عبدالله الحجي
الأنام إزاء الرحيل بين معتبر أصلح نفسه، وغافل غرَّه شبابه وصحته، والمؤمن كَيِّس فطن، لا تمر عليه الأحداث مرور الكرام، وإنما يستلهم منها الدروس والعبر، فيستقيم على أمر الله، وينتهج النهج الذي سوَّاه، مبادرا إلى الطاعات، ومسارعا إلى الخيرات، يعلم أن هذه الحياة إلى زوال، وأن عيشه إلى انقطاع، يرى الجنائز تساق كل يوم إلى قبورها، محمولة على أكتاف الرجال، فتأخذه العبرة والخشية من تصرم الآجال؛ ليقينه:
لا دارَ للمرءِ بعدَ الموتِ يسكنُها*** إلا التي كانَ قبلَ الموتِ يبنيهَا
فإنْ بناهَا بخيرٍ طابَ مسكنُه *** وإنْ بناهَا بشرٍّ خابَ بانيهَا
وأما المغرور المعتد بشبابه، المتناسي ساعة الصفر التي لابد من إتيانها، يكون غافلا لاهيا ساهيا، يحسب أنه سيعمَّر طويلا في هذه الدنيا، وقد تجاهل أولئك الذين اختطفهم الموت بغتة، وهم أصغر منه، أو في سنه في ريعان الشباب، وكمال القوة وصحة الجسم. غرَّه ما يشاهده في واقعه من كبار السن الذين أمدَّ الله أعمارهم، وأطال أنفاسهم، فدائما ما تدغدغه أمنيات بلوغ مراتبهم من طول العمر، يُعكِّر صفو مزاجه ذكر الفناء، ويعبس وجهه في كل موعظة مرادها إيقاظه من رقدته التي طالت، ولم يحن بعد صباحها، يحاول الهروب من حقيقة المغادرة، إلا أنه مهما هرب وتهرَّب لابد من يوم يحين أجله، فليتأمل.
والموت خير واعظ يعظ الأنام، وخير ناصح يسدى النصائح إلينا، فهو الواعظ الصامت، والناصح الساكت، فيأيها المغرور الناطق، أصغ سمعك إلى الواعظ الصامت.
يُعمرُّ واحدٌ فيغرَ قومًا *** ويُنسى من يموتُ من الشبابِ