أمسك عليك لسانك (1)

جوخة بنت علي الحارثية

دائرة الإرشاد النسوي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية

قال تعالى: "مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (18-ق).. أخي القارئ الكريم نبدأ اليوم بتوفيق من الله سلسلة الدرس الأول "أمسك عليك لسانك" ونبدأها بتفسير هذه الآية الكريمة.

معاني المفردات:

"مَا يَلْفِظُ" أي ابن آدم، "مِنْ قَوْلٍ": أي ما يتكلم بكلمة خير كانت أم شر، "إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، أي: إلا ولها من يرقبها معد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حركة. كما قال تعالى: "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ".

التفسير الجملي: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، قال يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره، وذلك قوله تعالى: "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه". وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين: يكتب الخير، وهو أمين على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة، قال له: أمسك، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها، وإن أبى كتبها!".

يا ابن ادم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك .. فأمّا الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأمّا الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك!

فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر.. حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورًا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"، ثم يقول عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.

عظة وذكر

عن الإمام أحمد أنّه كان يئن في مرضه فبلغه عن طاوس أنّه قال يكتب الملك كل شيء حتى الأنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله.

إنّ الله عزوجل إذا رزق إنساناً قلباً حافظاً، ولساناً ذاكراً، فقد اختار له الخير.. فاللسان هو المعبر عما في قلب الإنسان، والإنسان عبارة عن قلبٍ في الداخل، ولسانٍ نسمع منه الخير أو الشر، إلا أن كثير من المسلمين- إلا من رحم الله- لا ينتبهون إلى خطورة هذا العضو، وإلى خطورة ما يخرج من هذا اللسان، وإلى خطورة ما يكتب للسان أو يكتب عليه، فقد كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يتعجب أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول مندهشاً: "أوَ مؤاخذون على ما نقول يا رسول الله؟ "أَوَ مؤاخذون على ما تنطق به ألسنتنا؟ هل يؤاخذنا رب العباد سبحانه بما نتكلم به؟". فكان رد الرسول صلى الله عليه وسلم" وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".

نعم كل هذه كبائر، وكلها موبقات خطيرة تردي الإنسان وتهلكه، إلا إذا تاب وابتعد عمّا يغضب الله سبحانه وتعالى.. ولكن كثير من الناس ينسون.. أو يتناسون كبائر متكررة في اليوم والليلة، وهذه الكبائر منبعها لسان العبد. فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"، وهذا يعني أنّ القلب كأنّه يتبع اللسان، واللسان يتبع القلب وهذه عملية عجيبة، فإذا حاول العبد أن يكون لسانه مقوماً بقول الخير؛ يجد أنّ القلب متجها إلى الطاعة التي لا تخرج إلا إيماناً، فالمسألة متداخلة، وتدل على أن الإنسان وحدة واحدة.

وقفة

** "احفظ لسانك أيّها الإنسان لا يلدغنك إنّه ثعبان/ كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقاءه الشجعان".

** "إذا كان الكلام من فضة فإنّ السكوت من ذهب"، جملة عظيمة قالها لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظه، ولا شك أنّها وصية عظيمة جليلة لو عمل بها الناس لاستراحوا وأراحوا. فاللسان على صغره عظيم الخطر، فلا ينجو من شرِّ اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فيكفه عن كل ما يخشى عاقبته في الدنيا والآخرة، أمّا من أطلق اللسان، وأهمله مرخيَ العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هارٍ.

نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يعاملنا بلطفه وكرمه، وأن يرزقنا حسن التعامل مع ألسنتنا، وأن نقيّدها بلجام الشرع أن يجعل يومنا خيراً من أمسنا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ذرياتنا وأحبابنا إلى ما يحبه ويرضاه، إنّ ربي لطيف رحيم.

تعليق عبر الفيس بوك