تشافي وجيرارد .. قصتا وفاء!

حسين الغافري

يقول ونستون تشرشل رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً: "الجهد المتواصل وليس الذكاء أو القوة، هو مفتاح إطلاق قوتنا الكامنة". يبدو ذلك صحيحا فعلاً، وإلا فأي قوة تلك التي تملّكها تشافي وجيرارد ليكونا في مستويات عالية ومع أندية دائماً تنافسية، ويتطلب فيها اللاعب أن يكون في قمة مستوياته؟! العطاء هو قرين كل شيء وفي كل زمان ومكان.. فالباب الخلفي والنفق المظلم كان ضحاياهما كثيرين.. والباب الأمامي كان محكوماً بشدة ولا ينفتح إلا لقلة.. لأؤلئك الذين يعطون بدون توقف!

عاجلاً أم آجلاً، كان لابدُ أن يأتي ذلك اليوم ويترك فيه النجم الإسباني تشافي هيرنانديز فريق برشلونة الذي عشقه وارتبط باحترافه وعرفته الجماهير الكروية من خلاله.. السن له أحكام والحياة تتوالى وتتعاقب. تشافي كان وفياً لبيته -كما يحب أن يقال له- لمدة تقترب من العقدين من الزمن مع الفريق الأول فقط، وبعد إعلان اعتزاله اللعب الدولي منذ فترة ليست بالطويلة.. ها هي رحلته مع برشلونة وصلت إلى محطتها الأخيرة وقرر الفارس أن يترجّل من صهوة الحصان، والتي صنفها الخبراء والمحللون بأنها الأنجح حتى الآن لكل نجوم برشلونة على مرّ التاريخ، وقد صنفتها الألقاب قبل هذا وذاك. وما يرفع أسهم هذا النجم الكبير كونه أحد رجال العهد الذهبي لبرشلونة خلال العشرة أعوام الماضية؛ ساهم فيها في تحقيق ألقاب مهمة مع النادي الكتالوني، واقترنت بها فترة إسبانيا الذهبية. وهناك من ربط أصلاً نجاح المنتخب الإسباني بنجاح برشلونة -وهو الأقرب بمنظوري إذا ما شاهدنا الكم الكبير لنجوم برشلونة في المنتخب الأول- ولربما أن تشافي اختار الوقت الصحيح لترك الفريق فيه، خصوصاً بعد تراجع أدائه ومعدله البدني عما كان عليه قبل خمسة أعوام، وتزامن ختام حضوره في بطولة الكأس المحلية برفعه الكأس في آخر لقاء ببطولة الكأس، ولقب الدوري بآخر لقاء شارك فيه في الدوري.. وقد فعلها وختم حضوره بالقميص الأزرق والأحمر بلقب خير الألقاب ليلة السبت الماضي، وتحقيقه لرابع كأس أوروبية على صعيد الأندية.

ومن الصُّدف أيضاً أن يترجّل نجم ليفربول الإنجليزي جيرارد من فريق طالما أعطى وقدم له الكثير وتغنى بحضوره الدائم والقيادي وتدرّج فيه خلال مراحله السنية مثله كمثل تشافي أسطورة برشلونة وآخرين عظماء. جيرارد والريدز قصة نادرة إتسمت بالوفاء في زمن أضحت المادة هي من تُحرك جُل أركانه، وتعصف بالنجوم من فريق يرتدي فانيلته صباحاً إلى فانيلة أخرى في المساء.. وهو حقٌّ مشروع طبعاً لا يمكن أن نعتبره من السلبيات، فالكرة أصبحت احترافا، واللعبة والأندية تقومان على المال والأعمال في كل شؤونها، وإلا لما وجدنا أسعار اللاعبين تنشئ مدناً بأكملها.. وهي مرشحة لأن يذهب التنافس المادي فيها إلى مستويات أكبر فأكبر. جيرارد كان وفياً لليفربول ورفض جلّ الأموال التي عُرضت عليه من أندية كانت ستضعه من أصحاب الملايين، إلا أن وفاءه كان له القدر الأكبر ولذلك اختار الطريق الآخر. جيرارد وليفربول، وتشافي وبرشلونة من خيرة اللاعبين في العالم ولربما أن الكرة الذهبية ظُلمت بعدم تتويجها بها يوماً، ولم تحظَ بشرف حملها من كفيهما.. حالهم كحال لاعبين كبار لم يكتب لهم التوفيق والفوز بها. ونحن بصفتنا مشجعين عاشقين لكرة القدم سنفتقد بعد اليوم في برشلونة وليفربول نجمين من طينة الكبار، إلا أن حال الكرة هكذا ودوام الحال من المُحال. ولكن بعد كل ما شاهدنا من مشاعر التكريم والوفاء لتشافي وجيرارد فهل سيُكتب لنا يوماً -محلياً حتى لا أبالغ- الحياة لنشهد تطور الكرة ليبقى أحد اللاعبين بوقتنا الحاضر بذات الألوان طيلة عقدين من الزمن؟! يبدو الأمر صعبًا للغاية.. لكن إطلاقاً ليس بمستحيل!

تعليق عبر الفيس بوك