امسك عليك لسانك

(3)

جوخة بنت علي الحارثية *

قال تعالى:
﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌۭ (١٨)﴾
(سورة ق )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نكمل اليوم بتوفيق من الله سلسلة الدرس الأول "امسك عليك لسانك" ونبدأها بحق اللسان على صاحبه.

ومن حق اللسان على صاحبه:-

(1) أن يمسكه عن الخوض في الباطل وعن إيذاء المسلمين، وذلك لأن الخوض في الباطل باللسان سببٌ لدخول النار .
قال تعالى} : كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47{
ولأنّ إيذاء المُسلمين باللسان وأكل لحوم الأبرياء سببٌ لدخول النَّار أيضاً، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ:"يَا رَسُولَ اللَّه! إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ صلى الله عليه وسلم :
هِي فِي النَّارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ صلى الله عليه وسلم : هِي فِي الْجَنَّةِ ".
وعن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم : (( امْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ )) .

(2) ومن حق اللسان على صاحبه أن يطلقه في قول الخير ، قال تعالى: } لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا{
فأطلق لسانك في أقوال الخير، في الدعوة إلى الله، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في صلة الأرحام وبر الوالدين، في الإصلاح بين الناس، كن يا عبد الله مفتاحاً للخير بلسانك مغلاقاً للشر .

(3) ومن حق اللسان عليه أن يرطبه بذكر الله، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
"يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِيْ بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ".
يا ابن آدم: رطب لسانك بذكر الله لأنّ الله عزّ وجلّ يأمرك بذلك، قال تعالى : }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (15({ وقال تعالى} :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42{ .

يا ابن آدم:رطب لسانك بذكر الله لأن الله عزّ وجلّ حثّ عباده على ذكره، فقال تعالى: } وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ َأعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35){ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ "
ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".


عن أم حبيب زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمرٌ بالمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركُهُ ما لا يعنيه".

وقال عطاء بن أبي رباح :"إنّ من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون:
* (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ)
*(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
أمَا يستحي أحدكم أنه لو نُشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها، ليس من أمر دينه، ولا دُنياه.
نسأل الله - عزّ وجل - بمنِّه وكرمه أن يُعاملنا بلطفه وكرمه، وأن يرزقنا حسن التعامل مع ألسنتنا، وأن نقيدها بلجام الشرع، وأن يجعل يومنا خيراً من أمسنا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ذرياتنا وأحبابنا إلى ما يحبه ويرضاه، إن ربي لطيف رحيم.

*دائرة الإرشاد النسوي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية

تعليق عبر الفيس بوك