هل أصبح شهر رمضان مناسبة للتبذير؟

حَمَد العلوي

إنَّ الأمرَ الذي يعجب له المرء في هذه الحياة أنَّ كلَّ شيء أدخل إليه تغيير يحرِّفه عن سياقه العام؛ حتى شهر رمضان المبارك الذي وَهَبَه الله للإنسان لكي يُكرّس فيه لعبادة خالصة لوجه تعالى، حوله الناس إلى فصل للبذخ والتبذير، واستغله التجار إلى تحريك تجارتهم؛ فعلى سبيل المثال، ينتعش سوق بيع السيارات في رمضان، فَيُجذَب الناس إلى هذا السوق أحيانا بعروض وهمية.

... إنَّ مثل هذه العروض وغيرها الكثير، يظنها الإنسان العادي أنها حقيقية، وأنها صَدَقة تقدمها الشركات في شهر رمضان، والحقيقة غير تلك تماماً، وإنما فبركات تُشبه الألعاب السحرية في السيرك، وأمثاله من العروض المسلية للأطفال، وهي لا تعدو كونها أشبه بلُعبة الطواقي؛ حيث تؤخذ طاقية هذا فتوضع على رأس شخص آخر، فيربح من يربح، ويخسر من يخسر، ولكنَّ الشركات هي الرابح من اللعبة، وهي التي تكسب في كل الأحوال وعلى الدوام.

أما في جانب الأكل والشرب، فإنَّ الإسراف يبلغ أعلى درجاته، والمشتريات الغذائية تضرب رقما قياسيا في رمضان، وكأنه شهر تسمين، يتبعه سعة في البدن وانهدال في البطن، وارتخاء في العضل، وسمنة وداء سكر، وضغط في الدم وكولسترول، ودهون أحادية وثلاثية ورباعية بلا أبعاد مفيدة بالطبع، فيتبعها حالة من عسر الهضم، وانزلاقات غضروفية وألم في الظهر والمفاصل، وكلُّ ذلك نتيجة لمخالفة الحكمة من الصوم القائلة: "صوموا تصحوا" ولا تسرفوا في الأكل فتندموا.

وأما إذا سألت عن العبادة، فحدِّث بلا حرج؛ حيث يتدافع الناس إلى صلاتي المغرب والتراويح، فتراهم يتدافعون كمن يرى المورد بعد طول عطش، ولن تجد متسعًا في ساحات المساجد، ويظل الحال كذلك حتى انقضاء العشر الأوائل من الشهر، حتى يخف الناس تدريجيًّا بالتخلف عن صلاة التراويح، ولكنَّ الزحمة في صلاة المغرب تظل كما هي وعندما ينقضي شهر رمضان، يعود كل شيء إلى ما كان عليه؛ فتودع المساجد الزحمة وتعود إلى وضعها الطبيعي بانتظار رمضان العام المقبل.

تُرى ما الذي حدث في الكون؟! حتى هزلت أمة الإسلام، وتخلت عن قيمها، وعن دينها حتى صار كالموضة التي تتغيَّر مع كل فصل من فصول العام؛ فهل بلغت بنا الحال عهد قوم نوح وعاد وثمود ذي الأوتاد؟! فكثُر بيننا الضلال والفساد.. نحنُ أصحاب الإسلام والجنان، والحور الحسان بلا عمل، ولا خوف من حساب أو عقاب، وهل فعلاً اتخذنا من عند لله عهداً بأننا الفائزون.. الفائزون بالمكر والجنون؟! هكذا عبثاً بلا ضمير ولا عقل، ولا إقامة لحدود الله كما ينبغي أن نكون كي يكون.. سبحان الله الرب المعبود على هذا الهراء والجحود.

حفظ الله عُمان وسلطانها الهمام جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وأنعم الله على الشعب العُماني الوفي بالعيش الكريم، وأبعده الله عن التجبر والغرور والبطر، وثبته على ما هو عليه من طيبة ولطف المعشر، وجنَّبه منزلقات الهوى، وأنجاه من عثرات الطائفية والمذهبية، والبغض والبغيضة للإنسانية، وأن يثبته على نعمة العقل والأخلاق، وأن يرفع الضر والبلاء عن المظلومين في كافة ربوع الوطن العربي، وأن ينصرهم على من ظلمهم وعاداهم.. وكل عام والجميع بألف خير.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك