لا تتخذ قرارك بنفسك!

أسماء القطيبي

"اتخذ قرارك بنفسك"، عبارة تطالعنا بها كتب تحفيز الذات، والإعلانات التسويقية المبثوثة في الصحف والتلفزيون وشاشات العرض. إنها دعوة لأن يحدد الشخص ما يريد دون أن يتدخل الآخرون في قراره. لكن، هل هذا ممكن حقا حين يتعلق الأمر بالقرارات الهامة في حياة الإنسان؟ في الواقع أنّ الأمر يصبح أكثر تعقيدًا من أن نختار ما يناسبنا وما يكون أقرب لميولنا ورغباتنا فقط. حيث إننا نكتشف أنّ هناك الكثير من العوامل التي تتدخل وتدفع الشخص دفعًا إلى اختيار أمر دون سواه. إن هذه العوامل تجعل الشخص -غالبا- غير قادر على التفكير المجرد في الخيارات المتاحة له، كونها تشكل ضغطا كبيرا لا يمكن تجاهله. وهنا تصبح عبارة "اتخذ قرارك بنفسك" غير دقيقة فعلا؛ لأنك لست حرًا تماما حتى تتخذ قرارك بنفسك.

ولعل أكبر العوامل التي تشكل ضغطا على الفرد في إختياراته المفصلية للقرار هي الأسرة، ففي حين أن غالب الأسر لا تتخذ الطرق المباشرة في إرغام الشخص على إختيار ما يناسبها إلا انها لا تكف عن الضغط عليه عاطفيا لتحقيق النتيجة نفسها. إن الأسرة ممثلة بأفرادها الأكبر سنا تعد نفسها من المعنيين في قرارات أي شخص ينتمي للعائلة، وأن من الواجب على الشخص أن يطلب الإستشارة قبل اتخاذ القرار ليحظى بالمشورة الحكيمة، التي تتحول إلى أمر واجب التنفيذ إذا ما أراد الشخص أن يبقي على علاقته الطيبة مع الأسرة. والأم رغم حسن نواياها إلا انها المؤثر الأكبر في إختيارات ابنائها. ففكرة رد الجميل تحضر بقوة في مثل هذه المواقف، جاعلة من القرار أمرا يتوجبه رضاها. ويبقى على الفرد أن يتحمل تبعات هذا القرار الذي يشكل بالنسبة له تضحية، ويمثل للأم أو الأسرة قرارا سليما من ابن حسن التربية.

كما يتدخل المجتمع بشكل غير مباشر في قرارات الفرد الشخصية مثل قرار الزواج، فالشخص الذي يبحث عن شريك حياته يجب أن يراعي شروط الإختيار المتعارف عليها في مجتمعه حتى يكلل هذا الزواج بالقبول الإجتماعي والمباركات. حيث أن مراعاة العرف والعادات التي لا تخضع لمعايير واضحة تجنب الفرد خوض صراع طويل يبتدئ من خطوته الأولى خارج باب بيته. فالقبول الإجتماعي ليس بأمر سهل الإسترجاع إذا ما تم سحبه من أحد الأفراد. وهو ما يجعل الأشخاص يتخذون قرارات تبدو لهم غير منطقية على حساب حفظ الصورة الملمعة في المجتمع ولو ظاهريا. ولو تأملنا العوامل التي تجعل رغبتنا الشخصية في أسفل قائمة الأولويات لوجدنا أنها متداخله، فالأسرة مثلا قد تجبر أفرادها على قرار معين بناء على مراعاتها للمجتمع، والمجتمع قد يرفض خيارا غير مألوف لأحد أفراده بذريعة حمايته من العواقب الوخيمة التي ستلحقه نتيجة هذا القرار.

يرى البعض في الضغوط التي تدفعه لخيار معين دون سواه راحة نفسية كبيرة تزيح عن كاهله عناء تحمل مسؤولية القرار، فالقرار أصبح أمرا مشتركا لا يعنيه وحده، لذا فهو يجد من يحمله اللوم في حالة فشله في التأقلم مع القرار. فالطالب الذي قامت أسرته بإختيار تخصصه لن يشعر بتأنيب الضمير في حالة إخفاقه في تحقيق معدل مرتفع، فهو ليس صاحب القرار، بل قد يسعد بفشله ويستخدمه كعقاب غير مباشر لأسرته.

إن الروابط الإجتماعية التي يفترض بها أن تكون عامل تشجيع للفرد تؤدي به إلى الأحباط حين يكتشف انها تقوم (بربطه) بخيارات محدودة يتخذها مجموعة من الأفراد الذين لا يملكون المرونة الكافية للإنفتاح على خيارات جديدة يفرضها العصر. مما يجعل بعض أفراد المجتمع يمارسون طرقا ملتوية في الحصول على ما يريدونه كالكذب والتضليل. وقد يظهرون القبول الظاهري لخيار الأسرة والمجتمع بينما يقومون بتعويض رغبتهم في خيار آخر بطرق سرية لا تؤثر على صورتهم في المجتمع. فالنفاق الإجتماعي قد يكون حلا للإنسان المقهور والمحروم من حقه في إختيار الحياة التي يريدها. وهنا لا أدري من الملام؟ هل هو الفرد الذي لم يحارب من أجل مع ما يترتبه من خسارات؟ أم هي الأسرة التي فرضت القرار تاركة الشخص يعاني تبعاته؟ أم انه المجتمع الذي يشتكي أفراده من سطوته دون أن يقوموا بتحرك جماعي لنبذ قوانينه المتأرجحة والبالية؟

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك