اليحيائي يستعرض "فرادة" التجربة وجزالة اللغة في أدبيات القاص السعودي حسن البطران

البريمي - سيف المعمري

استضاف صالون فاطمة العلياني الأدبي، بغرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة البريمي، القاص السعودي حسن البطران، في جلسته الحوارية مؤخرًا، والتي أدراها الكاتب والقاص محمد اليحيائي، الذي عرف بالقاص ثم أتاح الفرصة للضيف لتقديم ورقة موجزة بعنوان "كأنني اقترب من الإبداع"، متحدثا عن تجربته في كتابة القصة القصيرة جدا، وأن كتابته جاءت في أثواب متغيرة تغطي أجساما متفاوته في المقاسات، ونصوص قصيرة جدا "كرأس شوكة" و"ورد محمدي" وطويلة "كامتداد جذع نخلة باسقة"، وقد يكتبها وينثرها المبدع في قنوات وأراض مختلفة في اللون والرطوبة والنعومة، يهدف بسطها على مساحة شاسعة وكبيرة.

وأضاف: "أنا هنا لا أدعي، إلا أنها أفكار ألبسها المبدع ما رأيتموه عليها من أقمشة تحمل نقوشا، قد تكون داكنة أو باهتة في بعضها، وهنا بد ك أنها تحفر ذات مرة في صخور صلدة وعميقة، وقد تحفر في تربو طينية أو جافة وعلى سطح الماء أحيانا، وهذا يحيل إلى أن بها دلالات غير مباشرة".

ويضيف البطران قائلا: "حاولتُ في كتاباتي الإبداعية أن أتكئ على مخزون معرفي وثقافي وإبداعي، وتجارب حياتية متنوعة وذات أبعاد مختلفة، ومارست معها لعبة الحذف والترميز، وأحيانا اﻹقصاء والمكاشفة، حتى ولدت من رحم قد صنعته لها، محاطا بطقوس وهلات تقترب من التصوير الخيالي والفانوس الكلاسيكي، معتمدا على أن الكلاسيكية تمثل جزءا منها، والدلالات المفتوحة والمفارقة الحداثية جزءا آخر ليتشكل مزيجا يتناسب والأمزجة المتباينة فمرة تتسرب إليك عن بعد شديد، ومرة أخرى عن قرب لصيق".

وعن سؤاله عن الأب والقدوة الذي يتمثلها في كتابته لهذا الجنس الأدبي، أجاب البطران بأنه حسن البطران نفسه.. مشيرا إلى أنه عمل على تنمية نفسه واشتغل على نصوصه، وعن كتابته لنصوصه يرد الكاتب بأنه يكتب نصوصه من الحياة وقضايا المجتمع وأنه ينسج نصوصه مما يحيط به.

واستهلت الفترة الثانية من الجلسة، بقراءة نقدية قدمتها الدكتورة فاطمة العلياني بعنوان "رمزية الألوان في مجموعة ناهدات ديسمبر"؛ حيث بدأت بالحديث عن مجموعة "ناهدات ديسمبر" وهي آخر إصدار القاص حسن البطران وتشتمل على 103 نصوص قصصية قصيرة جدا مسترسلة في حديثها عن عتبات النص من العنوان "ناهدات ديسمبر" قائلة: المعروف أن ناهدات جمع مفرده ناهدة، وهو اسم فاعل وهي الفتاة التي كعب نهدها وبرز، أضيفت إلى "ديسمبر" آخر فصول السنة والذي يتميز ببرودته فاكتسبت من التخصيص، فهذه الناهدات ناهدات ديسمبر دون غيره من الشهور، وكأن الكاتب يريد بذلك دلالة رمزية باعتبار المرأة رمزا للحضن الدافئ من برودة وقسوة الشتاء كحالة جوية ونفسية، وخصصهن بالناهدات كإشارة كنائية عن وصول مرحلة البلوغ والتي تجعل المرأة تتحمل المسؤولية رغم صغر سنها، كما خصصها بشهر يختتم به عام ويبدأ به عام جديد تكون فيه المرأة شخصية جديدة بخلاف تلك التي كانت عليها، وكأنها تمحي ما كان وتتطلع إلى ما سيكون بنظرة أكثر تفاؤلا وإشراقا، وعنوان هذه المجموعة نص من نصوصها كما هو متبع لدى العديد من الكتاب "صافحت يداه أوراق شجرة البرتقال، اهتزت الشجرة وتساقطت قطرات الندى، وأراد أن يدفئ جسمه من برد ديسمبر فاحترق جسمه، تفحمت يداه واسود وجهه، وتساقطت الأوراق، وأصدرن الأشجار حفيفها، وابتسمت ناهدات الصدر، وتمادى هو في سكره"؛ فالمرأة رمز للبرد والسلام باعتبارها أيقونة الحنان المتدفق، وهي النار الحارقة لكل معتد آثم،يحاول سلب ذلك الحنان بالقوة والإجبار.

وبعد عنوان المجموعة، تحدَّثت الدكتورة فاطمة العليانية عن الإهداء والثيمات التي تضمنتها المجموعة، ثمَّ الحديث عن الألوان ورمزيتها في المجموعة، والتي تمثلت في سبعة ألوان، ووردت أربع وثلاثين مرة، حيث يأتي اللون الأحمر في مقدمة الألوان التي يستخدمها الكاتب إذ ترد خمس عشرة مرة في ثماني قصص، وتتمثل رمزيته في الخيانة في قصة "خط أحمر" وقصة "قيادة حمراء"، و"الشرف في قصة قسم" والفزع في قصة "فزع أحمر" و"أوقفت عن الطواف حول البيت، ورأت رايات حمراء ترفرف فوق منزلها، فزعت من نومها، وأراقت الماء على بابدارها، أرضعت طفلها"، إذ يراود اللون الأحمر منام البطلة برؤية الرايات الحمراء ترفرف فوق منزلها، والمعروف أن "الرايات الحمراء" دلالة على البغاء فيكون ردة الفعل إراقة الماء على باب الدار كموروث شعبي تقليدي دال على التطهير، فيعود السكون بعد الفزع وتستكمل البطلة إرضاع طفلها.

وبعد اللون الأحمر يأتي اللون الأبيض والأسود في المرتبة الثانية بواقع ست مرات لكل لون، وهي من الألوان المائدة اللامنتمية،حيث يرد اللون الأبيض رمزا للطهارة والنقاء كما في قصة "غزل أبيض". أما اللون الأسود فيمثل رمزيته المعتادة من موت في قصة "تكون ألم"، وسوداوية في قصة"حداد" تكاثفت الجهود لإقناعه لا فائدة.

ويأتي اللون الأخضر في المرتبة الثالثة بواقع ثلاث مرات في ثلاث قصص، إذ يمثل رمزيته المعهودة من نماء وبداية الجديدة كما في قصة"جنازة"،ويخالف ذلك في رمزية الوعد الكاذب في قصة "تفاح" إذ يطول الوعد وينقض العهد من قبل المرأة." أما اللون الأزرق فيرد مرتين، زهو من الألوان الهادئة، يرمز إلى الإرادة المسلوبة في قصة"جوع"، أما اللون الذهبي فيرد مرة واحدة كرمز للطهارة والقداسة في قصة" أراضي مقدسة لا تقبل السجود".

وفي ختام الجلسة الحوارية، قامت الدكتورة فاطمة العلياني بتكريم القاص السعودي حسن البطران والكاتب محمد اليحيائي.

تعليق عبر الفيس بوك