كهوف عُمان..مزيج فريد من الواقعية السحرية والأسطورية الملئية بالغرائبية والغموض

2000 كهف متباينة الشكل والحجم في قلب جبال السلطنة-

مسقط- العمانية-

وسط الجبال الشاهقة في كل محافظات عُمان حكايات لا تنتهي يتداخل فيها الواقعي مع الأسطوري، والمتخيل مع المألوف.. جبال تخفي الأسرار والغرائب، لكنها أيضا مليئة بالكهوف الموغلة حكاياتها على الجوانب الأسطورية، والواقعية السحرية كما يحلو لنقاد الرواية والأدب القول.

وتقول الأساطير إنهذه الكهوف العميقة كانت مجالس للجن والسحرة، ومأوى للمغيبين، بينما تذهب علوم الجيولوجيا إلى آخر تماماً. ويقول العلم وفقا للموسوعة العمانية إن هذه الكهوف تكونبناؤها في الفترات المطيرة التي سادت شبه الجزيرة العربية في فترات البليستوسين نتيجة هبوب الرياح الموسمية، مما أدى إلى سقوط الأمطار الغزيرة وجريان الأودية والشعاب، وارتفاع مخزون المياه الجوفية، الأمر الذي أسهم في النهاية الى زيادة نشاط التجويةالكيميائية، فتكونت الكثير من الظواهر الجغرافية من بينها الكهوف.وساعدت وعورة الوصول أحيانا إلى هذه الكهوف وتوغلها الكبير في عمق الجبال أو في أطرافها القصية إلى ظهور البعد الأسطوري في حكاية الكهوف..وهو بعد حضر كثيرا في المخيلة العمانية؛ إذ إن أكبر الكهوف في عمان وأكثرها غرابة يحمل اسم "كهف مجلس الجن".

وتتنوع الكهوف في السلطنة من حيث أسباب التكوين إلى نوعين: كهوف الإذابة التي تنتج عن تحلل الصخور بفعل تساقط الأمطار عليها، لا سيما في مناطق الضعف في الصخور الجيرية القابلة للذوبان في الماء،وهذا الذوبان يقوم بتوسعة الثغرات الصغيرة حتى تصير ممرات وقد تتطور إلىكهوف كبرى،ومن أمثلة هذا النوع من الكهوف في السلطنة كهف الهوتة في ولاية الحمراء، وكهفا طوي عتير وطيق في محافظة ظفار.

أما النوع الآخر من الكهوف في عمان، فهي كهوف التعرية التي نتجت عن طريق النحت والتعرية بفعل الرياح، إذ تقوم الرياح بنحت الأجزاء الرخوة من الصخور وتجويفها، وتتركز هذه التي تتميز بصغر حجمها عند أطراف جبال الحجر الشرقي وجبال الحجر الغربي.

وتبلغ عدد الكهوف في السلطنة بحسب الموسوعة العمانية إلى حوالي 2000 كهف، وتتباين أعدادها في محافظات السلطنة بسبب اختلاف أشكال السطح والتركيب الجيولوجي والمناخ.ويوجد في محافظة ظفار وحدها حوالي 670 كهفا، ويرجع ذلك إلى تأثرها بهبوب الرياح الموسمية في الصيف، وتمتعها بمناخ معتدل دافىء معظم السنة؛ مما يسهم في نشاط الإذابة بواسطة المياه الباطنية الناتجة عن تسرب مياه المطر الساقطة في الصيف، وغالبا ما يزداد التحلل الكيميائي بزيادة الحرارة والرطوبة؛ خاصة في الصخور الجيرية.

وتتنوع الكهوف في محافظة ظفار حسب طبيعة التكوين؛ فهناك الكهوف المجاورة لعيون الماءوالتي ارتبطت نشأتها بنشأة تلك العيون، ومنها كهوف عيون طبرق وحمران ورزات وصحنوت وجرزيز الواقعة أسفل حواف جبل القرا.وكهوف الأودية الجافة ككهف أوديةدربات وثيدوت ونحيز وعقبة أسير، وكذلك الكهوف الساحلية المنتشرة بالجروف البحرية المتقطعة التي تشرف على بحر العرب، فيما بين مرباط شرقا والمغسيل غربا.

ورغم رسوخ فكرة الأساطير في المخيلة العربية بشكل عام، إلا أن السلطنة عملت على تحويل العديد من الكهوف إلى مزارات سياحية راقية، كما حدث مع كهف الهوتة في ولاية الحمراء.

ويعد كهف "مجلس الجن" من أغرب كهوف عمان، وهو ثالث أكبر كهف جوفي في العالم، وتتسع أرضية الكهف إلى عشر طائرات جامبو كبيرة بسهولة ويسر.كما أن ارتفاعه يسمح بوقوف أربع من هذه الطائرات فوق بعضها حتى تصل إلى سقفه، فيما قدر بعض الخبراء سعة الكهف لـ12 طائرة بوينج 747أو ما يصل إلى 1600 حافلة سياحية،كما يمكن أن يحوي بداخله أكثر من خمسة فنادق بحجم فندق قصر البستان.

وقد اكتشف كهف"مجلس الجن" لأول مرة صدفة، عندما كانت جهات حكومية تبحث عن احتياطيات لمياه جوفية في المنطقة الشرقية.وشكل الكهف رعبا في بداية اكتشافه قبل أن يتطوع أحد العاملين في مشروع البحث عن المياه الجوفية وهو دون ديفيسونفيعام 1983 للنزول للكهف من خلال إحدى فتحاته التي يبلغ عمقها 120 مترا وهي الفتحة الأقصر من بين فتحات الكهف الثلاث.وبعد ذلك بسنة نزلت للكهف زوجته شيريل جونزولكن من الفتحة الأعمق والتيبلغ طولها 158 مترا، وسميت الفتحة باسمها.

ومن بين كهوف السلطنة أيضًا كهف الهوتة والذي يقع في ولاية الحمراء والذي يصلح للتصوير ومن بين الكهوف الكثيرة في عمان كهف مقل، ويقع بولاية بني خالد بالمنطقة الشرقية بقرية مقل وسط واحات مائية جميلة، والتي اتخذت الولاية منها شعارا. ومنبين الصخور التي نحتتها الطبيعة تتدفق المياه العذبة مشكلة ذلك المنظر البديع الذي لا تجد له مثيلا في أي ولاية أخرى وتنساب المياه منها ليتلقفها العماني القديم صانعا منها أفلاجا تمتد لعدة كيلومترات لتروي المناطق الزراعية، وتمتد طول هذه الواحات المائية إلى أكثر من مائتي متر في بعض الأماكن وبعرض عشرين مترا في بعض الأجزاء، كما يبلغ عمقها أكثر من ستة أمتار تقريبا، مما يجعلها انسب مكان لممارسة السباحة وحول هذه الواحات توجد أشجار خضراء خلابة لتكون مكان استرخاء واستجمام للتمتع بالمياه الرقراقة، كما توجد استراحات ومسجد لمرتادي المكان.

ويقع كهف صحور في وادي نحيز في مدينة صلالة، ويوجد هذا الكهف في أحد تكوينات الصخور الجيرية المنتمية إلى الفترة المبكرة من العصر الثلاثي. ويوجد بالهضبة التي يقع فيها الكهف مدخل كبير الحجم يطل على الوادي بقوسه المزين بهوابط قديمة وصاعدة كبيرة يبلغ ارتفاعها مترين تقف كحارس لتلك الردهة.

وللوصول إلى الغرفة الرئيسية للكهف لابد من اجتياز الممر الضيق الواقع في الجهة الشمالية من المدخل. وتزدان هذه الغرفة بالكثير من التراكيب الكهفية الجميلة كالأعمدة والهوابط بأنواعها المختلفة (كالمصاصات والهوابط المدببة ويمكن مشاهدة قطرات الماء المتدلية في الكثير من الهوابط التي لا تزال في مراحل تكونها.

لكن العلامة المميزة لهذا الكهف هو ذلك الحوض الجاف الذي يبلغ طوله 1.8م وعرضه 1.5م، والذي انطبعت عليه آثار لمياه شلالات متحجرة تبدو كما لو أنها كانت تنساب بالأمس القريب. ويزخر هذا الكهف أيضا بالعديد من الكائنات كالخفافيش والحشرات.

وتنفرد حفرة الاذابة بطوي اعتير والتي تعرف بـ"بئر الطيور" بأنها اكبر الحفر عالميا؛ حيث يبلغ حجمها حوالي 975000م3، بينما يبلغ قطرها ما بين 130ـ150 متراـ أما عمقها فيبلغ حوالي 211 متراـ وبإمكانها استيعاب بناية من 70 طابقا، وهي كذلك اعلى من اكبر اهرامات الجيزة بمصر حوالي 70 مترا.

وتقع حفرة إذابة طيق على بعد 9كم شمال شرقي طوي اعتير على تقاطع واديين رئيسيين يتجه أحدهما من الشمال الى الجنوب أما الآخر فمن الشرق إلى الغرب. وأفضل طريق للوصول إلى الحفرة هو ذلك المتجه من الشمال عبر الطريق الساحلي لطوي اعتير وعلى بعد 24كم من دوارالمعمورة. فبعدالوصولإلىطوياعتير (32 كم ) أسلكالطريقالممهدالمتجهنحوالشمال واستدرنحواليمينبعد 10كمثممباشرةيساراواستمرفيالسيرلمسافة 5،6كمحتىتصلإلى نقطةتتقاطعفيهاالطرق. هناكأسلكالطريقالواقعإلىيمينكباتجاهموازلواديثيراتلتصل إلىالحفرةبعد 4.7 كم.

وتعدهذهالحفرةخزانماءرئيسيافيمالوأغلقتفوهتهاالنشطةفيفترةمعينةمنالعام.فامتلاؤهابملايينالأمتارالمكعبةيمكنأنيجعلمنهاموردايمدللمنطقةبأكملهابالماء. ولتقييمالوضحوالإمكانياتالمائيةللحفرةوحتىيمكنالاستفادةمنهاعلىأفضلوجهلابدمندراسةجيولوجيةدقيقةتتقصىكلامننظامالصدوعوالينابيعالداخليةوالأنفاق. والأدلةالجيولوجيةالمتوافرةحالياتقودناالىحقيقةشبهمؤكدةتتمثلفيوجوداتصالتحتأرضيبينحفرتيالإذابةبطيقوطوياعتيرعبرعددمنالأنفاقالباطنيةالمتجهةمنالشمالإلىالجنوبومنالمشوقالىالغربوالتيتشبهفياتجاهاتهاالصدوعوالوديانالمنكشفةعلىالسطح.

وتقعالحفرةعلىتقاطعواديثيراتوواديشاريفيالجزءالجنوبيمنالحفرة،ويحيطبهاجدرانصخريةشبهعمودية.

ويمكن القول إنهاكهوفعميقةومليئةبالأسراروبالأساطير،لكنهاأيضاقادرةعلىصناعةسياحةعالميةيتداخلفيهاالحقيقيبالخياليوالواقعيبالسحري.

تعليق عبر الفيس بوك