رقائق (2)

عبدالله الحجي

لا يعرف الحِمام معنى للعمر، فهو مكتوب على كل فرد من بني آدم رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا، فكلهم في قاموس الموت سواء، قال عز من قائل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: ١٨٥). فكم رضيع يؤمل أهله بلوغه الحُلُم، إلا أن المنية كانت أسبق إليه من أمنيتهم، وكم شاب ينتظر ذووه وصوله مبلغ الرجال؛ إلا أن هادم اللذات، ومفرَّق الجماعات كان أسرع إليه مما يشتهون.

ومن الحكمة الإلهية في ذلك، أن نرى في الواقع المشاهد مختلف فئات الأعمار، ولا نرى فئة واحدة هي السواد الأعظم في قطر من الأقطار، ولله في تدبيره شؤون، فهو حكيم عليم. (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم: ٥٤).

والشاب العاقل الذي عَقِل هذه الحقيقة، وجعلها ماثلة بين عينيه، لا يغتر بشبابه، ولا يتباهى بقوته وفتوته، فالموت أقرب إليه من حبل الوريد، فيعد الزاد، ويجهز الراحلة للانطلاق إلى عالم الآخرة، وهو يحمل معه بضاعة التقوى الذي أخبرنا الله عنها أنها خير زاد في قوله: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة: ١٩٧).

فكم من فتى أمسى وأصبحَ ضاحكا *** وقد نُسجتْ أكفانُه وهو لا يدري

وكم من عروسٍ زينوهَا لزوجِها *** وقد قُبضت أرواحُهم ليلةَ القدرِ

وكم من صغارٍ يُرتجى طولُ عمرهِم *** وقد أُدخلتْ أجسادُهم ظلمةَ القبرِ

وكم من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ *** وكمْ من سقيمٍ عاشَ حينًا من الدهرِ

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة