7 ملاحظات على المدارس الخاصة

د. سيف بن ناصر المعمري

مرّ التعليم بمحطاتٍ كثيرةٍ خلال السنوات الماضية، وتمت مناقشة أوضاعه من قبل كثيرٍ من المجالس الحكومية، ورغم الآمال التي رافقت تلك النقاشات إلا أنّ الأيام أثبت صعوبة تحقيق الإصلاح التعليمي للعديد من الأسباب أهمها تنامي دور القطاع الخاص في مجال التعليم، حيث يتداخل رأس المال مع النفوذ الرسمي بشكل يُعيق تطبيق أية خطوات إصلاحية وتنظيمية تحقق الجودة في مجال التعليم، والمدارس الخاصة في عٌمان قطاع كبير ينمو بشكل كبير سواء من حيث عدد المدارس أو من حيث عدد الطلبة الملتحقين به، لدرجة أن الشارع الذي أقطن به فتحت به لوحده ثلاث مدارس خاصة في خلال سنتين، حيث رفعت لوحاتها على فلل صغيرة جدًا لتصبح مدارس، وما جرى في هذا الشارع يمكن أن يلاحظ في شوارع المنطقة الأخرى، لدرجة أنّ عدد المدارس التي فتحت في هذه المنطقة فقط كان ثلاثة أضعاف ما فتح من "سوبر ماركتات" وغيرها من المؤسسات التجارية الخدمية، مما يجعلنا نثير عشرات الأسئلة حول هذا النمو خاصة في مجال حيوي مثل التعليم، فهذه الأماكن ليست أماكن تجارية لكنها مؤسسات تعليمية لها العديد من الضوابط المرتبطة بالبرامج والبيئة التعليمية والكوادر التدريسية والتقويم، والرسوم الدراسية والأنشطة التعليمية، لكن هذا النمو يُثير العديد من الإشكاليات التي ربما لم تحظ حتى اليوم بالاهتمام الكافي سواء من حيث تطبيق التشريعات المنظمة لعمل هذه المؤسسات أو من حيث المحاسبة أو من حيث الجودة في المناهج أو من حيث الرسوم الدراسية التي تتزايد عامًا بعد آخر، مما يجعلنا أمام ملف لابد أن تتقلب صفحاته بشفافية من قبل جميع الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم التي توجد بها مديرية عامة للمدارس الخاصة تعنى بمختلف شؤون هذه المدارس من ترخيص، وبرامج، وإشراف سيما في ظل التوسع الكبير في قطاع المدارس الخاصة في السنوات الأخيرة في مختلف الفروع الأربعة في رياض الأطفال، وقطاع المدارس أحادية اللغة التي تدرس منهج وزارة التربية والتعليم، وقطاع المدارس ثنائية اللغة التي تدرس مادتي العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية مع إمكانية تدريسها مناهج عالمية، وقطاع المدارس العالمية التي تدرس مناهج عالمية مع التزامها إذا وجد بها طلبة عمانيين بتدريس التربية الإسلامية للصفوف من (1-12)، واللغة العربية والدراسات الاجتماعية (1-8)، حيث وصل عدد الطلبة كما تشير الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، إلى (89275) طالباً وطالبة في العام الدراسي (2013/2014)، وبلغ عدد المدارس (468) مدرسة بمختلف المراحل من رياض الأطفال حتى مرحلة التعليم ما بعد الأساسي وهو عدد كبير جدًا، يتواجد ما يقارب النصف منه في محافظة مسقط.

إنّ المدارس الخاصة تعمل وفق اللائحة التنظيمية للمدارس الخاصة الصادر في 5 مارس 2006 بموجب القرار الوزاري رقم (26/2006)، حيث نصت هذه اللائحة على تشكيل لجنة المدارس الخاصة التي يرأسها سعادة وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم والمناهج وهي تتكون من مدير عام المديرية العامة للتعليم، ومدير دائرة التخطيط والاحتياجات ومدير المديرة العامة للمدارس الخاصة، وممثل لكل من وزارة القوى العامة، وشرطة عمان السلطانية، وغرفة تجارة وصناعة عمان، وأصحاب المدارس، ومديريها، وبعض أولياء أمور الطلبة، هذه اللجنة تضطلع بمهام كبيرة جدًا حددتها اللائحة في عشر مهام لخصتها النقطة الأولى وهي متابعة تنفيذ السياسة العامة التي تضعها الوزارة للمدارس الخاصة والتي من ضمنها الموافقة على المناهج الدراسية والبرامج التعليمية واعتماد الرسوم المدرسية المقترحة من مالكي المدارس، واتخاذ قرارات بشأن مخالفات المدارس، وتصنيف المدارس الخاصة إلى فئات حسب مستوى الخدمات التعليمية التي تقدمها المدرسة، وهناك لجنة أخرى يشكلها الوزير لمعاينة مباني المدارس الخاصة، وتتضمن اللائحة عدة فصول هي: النظام والإشراف العام، وإجراءات وشروط الترخيص بإنشاء المدارس الخاصة، والمناهج والتقويم التربوي والنظام المدرسي، وشؤون الطلبة، والإدارة والهيئة التدريسية والوظائف الفنية المرتبطة بها، فما الواقع الذي يمر به قطاع المدارس الخاصة؟ وما الملاحظات التي يجب أن تأخذها هذه اللجنة بجدية واهتمام بالغين؟ هذا المقال يهدف إلى تقديم بعض المؤشرات التي تساعد على الإجابة على هاذين السؤالين.

إنّ الملاحظات التي تثار هنا وهناك حول المدارس الخاصة يمكن أن نضعها وفق مجالات اللائحة التنظيمية التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم في عام 2006م، لهذه المدارس ويمكن أن ألخصها في الآتي:

أولاً/ مخالفات مرتبطة بإجراءات وشروط الترخيص والتي تتعلق بوجود مبنى مدرسي مناسب لتحقيق العملية التعليمية سواء من حيث توافر التصميم الهندسي المناسب، أو من حيث توفر غرف تناسب عدد الصفوف التي تشتمل عليها المدرسة، أو من حيث توافر الساحات التي تتيح للطلبة الحركة والقيام بأنشطة مختلفة، بما يكفل تحقيق الشروط الصحية والتربوية، ولذا فإن إعطاء ترخيص لكثير من المدارس في فلل صغيرة قد لا يوفر هذه الاشتراطات مما يؤثر على عملية التعلم، ولابد من وقفة حقيقية لمثل هذه المدارس الصغيرة التي تفتح هنا وهناك في مبانٍ لا يمكن أن يطلق عليها اسم مدرسة.

ثانياً/ مخالفات مرتبطة بالمناهج التي تقدمها هذه المدارس وبالذات في ما يتعلق بتدريس التربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية واللغة العربية ويتمثل عدم الالتزام في ضوء دراستين للماجستير أشرفت عليهما في عدم توفير عدد كافٍ من المعلمين المتخصصين والمؤهلين لتدريس هذه المواد الدراسية وأيضاً عدم الالتزام بالنصاب الدراسي المخصص لها في المدارس الحكومية، وأحياناً يتم تدريسها في وقت الفسحة للطلبة العمانيين في المدارس العالمية، وبعض هذه المدارس،

ولا تتوقف المخالفات المرتبطة بالمناهج على ذلك الجانب بل تمتد إلى جوانب أخرى أكدت عليها اللائحة التنظيمية ومنها ضمان كثافة طلابية مناسبة في كل صف دراسي حفاظاً على الجودة التعلمية، وتوفير عدد معلمين مناسب ومؤهل لكن كثيراً من أولياء الأمور يشتكون من تجاوز هذه المدارس بما فيها المدارس العالمية التي تلجأ أحياناً إلى سد النقص بمدرسين غير متخصصين بما يؤثر على أداء الطلبة ويخل بحقوق أولياء الأمور والرسوم الكبيرة التي يدفعونها.

ثالثاً/ مخالفات مرتبطة بعدم إشراك أولياء الأمور، وخاصة في بعض المدارس العالمية على الرغم من أن المادة (30) تنص على ضرورة قيام المدرسة بتشكيل مجلس لأولياء أمور الطلبة يمارس مهامه وفقًا للاختصاصات المحددة في لائحة مجالس الآباء والأمهات التي تطبق على المدارس الحكومية أو وفق اختصاصات تضعها المدرسة وتعتمدها الوزارة، مما يجعل المدرسة تقصي أولياء الأمور الذين لهم حق في الإطلاع على إجراءاتها وبرامجها، وفي مناقشة أي إشكاليات تؤثر على سير دراسة أبنائهم.

رابعاً/ مخالفات مرتبطة بالإدارة والهيئة التدريسية والوظائف الفنية المرتبطة بها، وهناك كلام كثير يمكن أن يقال في التفاصيل التي تضمنتها اللائحة في هذا المجال سواء في ما يتعلق بتوافر نوعية الإدارة التي تشرف على هذه المدارس، أو بنوعية المؤهلات التي تشترط في من يقومون بالتدريس، أو بالتدريب الذي يقدم لهم، أو بالنصاب التدريسي، أو بتوافر العدد الكافي من الهيئة التدريسية أو الوظائف الفنية المساندة.

خامساً/ مخالفات مرتبطة بالرسوم الدراسية التي نصت اللائحة على قيام لجنة المدارس الخاصة باعتمادها في ضوء مقترحات مالكي المدارس، ولكن لم تحدد اللائحة ما الضوابط التي تحمي أولياء الأمور من عملية الرفع غير المنطقية ونسب الارتفاع السنوية التي ستوافق عليها الوزارة، وذكر أن الوزارة ستحاول تحديد دور النشر التي تعتمد هذه المدارس كتبها وتحديد أسعارها حتى لا تقوم هذه المدارس بعملية احتكار توريدها وتحديد سعرها وهذا ما تقوم به حاليًا بعض المدارس العالمية بعيدًا عن أيّ تدخل من قبل الوزارة لحماية حقوق أولياء الأمور الذين قرروا أن يدرس أبناؤهم في هذه المدارس.

سادساً/ مخالفات مرتبطة باستخدام المبنى المدرسي لأغراض أخرى غير الأغراض التدريسية التي شددت فيها المادة (29) بعدم جواز إقامة أية احتفالات أو أنشطة إلا بعد الترخيص فما بالكم بتحويل المبنى إلى سكن لبعض أعضاء الهيئة التدريسية والعمال، وهو ما وقفت عليه بنفسي في المنطقة التي أقطن فيها....حيث كنت أشاهد نتيجة لذلك ممارسات لا تليق بأن ترتبط بمبنى مدرسي، كما أنه من ناحية أخرى قد يؤدي سكن أعضاء الهيئة التدريسية داخل المدرسة إلى مخاطر أخلاقية على الطلبة.. وقد ذكر لي مصدر موثوق جداً إحدى القصص المؤلمة التي وقعت على طالبة نتيجة لذلك، لذا فما الإجراء الذي يمكن أن تقوم به اللجنة حيال مثل هذه التجاوزات؟.

سابعاً/ ملاحظات من أجل التصنيف حسب الجودة التعليمية إن الأصل في الخدمات الخاصة هو الجودة، وهذا ينطبق على الخدمات الاقتصادية الأخرى مثل مجال الفندقة وغيرها حيث تمنح نجوم حسب جودة الخدمة ونوعية المرافق التي تتوافر فيها، وهذه هي المهمة التاسعة الموكلة للجنة المدارس الخاصة، فهل لدينا مثل هذا التصنيف بعد تسع سنوات من صدور هذه اللائحة؟ هذا سؤال يتطلب إجابة واضحة سيما في هذا القطاع الذي يجب أن تتنافس مؤسساته في تجويد الخدمات التعليمية التي تقدمها.

إنّ الملاحظات السابقة هي مجرد خطوط عريضة لتفاصيل كثيرة مرتبطة بالتعليم الخاص، الذي يتنامى بسرعة في ظل تراجع جودة التعليم الحكومي، ولكن هل يمكن بالفعل أن يكون هو البديل المناسب في ظل وجود مثل هذه الإشكاليات التي يعاني منها؟، هل يستطيع أن يقدم تعليماً ذا جودة في ظل التركيز على الجانب الربحي؟ مثل هذه التساؤلات مهمة ونحن لا نزال نحاول ضبط شؤون التعليم وبالتالي يتطلب الأمر تقييما شفافا وواضحا لمختلف جوانب عمل هذا القطاع، وتتمثل أولويات المراجعة في مراجعة التشريع المتمثل في لائحة تنظيم المدارس الخاصة، ومراجعة البنية الإدارية من خلال إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على هذا القطاع بدلا من الاعتماد على مديرية عامة فقط من وجهة نظري لا تفي من حيث إمكاناتها بمتطلبات هذا القطاع، وعمل تصنيف سنوي لجودة هذه المدارس لاختيار المُناسب منها لأبنائهم، ولا أعرف هل كانت هذه الملاحظات حاضرة في الاجتماع الأخير للجنة المدارس الخاصة الذي عقد في الفترة القريبة الماضية والذي جاء في تغطيته الصحفية أنه ناقش التحديات التي تواجه المدارس الخاصة؟ نتطلع إلى بعض التفاصيل من اللجنة المعنية حول هذا الأمر.




saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك