الرؤية - أحمد الشماخي
أكدت الباحثة سعاد بنت سعيد الحوسنية أن مخلفات أسواق الخضار ونفايات الشحوم الحيوانية في المسالخ المركزية، تمثل مصادر غنية بالغاز الحيوي، وتطمح في تأسيس أول مصنع متخصص في إنتاج البيوجاز في السلطنة وتوفير مصدر متجدد لتوليد الطاقة.
والحوسنية حاصلة على درجة البكالوريوس في تخصص بيولوجيا بيئية من كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس، وعلى درجة الماجستير في تخصص هندسة عمليات وتشغيل في كلية كالدونيان الهندسية الجامعية.
وتحدثت الحوسنية لـ"الرؤية" عن تجربتها وإجرائها دراسة لإنتاج الطاقة من النفايات العضوية، عبر استغلال المخلفات البيئية وإمكانية توظيفها في إنتاج طاقة بديلة متمثلة في الغاز الحيوي. وأضافت أنّ فكرة المشروع بدأت عندما كانت طالبة بجامعة السلطان قابوس، وكانت شغوفة بعلوم البيئة وكل ما يتعلق بها من أبحاث حديثة في مجالات حماية البيئة من التلوث وأبحاث الطاقة المتجددة. وأضافت: "كان شغفي منصبا على تطبيق التكنولوجيا الحديثة، والتي بدأت بها بعض الدول المتقدمة، ومن خلال تعمقي في بعض المشاكل البيئية بالسلطنة، ازداد شغفي للبحث والتجربة". وتابعت: "وضعت ضمن أهدافي إيجاد بعض الطرق والحلول لمعالجة مشاكل البيئة والاهتمام بالطاقات البديلة، وبدأت عملية البحث التي مكنتني من إجراء بعض التجارب المخبرية تحديدًا في موضوع إنتاج طاقة متجددة من النفايات العضوية، وقمت بعرض الأمر على بعض المختصين وبعض الأساتذة بجامعة السلطان قابوس عام 2009، إلا أن الأمر كان أكبر من توقعاتي، ولم أنل في ذلك الوقت ما أريد". وأوضحت أنّ الفكرة لم تتلق العناية الكافية، وكان البعض يرى أن هذه المشاريع البحثية لم يأن أوان دراستها بتعمق، فكانت الفكرة بالنسبة لهم غير مؤهلة للدراسة أو غير قابلة للتطبيق، إلا إنّي عزمت على مواصلة البحث والتقصي والاطلاع في هذا الأمر.
ومضت الحوسنية قائلة إنّ مجلس البحث العلمي تبنى دعم الفكرة وقام بتمويلها عام 2013-2014؛ حيث استطاعت بتجارب مخبرية إثبات إمكانية إنتاج الغاز الحيوي باستخدام نوعين من النفايات العضوية كخطوة أولى، النوع الأول هو نفايات السوق المركزي للخضروات والفواكه. وبينت أنه تم اختبار إمكانية إنتاج الغاز الحيوي منها، ثم تمت إضافة النوع الثاني من النفايات وهو نفايات الشحوم الحيوانية الناتجة عن إتلافات المسالخ المركزية بالسلطنة. وأوضحت أنه عند إضافة النوع الثاني إلى الأول في بيئة مخبرية مهيئة، وبعد إجراء العديد من التحاليل تبين أن النوع الثاني يزيد إنتاجية الغاز بنسبة 50-60%، وهي وفق رؤيتها نتيجة متميزة مقارنة بدراسات دولية أخرى.
وقالت إنّ الدراسة أثبتت فعاليتها من خلال زيادة إنتاج الغاز باستخدام النفايات الحيوانية مضافة إلى النفايات النباتية في بيئة السلطنة، وهو أمر يستحق التطبيق على أرض الواقع ودعم تنفيذه من قبل الحكومة الرشيدة وبعض المؤسسات الخاصة المهتمة والمعنية بالأمر.
وأضافت الحوسنية أنّ الطريقة التي تعتمد عليها السلطنة في التخلص من هذه النفايات هي اللجوء إلى ردمها وفق طرق تقليدية في مرادم ضخمة مكشوفة، غير آمنة ومهيئة، مما يسبب تلوثا واسعا في البيئة ناتج عن عملية التحلل والتخمر الطبيعي، والتي تحدث نتيجة خلط المواد العضوية وتراكمها، وبفعل هذه العملية وارتفاع درجة الحرارة تنبعث غازات سامة تتراكم في الغلاف الجوي مسببة ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي بدورها تؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض وتؤدي إلى تغيير جذري في أحوال الطقس والمناخ.
وبينت أن من بين الأضرار المترتبة على عدم التخلص الآمن من المخلفات والنفايات، تفشي الأمراض المزمنة التي تصيب الإنسان نتيجة هذه الانبعاثات السامة، وتلويث البيئة، سواء كان تلوث الهواء الجوي أو تلوث المياه نتيجة تسرب النفايات السائلة بعد عملية التحلل لتمتزج بالمياه الجوفية ومصادر المياه العذبة ومياه البحار.
ومضت الباحثة قائلة إنّ من أهم الانبعاثات الغازية السامة وأخطرها هو غاز الميثان، الذي في حال انبعاثه من المرادم المكشوفة نحو الغلاف الجوي مباشرة فإنه يتسبب في خطر محتم بالبيئة، أما في حال إنتاجه في بيئة مغلقة ومفرغة من الهواء في معامل مخبرية أو مصانع مخصصة، فإن غاز الميثان يعتبر بحد ذاته طاقة هائلة غير ناضبة، متمثلة في طاقة الغاز الحيوي والذي يعتبر الميثان المكون الأساسي له بنسبة 60-70% غالبا.
تطلعات مستقبلية
وتأمل الباحثة تطبيق فكرة الدراسة عمليا على أرض الواقع، قائلة إن الهدف الرئيسي المنشود هو إقامة أول مصنع في سلطنة عمان لإنتاج طاقة البيوجاز (الغاز الحيوي)، بما يتناسب مع بيئة السلطنة، مشيرة إلى أن هذه الدراسة تعد خطوة أولى في هذا المجال، وستكون بادرة طيبة لدراسات موسعة أخرى ومستفيضة، على أمل أن تشمل الفكرة وضع إحصائية كبرى لنفايات السلطنة العضوية في المواقع الرئيسية للإتلاف من مسقط إلى ظفار، ومن ثمّ توسعة التجارب المخبرية لتشمل أنواعاً أخرى من النفايات العضوية وتهيئة البيئة المناسبة لإنتاج الغاز الحيوي بمعدل إنتاج أعلى بما يغطي الاحتياجات الاقتصادية، ولتكون طاقة داعمة أولى إلى جانب الطاقات الموجودة حالياً وبديلة عنها مستقبلا.
وأشارت الحوسنية إلى أنّ أهم ما يشغلها حالياً هو التفكير في مستقبل الطاقة في عمان والعمل بمسؤولية كاملة حتى يرى مشروعها النور، من خلال إنشاء أول مصنع لإنتاج البيوجاز في السلطنة، كخطوة فريدة من نوعها ونقلة نوعية في البلاد، ومواكبة للتطور في الدول الأخرى والتي أصبحت تتنافس تنافسا ملحوظا في هذا المجال، حيث ضجت ثورة الأبحاث في مجالات حماية البيئة من التلوث وإنتاج الطاقة في الآونة الأخيرة في العالم.