أجواء وروحانيات رمضان تصارع التغيرات التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي

عبدالله الفهدي: بعض وسائل الإعلام تفسد أجواء شهر رمضان بما تبثه من أعمال سيئة

طارق العامري: انقرضت الكثير من العادات الرمضانية مثل تبادل الأطباق والإفطار الجماعي

العبري: السبلة فقدت دورها الحيوي اجتماعيا ودينيا في الكثير من القرى

الشقصي: أجواء رمضان كانت أكثر روحانية فيما مضى

الندابي: لابد من توعية الأجيال الجديدة بأهمية الترابط الأسري في زمن التكنولوجيا

تهاني العامري: للتجمعات الدينية في رمضان دور هام في الارتقاء بسلوكيات المجتمع

السيابي: كثيرون باتوا يضيعون فرص التعبد في رمضان بدعوى مشاغل الحياة المعاصرة

نورة الفهدي: المائدة العمانية تفتقر إلى الكثير من الأطعمة والأطباق التراثية

الرؤية - ناصر الفهدي

في مثل هذه الأيام من كل عام يستعيد المشاركون في الجلسات العائلية ذكرياتهم مع شهر رمضان فيما مضى من سنوات، ولا يخلو الأمر من مقارنات سريعة بين الأجواء الرمضانية في الماضي والحاضر. ومع اختلاف الأعمار تتسع أو تضيق دائرة المقارنة عاماً بعد آخر، لكن يبقى القاسم المشترك بين الجميع الحديث عن افتقاد دور المجالس العامة "السبلة" بالعديد من القرى خصوصا خلال شهر رمضان الكريم، في ظل انشغال الأغلبية بأمور حياتهم في نهار رمضان وليله، وهو ما قلل من فرص اللقاءات العائلية ولقاءات الجيران والأصدقاء والاستماع إلى النصائح والإرشادات الدينية في تجمع واسع يزيد من الترابط الأسرى فيما بين الحضور. كما يشير الشباب منهم إلى تأثير انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على قوة العلاقات العائلية وهو ما ينعكس بقوة على الأجواء الرمضانية حيث يتكاسل البعض عن المشاركة في التجمعات ويكتفي بالتواصل عبر الأجهزة الإلكترونية.

ويقول عبد الله الفهدي إن أجواء شهر رمضان بالنسبة له كانت أفضل فيما مضى خصوصا وأن بعض وسائل الإعلام تبالغ حاليا في بث الكثير من الأعمال الدرامية التي قد تفسد على الناس صيامها، كما ساهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي حاليا في ضعف العلاقات الاجتماعية وقلل من اللقاءات العائلية التي كانت تميز شهر رمضان قديما، حتى أن كثيرا من الصائمين يكتفون بإرسال رسالة عبر الجوال للتهنئة أو للاطمئنان على الأقارب والأصدقاء، بينما في الماضي في ظل غياب وسائل الاتصالات كانت الزيارات العائلية تؤصل وتقوي العلاقات الأسرية بين العوائل وأهالي القرية، أما الآن فكل عائلة منعزلة بنفسها لا تخالط باقي العوائل. وعن دور المجالس في اللقاءات العائلية خلال شهر رمضان، يقول عبد الله إن ذلك يعتمد على حسب ظروف القرية أو البلدة حيث إنّ بعض البلدان تفعل المجلس وتستغله في تقوية العلاقات بينما لا تهتم قرى أخرى بتفعيله إلا للأفراح والأتراح.

ويقول طارق العامري: إذا نظرنا إلى العادات التي تمارس خلال شهر رمضان الكريم بين الماضي والحاضر، نجد أنها قديما كانت مميزة تسودها الألفة والمحبة والوئام، ومنها تبادل أطباق الفطور والإفطار الجماعي والجلسات المسائية التي تدور فيها بعض النقاشات المتعلقة بشهر رمضان الكريم والمواضيع الحياتية والاجتماعية، أما طقوس شهر رمضان حاليا فإنها تقتصر على التباهي في عدد الأصناف وأنواع المأكولات المقدمة والإسراف في كل شيء، كما نلاحظ أن أغلب الممارسات خاطئة وتتسبب في ضياع المجتمع خصوصاً مع انتشار التكنولوجيا وسوء استخدامها من قبل البعض وللأسف الشديد بعض الشباب يستغلون شهر رمضان الفضيل في اللهو واللعب وإهدار الأوقات في المغريات وقضاء الليل في اللعب والسهر حتى الصباح ويقضون النهار في النوم غير مبالين بمواعيد الصلاة.

السبلة ونشر الوعي

وأضاف طارق العامري أن للمجالس العامة (السبلة) دور كبير في نشر الوعي والثقافة وخاصة في شهر رمضان بما فيه من وقت فراغ طويل وتكون النفوس صافية خلاله، وسابقا كانت السبل والمجالس لها دور عظيم في التربية والثقافة وفي كل شيء خاص بالبلد أو الوﻻية لكن للأسف في عصرنا الحالي نفتقد هذه المجالس الهادفة والمربية للأجيال .

ومن جانبه، يقول نوح العبري إن في شهر رمضان قديما كانت العادات والممارسات بسيطة جدا بمعنى أنها تكون ممارسات بين الأقارب والجيران كالأسرة الواحدة وذلك من خلال التعاون في كل أمر من أمور الحياة المعيشية والدينية أما حديثا فقد اختلفت الممارسات والعادات مع تغير الوضع والثورة التكنولوجية ومن خلال تغير الأفكار حيث تغيرت الممارسات عما كانت عليه في السابق وأصبحت القناعة قيمة غير مفعلة بين الناس، وزاد أثر الأفكار الغربية على التعامل بين الناس والاهتمام بأمور الدنيا أكثر عن الدين. وعن دور المجالس العامة في كل قرية يقول إنه دور لم يعد يذكر إلا من فئة قليلة من كبار السن في بعض القرى لازالت تتمسك بتلك العادة وتهتم بأمر المجالس التي بدورها تجمع بين القلوب وتؤلف بينها من خلال جلسات الوعظ والنصح والإرشاد التي يحتاج إليها الناس في شتى مجالات الحياة خصوصا في عصر التكنولوجيا.

ويقول محمد الشقصي إن أجواء رمضان قديمًا كانت أكثر روحانية مقارنة بأجواء رمضان في الوقت الحاضر، وبأي مقارنة بين الممارسات في نهار رمضان قديما وحديثا، نجد أن النهار في الماضي كان مقسماً بين حلقات الذكر والصلوات المفروضة وأعمال المنزل . ثم تجتمع العوائل من الحي نفسه قُبيل أذان المغرب لتناول وجبة الإفطار، فيجتمع الرجال في مجلس أحد المنازل وتجتمع النساء مع الاطفال في ردهة المنزل . أما في الفترة المسائية فتستغل في ممارسة الرياضة والمحاضرات وحلقات الذكر انتهاء بتناول وجبة السحور ، أما في الوقت الحاضر فنجد أن كل عائلة تكتفي بقضاء نهار رمضان ومساءه في منزلها الخاص بين قضاء أعمال المنزل ومشاهدة مسلسلات رمضان وبرامج الذكر على شاشات التلفاز، والإنظمام الى مجموعات ختم القران الكريم عبر الواتس آب، لذلك فقد تغيرت العادات والممارسات خلال الشهر الفضيل مع تغير الزمن، لكن لا يزال للشهر أجواءه الخاصه المليئة بالروحانية وله طابع مختلف عن باقي شهور السنة .

وعن دور المجلس (السبلة) خلال شهر رمضان، يقول الشقصي إن للمجالس دور جوهري في صقل وتطوير سلوكيات الفرد فهي ليست فقط مكانا للتجمع وتبادل الأخبار وإنما مكان لصقل الاخلاق من خلال المحاضرات والدروس التي تقدم خاصة بين الأهل والجيران فهم يتجمعون ويلقون المحاضرات والدروس المفيدة والنافعة ولكنها تناقصت بشكل ملحوظ عما كانت عليه في السابق.

شهر السماحة والصفاء

ويؤكد راشد الندابي أنه في السابق كان لشهر رمضان نكهة تميزه عن غيره من الأشهر حيث كان الجيران أسرة واحدة بقلوب صافية متسامحة في ظل كثرة الزيارات والتجمع للذكر والعبادات وتبادل الجيران الطعام، أما في أيامنا هذه وللأسف فقد اختفت هذه المعالم وأصبح أغلب الناس لا يهتمون بهذه الأشياء بل أصبحت قلوب الناس ضيقة لا تتسع بعضها البعض. ومن القليل أن يجتمع الناس في السبلة أو المجالس فقد أصبحت وللأسف في أوقات محددة إما لفرح أو عزاء بسبب تباعد القلوب وزيادة الضغينة فيما بينهم. لذلك يجب على الشباب الواعي تغيير هذا المنهاج والسعي إلى تصفية القلوب ولم شمل بعضهم البعض والعمل على زرع روح الإخاء والمحبة لنعيد ماضينا كأخوة وأحباب.

وتوضح تهاني العامري أن رمضان قديما كان موسما لتقوية الترابط الأسرى والعائلي حيث تجتمع العائلة على الطاعة والعبادة كحلقات الذكر وغيرها من الممارسات والعادات الاجتماعية كزيارة الأقارب وصلة الأرحام وعيادة المريض نظرا لتواجد معظم الأفراد بالمنزل لصغر عدد العائلة وكذلك عدم توفر فرص عمل بشكل كبير وأن توفرت تكون بالقرب من المنزل ليستطيع الفرد أن يلتقي بعائلته يوميا بعكس ما هو واقع في يومنا هذا من توسع فرص العمل لمسافات طويله فيها مشقه سفر وغيرها من تطورات الحياه التي أصبحت تشغل الناس عن الالتقاء والتجمع، فقد كانت قديما العائله تجتمع على مائدة الطعام أما اليوم لا تجد هذه التجمعات على المائده لكثرة الارتباطات ومتطلبات الحياه من وظائف وترفيهة ورياضة وغيرها من مستجدات الحياة التي تأخذ من أوقاتنا الكثير.

وتضيف العامرية عن التجمعات الدينية أن دورها هام في الارتقاء بعادات وسلوكيات المجتمع كإخراج الصدقات والزكوات وبرامج إفطار صائم وانتشار الوسائل الدعوية كالمحاضرات السمعية والمرئية ويمكن القول إن عادات وسلوكيات الأفراد في تطور مستمر في رمضان سعيا وراء كسب الأجر والتنافس لفعل الخير.

انعزال الأسر

ويقول سليمان السيابي إن الفرق بين رمضان في الماضي والحاضر فرق واضح يتجلى في صور عديدة من حيث العادات والممارسات فسابقاً من أول ليلة في شهر رمضان تتجمع العائلة والأقارب في أحد المنازل في تجمع تسوده الألفة والمحبة ويستمر طوال الشهر الفضيل في ظل ممارسة العادات جماعيا أما في وقتنا الحاضر فقد تلاشت هذه التجمعات وأصبحت كل عائلة منعزلة في منزلها منفردة بفطورها ويومياتها .

ويضيف السيابي أنه في الماضي كانت لدى الناس قناعة بالوجبات التي تقدم أما حاضرا فيتكبد رب الاسرة مشقة توفير ماكولات بشتى أنواعها فوق طاقتة ويكون مصير نسبة كبيرة منها في سلة المهملات. وفي الماضي كانت تعقد في المجالس والمساجد دروس ومحاضرات تجمع جميع أهل الحارة أما حاليا للأسف فإن بعض المجتمعات فقدت هذه العادات أو أنها موجودة على استحياء كما نجد المواطن مقصرا في استغلال الفرص التعبدية المتاحة في هذا الشهر الفضيل، ونأمل أن يسود جميع المجتمعات العادات والممارسات الحميدة وأن يستغل الجميع هذه الفرص المباركة.

وتختتم نورة الفهدي بقولها إن لرمضان متعته الخاصة بين شهور السنة من ناحية الروحانيات والعبادات والعادات الاجتماعية وغيرها الكثير، ومن ناحية العادات فقد كانت الجارة تسمع صوت أواني جارتها التي تعد فيها السحور نظرا لتقارب المكاني، وينادي الجار على صاحبه ليقوم للعبادة والتسحر، أما الآن فقد تقلصت عادة الطبخ قبل الفجر وأصبح كل جار مستقل عن جاره ولا يتدخل في إيقاظ جاره بدعوى أن في ذلك شيء من الإزعاج . وسابقا كان لا نوم بعد الفجر وكل إنسان يسعى لمصدر رزقه أما الآن فقد تحول نهار رمضان إلى ليل وليله إلى نهار، وكان أهم ما يقدم على مائدة رمضان هو المحلبية والساجو التي كانت تنظرها أعين الصغار بكل شغف إلى أن يحين الوقت للاستمتاع بمذاقها الأطيب أما الآن فقد تكون في بعض البيوت في آخر قائمة الوجبات إن لم تكن منسية نظرا لكثرة الأطباق العصرية التي تتسابق النساء في إعدادها بأشكال وألوان ومذاقات مختلفة.

تعليق عبر الفيس بوك