زمن الثورة .. أزمةٌ وفرضية

هلال بن سالم الزيدي *

نجح الغرب في إشغال أذاهننا وتوجيه أنظارنا واهتمامات ولاة أمورنا وعدسات إعلامنا وأحبار مطابعهم التي نستخدمها ضد أنفسنا عن القضية الأساسية .. قضية القدس الممتدة مع الزمان والمكان، فمنذ سقوط بغداد في أبريل 2003 والأحداث العربية المصنوعة بأيادٍ غربية وتواطؤ عروبي تتزاحم واحدة تلو الأخرى، فبذلك السقوط قُدم "صدام حسين" قرباناً وأضحية تفجرت بعدها الطائفية ليكون العراق جريحًا منهكاً تنهشه القبلية والعشائرية والتحزبية وكل شيء، ولعله أوّل رئيس دولة في العهد الجديد يُشنق وسط تكبير وتهليل، وأنا لست بصدد تحليل ما قام به من أجل أو ضد العراق والعرب أجمع، ولكن كحدث أردت أن أتتبع الأحداث التي تحضرني وغيَّرت المشهد العربي، فالعراق لا زال يئن وفي كل يوم تتصاعد وتيرة أنينه، فقُسم ومزق.. بعدها تمددت الأحداث لندخل في منظومة الحراك الشعبي في المنطقة وسقوط بعض الأنظمة في شكلها ولكنها صارت بنفس المضمون السابق، وهي أزمات أو ربيع مفتعل كما يؤكد الكثير من الباحثين.

الربيع الذي بدأ في تونس لينتقل عبر خطة زمنية معدة مسبقًا اشتغل عليها الغرب (الصهاينة) ردحاً من الزمن لتتقمصها الأنظمة وبطريقة قوية لأنّها وضعتها نصب عينها حيث إنها لا حادت عنها أبداً.. فتوالى تساقط المسبحة في مصر وليبيا (التي شهدت قتل القذافي) ثم سوريا واليمن وجزء من الخليج، لتظل هذه المشاهد جاثمة على شريان الأمة، ومنها تنتهي وتذوب أو تعزل القضية الكبرى قضية فلسطين التي لم تأخذ حيزها في الإعلام العربي أو العالمي، نظرًا لتفجر الأحداث التي سيطرت وجعلت من فلسطين أطلالا نبكي عليها، على الرغم من تمدد الصهيانة في بناء المستوطنات والتنكيل بالفلسطينيين.. فالبروتكولات اليهودية ومن في زُمرتها لم تطلق ولا رصاصة واحدة تجاه العرب، إلا أنّها استطاعت أن تشعل فتيل البارود المخزن في سراديب الدول العربية وتهيج التسلح العسكري لديها لتستخدمه على أرضها، وكأن اليهود يتحكمون في مسرح للدمى يحركونه كيفما شاءوا لكن وفق تعليمات مُخرج فاهم لكيفية تحريك الخيوط على أبعادها المختلفة.

لا يلبث مشهد في الاختفاء حتى يظهر آخر، ولا تلبث المُسميات في ذوبانها ونسيانها حتى تأتيك من هي أشد قوة وبأسا، فبعد القاعدة يأتيك الدواعش بعقيدة الذبح في مقابل ذلك الضحية هو المواطن الذي قُطّعت أوصاله إلى أشلاء فلم يعرف إلى من ينتمي..؟ وفي ذات الوقت يظهر الحراك الشعبي أو ما يُسمى بالمقاومات القبلية التي تدافع لمجد القبيلة أو بمجملها لا تعرف لمن تقاتل وضد من؟.. لأن الحابل اختلط بالنابل.

"زمن الثورة .. الأزمات والفرضيات الأولى" للكاتب الفلسطيني سلامة كيله شخّص وحلل المشهد العربي المرتبك والمتباين والمتضاد في آن واحد بعد الحراك الشعبي وبعد الضحايا الذين أصبحوا أرقاماً تذكر فقط والتي ذهبت ضحية هذا الحراك بدم بارد ودون أية نتائج تذكر إلا أنها وكما أشرت سالفاً تغيير في الشكل مع بقاء نفس المضمون، مما جعل العديد من المحللين يصفون تلك الأحداث بأنها مؤامرة أو خطة رسمتها الصهيونية وينفذها العرب على ذواتهم، لكن وسموها عبر إعلام منكفء على هويته بأنها ثورات الربيع العربي، الذي أوجد جيلا مهمشا ووضعا مترديا في كافة جوانبه من حيث ارتفاع مؤشر الفقر والبطالة، وانطماس المؤسسات التعليمية والصحية التي كانت الهدف الأول في المواجهات العسكرية، لذلك سنخسر أجيالاً لا تبحث عن التعليم والمعرفة بقدر أنها تبحث عن أمان وفرار من ذبح هنا أو هناك أو دبابة أو مدفع أو برميل حارق.

شرارة البداية كانت في تونس الخضراء لتصبح جرداء في مشهدها العام ومن ثم ليبيا حيث شهدت انتقاماً كبيراً من قبل الثوار في قتل معمر القذافي، لتتحول ليبيا فيما بعد إلى مليشيات متصارعة أنهكت قوتها النفطية وقدراتها البشرية، ولا زالت في حيص بيص.. بعدها ذاقت مصر تجربة الثورة الشعبية وقدمت ضحايا كثيرين إلا أن النظام سقط وتبدل في شكله ليظل على نفس المنهجية السابقة وهذا مرورا بفترة الرئيس الشرعي الذي وصل إلى المحاكمة في أقل من 100 يوم حكم فيها مصر، فهل يكون ثالث رئيس يُعدم؟ والأيام تدور ليصل الربيع فيما بعد ويثبت أركانه في سوريا ولا زال الصراع محتدما ولا نعرف الحقيقة، إلا أننا نعلم أنّ النظام لا زال منذ أربع سنوات يقاوم ذلك التمدد المسمى بالدولة الإسلامية "داعش" الممتد من العراق وحتى سوريا، لتتغير الصورة في اليمن السعيد ليصبح اليمن الجريح الباكي، فرائحة البارود تجدها في كل مكان، ليستمر المخرج في تحريك الدمى حتى يصل بنا إلى تجربة جديدة وهي شن حرب شعواء على بعضنا البعض، تبنتها هذه المرة أنظمة قائمة يُراد لها النهاية، وأن تكون هي من يرسم خط نهايتها، وتمثل ذلك في عاصفة الحزم التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين لتعيش اليمن في صراع مستمر لا نعرف نهايته، وما هي أطرافه الحقيقية.. وعلى الرغم من ذلك فإننا متأكدون من أن الوطن العربي دخل في نفق لا نهاية له من تدني سبل العيش لأنها الحرب .. وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم .. وما لا نعلمه هو الكثير.

وعودة إلى "زمن الثورة .. الأزمات والفرضيات الأولى" فإن المؤلف يرى "وعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات، فما زلنا نعيش "لحظة الارتداد" وهي لحظة الندب والعويل، والخوف من الأصولي والرعب من التغيير، ومن ثم القبول بعودة "الاستقرار"، الاستقرار فقط. فقد مُسِخت الأحلام، وتطايرت الأوهام، وظهرت حدود الواقع التي لم يرد هؤلاء وعيها"، وبشكل عام فالأبعاد السياسية والاقتصادية المتردية تنذر بانفجار أكبر للشعوب على الرغم من تلك التحولات التي شهدتها المنطقة التي غيّرت مسار الثورات التي كانت وهما علينا فإن التغيير سيكون من جيل فقد كل حقوقه وأقلها التعليم، ويكون بشكل لم نعهده.

حقًا نجحوا في إشغالنا بأنفسنا لا بالقضية الأم.. "القضية الفلسطينية" فلا ندري ما يحدث في قطاع غزة أو في محيط القدس الشريف أو التهجير وهدم المنازل وقتل الفلسطينيين، وأكثر من هذا فإنّ الكيان الصهيوني يشرع في تغليظ العقوبة لمن رمى بحجره .. لأن كل الشعب الفلسطيني سلاحه حجره ضد الكيان الغاصب.. فهنيئاً لك أيتها الأنظمة.. جيوشك وعتادك لم توجه إلى هناك.. لأنها صنعت من أجل هنا.

همسة:

رائحة البارود تزكم الأنوف .. وأنهار الدماء تسيل .. والبوارج تشن أعتى الغارات.. فلا تُفرّق بين طفل أو شيخ أو امرأة أنهكهم قوت يومهم .. فهم عزّل .. إلا من فكر لا يستوعب ما هم فيه. .وإلى أي فئة ينتمون .. وهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.. ففاضت محبرة التاريخ بالقتل والذبح .. فأيُّ مجد هذا أيها العرب؟ اللهم لطفك بعبادك الذين لا حول لهم ولا قوة.

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك