نتائج الانتخابات التركية: تراجع للأردوغانية أم مناورة سياسية؟

ناصر أبو عون

أثار فوز حزب رجب طيب أردوغان في الانتخابات البرلمانية التركية بنسبة 41% من مقاعد البرلمان عاصفة من الجدل في أوساط المحللين السياسيين، وكان فرصة لشماتة المناهضين لسياساته داخليا وخارجيا. وهو وضع يستدعي العقل السياسي العلمي لقراءة النتائج وتأويل الدلالات، وتعميق التساؤلات للبحث عن تفسير منطقي، وتوصيف واقعي لمستقبل حزب العدالة والتنمية؛ فالبعض يرى أنّ نجم أردوغان قارب على الأفول ويراهن على إنهاء (حكم الإخوان المسلمين في بابهم العالي في تركيا)، كما نجحوا في إنهائه في (مصر، وتونس) متخذين من نتائج الانتخابات التركية الأخيرة (الأحد الماضي/ السابع من يونيو 2015) دليلا دامغًا على تراجع نفوذ حزب العدالة والتنمية. غير أنّ العقل الناقد يقتضي طرح السؤال التالي: لماذا لم تتراجع شعبية أردوغان بعد (انتفاضة جيزي - تقسيم في يونيو 2012، وقيام سلطاته بقمعها؟ لماذا لم تتراجع شعبية أردوغان بعد فضائح الفساد التي طالت عناصر مقربة من مقربيه وأعضاء حزبه؟ ونجح بعدها مباشرةً في تحقيق الأغلبية الساحقة في الانتخابات البلدية والرئاسية؟

لكنّ السؤال الجوهري الذي يجب طرحه، وإعادة تمريره على (العقل السياسي الناقد) غير الملتبس أو المتلبس بالأيديولوجيا، و(غير مسبوق الدفع)، و(القابل لإعادة الشحن) ببطاقات الفيزا الدولية والائتمان العابرة للقارات، والأقلام المستأجرة وسابقة التجهيز على صفحات الجرائد غير المقروءة، والآراء المقولبة على شاشات التلفزة المدفوعة بالدرهم والدولار والمشتغلة بتغييب الوعي، ونشر الأماني. السؤال يجب أن يكون هكذا: هل حصول حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان على نسبة 41% من أصوات الناخبين الأتراك مقابل 60% توزّعت على الأحزاب والأطياف الثلاثة الأخرى للشعب التركي تراجع أم تكتيك سياسي ومناورة حزبية؟ وتتناسل من هذا السؤال الأسئلة الفرعية التالية:

  • هل عدم حصول حزب العدالة والتنمية على (الأغلبية المطلقة) انتكاسة أم سياسة؟
  • هل تمثل النتائج تراجعًا لشعبية أردوغان وحزبه أم تكتيك انتخابي؟
  • هل ما زال حزب العدالة والتنمية نموذج للمصالحة بين الإسلام والديمقراطية؟
  • هل النتائج تُعدّ تراجعًا وسقوطًا للأردوغانية أم خطوة للوراء لتحقيق أهداف إستراتيجية؟

لا شك أن نتيجة الانتخابات التركية تأثرت بقضيتين حيويتين تواجهان الحكومة في أنقرة، الأولى تتمثل بدرجة تدخلها في الحرب الأهلية السورية، والثانية بعلاقتها مع الأكراد في كل من سوريا وتركيا. وتوقع مراقبون أن يكون الملف السوري من أكثر الملفات التي أُثرت على نتائج الانتخابات التركية الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بموضوع دعم أنقرة للمعارضة السورية المسلحة، والدعم السياسي الذي تقدمه للائتلاف السوري المعارض. غير أن أنصار هذا الرأي تناسوا أن تركيا دولة مؤسسات وليست دولة أحزاب أو أشخاص كي تغير سياساتها بتغيير الأحزاب أو الشخصيات السياسية. ومن ثَمَّ لن يحصل أي تغيير في سياسة تركيا الخارجية.

إن معطيات الانتخابات التركية التي رشحت عن المشهد الانتخابي التركي أكدت على العديد من النتائج وتجبرنا على تقديم فرضية بحثية جوهرية يمكن طرحها في صيغة سؤال رئيس وهو: هل نتيجة الانتخابات التركية كانت سقوطًا وتراجعًا لحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان أم مناورة سياسية من جانبه لجأ إليها لتحقيق أكثر من هدف؟.

أولا - احتساب حزب العدالة والتنمية على (تنظيم جماعة الإخوان المسلمين) دفع قيادته للاستفادة من التجربة المريرة للتنظيم الدولي وثقلها التقليدي في مصر؛ حيث بدأت الجماعة تُدرك (حجم الاستهداف الإقليمي والدولي)، والمدعوم بآلة (مالية وإعلامية كبرى) لم يسبق لها مثيل ومن ثَمَّ بدأت أصوات داخل التنظيم الدولي إلى تقييم النتائج وأدركوا أن الجماعة أخطأت بتصدر المشهد السياسي في مصر، ومن ثَمَّ سعت إلى إنقاذ (وجودها)، و(نفوذها) حول العالم فصدرت تعليمات لقواعدها في تونس بإلقاء الثقل الانتخابي في صناديق الخصوم والتراجع خطوة للوراء لتحميل (العلمانيين والاشتراكيين والمستقلين، والليبراليين) أوزار المشهد التونسي إنقاذًا لحركة النهضة التونسية. وعلى صعيد المشهد التركي ربما يكون أردوغان قام بتطبيق الوصفة التونسية ذاتها ولكن بنكهة تركية فأصدر تعليمات لقواعد حزبه بالتصويت لصالح الأحزاب الأخرى والتراجع خطوة للوراء للخروج من دائرة الاستهداف، والسقوط التي وقع فيها إخوان مصر عبر الاتهام بالاستحواذ والسيطرة على مفاصل الدولة.

ثانيا - جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد أن أردوغان أراد استدعاء مكونات الخريطة التركية إلى المشهد وتمكينها من المشاركة السياسية، وتجربة الحكم، وإجبارها على تحمّل المسؤولية تجاه مستقبل تركيا، واقتسام أي إخفاقات مستقبلية من شأنها أن تؤثر على مستقبله السياسي ووجود حزبه في صدارة الحياة السياسية التركية دون إقصاء لأي من الأطراف الوطنية عبر أربعة أحزاب كبرى: الإسلاميين عبر (العدالة والتنمية)، والعلمانيين من خلال (حزب الشعب الجمهوري)، و(القوميين)، والأكراد ممثلا بحزب (الشعوب الديمقراطي).

ثالثا - قيام قواعد حزب العدالة والتنمية بالتصويت لمرشحي حزب الشعوب الديمقراطي راجع لصدور تعليمات بهذا الشأن لدعم عملية السلام الداخلية وجعلها أولوية في حكومة العدالة والتنمية التي عملت على دمج جميع شرائح المجتمع التركي بالعمل السياسي بعيدا عن العنف.

رابعًا - تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي لنسبة 10%، في التصويت بمساعدة ناخبي العدالة والتنمية تأكيد على الخروج من حالة الاستقطاب السائدة، ودعم (شعار تركيل لكل الأتراك)، حيث حقق نتائج في مناطق تعبر قلاعا حصينة لحزب العدالة والتنمية، وهذا انتصار تاريخي للديمقراطية يحسب للعدالة والتنمية.

خامسا - إنَّ وصول 97 امرأة تركية إلى مقاعد البرلمان، وهو رقم لم تصل إليه أيّة دولة غربية حتى الآن. ربما يكون أحد مسوغات الحصول على العضوية الفاعلة في السوق الأوربية المشتركة.

سادسا - تطوير الحياة السياسية التركية وإحماء المشهد الديمقراطي عبر تشكيل حكومة أقلية، أو حكومة ائتلافية متعددة الاتجاهات، والمشارب لتسويق تركيا لدى جيرانها الأوربيين في وقت يمر فيها الإسلام السياسي بمأزق، ومناهضات عالمية.

سابعًا- محاولة لتسويق (الحلم التركي القومي) بعودة أمجاد الماضي شريطة أن تشارك في تحقيقه سائر مكونات الشعب التركي دون احتساب هذا الهدف الاستراتيجي على طرف من الأطراف مما يخفف من حدّة العداء لدى القوميات والشعوب الأخرى.

واستدعاء العقل التحليلي لنتائج الانتخابات التركية يقتضي معرفة الهدف الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ تركيا حيث يسعى (الأتراك) إلى تأسيس نظام جمهوري الافضل لحل مشاكل تركيا. هناك طريق من اثنين سيتخذهما حزب العدالة والتنمية. الطريق الأول يتمثل في اضطرار الحزب إلى تشكيل "حكومة أقلية". حكومة أقلية تعني أن الحزب سيقوم بتشكيل الحكومة منفردًا ليخاطر بأن تكون المعارضة أكبر منه وبالتالي يمكنها تعطيل مشاريعه وموازنته العامة وحتى الإطاحة بالحكومة. وهذا السيناريو معناه أن حزب العدالة والتنمية سيخاطر بإمكانية إجراء انتخابات مبكرة في حالة عدم تمكنه من الحصول على دعم غالبية البرلمان.

والطريق الثاني الذي قد يسلكه العدالة والتنمية هو عبر تكوين ائتلاف حكومي إما مع حزب الشعوب الديموقراطي أو مع حزب الحركة القومية. ويبدو أن حزب الشعوب الديموقراطي سيكون الخيار الأقرب. حيث سيقوم حزب العدالة والتنمية بمنح حزب الشعوب دورًا أكبر في السياسة التركية وقدرة أعلى للعمل على تحسين أوضاع الأكراد وإتمام عملية السلام الداخلي. العقبة الواضحة أمام هذا الائتلاف تتمثل في اختلاف الحزبين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

Nasser_oon@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك