اعترافات أمير الولاية الداعشية

فؤاد أبو حجلة

في مغامرة يبدو أنّها محسوبة، أعلن القيادي الأردني في "داعش" أبو الوليد المقدسي انشقاقه عن التنظيم الإرهابي الذي يحكم أجزاءً كبيرة من أرض العراق وسوريا. وبرر المقدسي انشقاقه بوجود فساد مالي وإداري في التنظيم، موضحاً أنّ كشوف الرواتب الداعشية تضم أسماءً وهميةً وأن قادة التنظيم يسرقون هذه الأموال المخصصة أصلاً لمقاتلين محليين وأجانب مفترضين.

بالطبع، ليس هذا سبباً كافياً لانشقاق "أمير ولاية القلمون" في داعش، ويبدو أن للمقدسي غايات أخرى من خروجه العلني من جماعة تعاقب الخارج منها بالقتل، وربما يفكر الرجل بتشكيل تنظيم آخر يتفرد في قيادته ووضع كشوف رواتب مقاتليه، لأنّ الفساد الداعشي لا ينحصر في سرقة الرواتب ولا يختصر في تجاوزات إدارية ومالية. وربما كان حرياً بهذا الداعشي المناوئ للفساد أن يحتج على سبي القاصرات وأن يفتي بحرمة "نكاح المجاهدات" وأن يرفض قطع الماء والكهرباء عن أهل المدن، وأن يعترض على ذبح الأبرياء بسيوف الدواعش.

لم يفعل المقدسي ذلك، ولم تغضبه أو تستفزه جرائم "داعش" الذي يعيث في الأرض فسادًا، بل أغضبته سرقة بضعة ملايين من المال الحرام الذي تجود به دول وأطراف في المنطقة لتمويل الإرهاب.

إنّها إذن رسالة إلى الممولين، أكثر منها بياناً ضد الفساد، وهي في الوقت نفسه تعبير عن إصرار الرجل على مواصلة مسيرته كمنشق محترف بعد أن انشق في السابق عن جبهة النصرة التي كان أحد قيادييها، وقام بتكفيرها والخروج منها وعليها لينضم إلى داعش.

يتشابه موقف المقدسي المنشق عن المشروع "الإسلاموي الداعشي" مع موقف صبري البنا المنشق عن المشروع الثوري الفلسطيني، مع التأكيد على الاختلاف الذي يصل حد التناقض بين ما يمثله "داعش" من تخلف وظلامية وإرهاب وما تمثله المقاومة الفلسطينية من كفاح محق ومشروع ضد الكيان الإرهابي الأخطر في المنطقة وهو إسرائيل.

وينحصر التشابه في مواقف الرجلين اللذين أعلنا الانشقاق احتجاجا على الفساد، من أجل أن يمارسا فسادا أخطر وأشد تأثيرا.

في أواخر السبعينات من القرن الماضي أعلن البنا الملقب بأبي نضال انشقاقه عن حركة فتح بحجة انحرافها عن المسار الثوري! وأنشأ الرجل تنظيماً منشقاً تجاوز عدد أعضائه بضع مئات من المتطرفين الذين كانوا في معظمهم، أبرياء وحالمين وكان بينهم عملاء للموساد الإسرائيلي والاستخبارات الدولية.

ومن يعود إلى أدبيات "حركة فتح - المجلس الثوري" يلحظ المبالغة في تحديد أهداف "الثورة"، فأبو نضال لم يكن يريد فقط تحرير فلسطين، بل كان يُريد تحرير الوطن العربي برمته، وكان يطرح تكتيكاً تعتمده "داعش" الآن ويتمثل في إقامة حكم "الثورة" في أيّ جزء من الأرض العربية يتم "تحريره"!

وفي كتابه المهم "بندقية للإيجار.. مناضلون في خدمة الموساد" يعرض الصحفي البريطاني باتريك سيل نماذج من الفساد في التنظيم المنشق، من خلال شهادات قياديين سابقين في هذا التنظيم انتهى المطاف بالكثيرين منهم إلى الموت قتلا بطرق وحشية.

يقول سيل إن البنا أصدر تعميمًا لأعضاء اللجنة المركزية في تنظيمه يوبخهم فيه على استهلاك زوجاتهم للشوكلاتة، باعتبار ذلك ترفاً لا يليق بالثوريين، ويكشف سيل في الوقت ذاته أن البنا كان يستهلك لترين من الويسكي يومياً!

احترف أبو نضال عمليات التصفية والاغتيال، وذاع صيته كقاتل بالوكالة لأنه كان ينفذ عمليات الاغتيال لصالح أجهزة استخبارات عربية.. وربما إسرائيلية. واستطاع المنشق ومن كانوا معه أن يثيروا التشتت والبلبلة في الساحة الفلسطينية، لكنهم لم يستطيعوا تقديم نموذج مقنع للجموع الفلسطينية.. فانتهى التنظيم قبل أن ينتهي أبو نضال منتحراً بأربع رصاصات!!.

نعود إلى "أبو الوليد المقدسي" لندعوه إلى الانشقاق عن الفكر الظلامي برمته ليستحق لقب المقدسي.

تعليق عبر الفيس بوك