان المؤكدة والمندوبة ونوافلها، خاصة وأنَّ فضلها عظيم وأجرها مضاعف في هذا الشهر الكريم. وأما بشأن الأبناء، فليحرص الآباء وأولياء الأمور على متابعتهم وتعوديهم على الصبر وجهاد العبادة، وحثهم على أداء هذه العبادة وسائر العبادات، وعدم التهاون معهم في حال أثاروا الضجيج داخل المسجد. كما نذكِّر بأنَّ الأبناء الذين يتواجدون بالمسجد، ويكون أولياء أمورهم بعيديْن عنهم، فحتى لا يكونوا عُرضة للتهاون في الصلاة وإحداث ضجيج داخل المسجد، فإنه ينبغي على جماعة المسجد أن يكونوا لهم بمثابة الآباء نُصحا وتوجيها وتوبيخا، وإبلاغ أهاليهم إن اقتضى الأمر ذلك.

*****

الرسالة الثانية عشرة: رمضان شهر الصبر والبذل، وتاريخ المسلمين يشهد بأنَّه كان حافلا بالمعارك والغزوات التي خاضها المسلمون، والعمل كما نعلم عبادة، وواجب ومسؤولية يجب على الموظف أن يُؤديه بإخلاص وإتقان؛ فهو أجير على عمله ووقته في رمضان وغيره من الشهور؛ لذا فعلى كلِّ موظف أن يكون أشد حرصا على أداء عمله بالوجه الذي يُرضي الله تعالى في هذا الشهر الفضيل. وكَمْ هو مُؤسف واقع كثير من الموظفين الذين اتَّخذوا الكسل والخمول والتهاون والتقصير وتعطيل مصالح المواطنين شعاراً لهم في مؤسسات عملهم في شهر رمضان الفضيل، وهذا بلا ريب يتنافى مع تقوى الله، وغاية الصيام، ومع سلوك المؤمن، وأمانة الموظف. والمسلم الحق -بلا ريب- يجعل الله رقيباً عليه في جميع الأحوال والأوقات.

تعليق عبر الفيس بوك