محاكم وقضايا خاسرة..!!

مسعود الحمداني

مئات القضايا التي يرفعها مواطنون أو موظفون على مؤسسات حكوميّة في المحاكم الإدارية والمدنية، يكون المدّعى عليه فيها هو الحكومة، ممثلة في وزارة أو هيئة ما، وفي كثير منها تخسر الدولة آلاف الريالات كتعويضات للخصوم نتيجة لإهمال موظف أو سوء تقدير مسؤول أو خطأ في القرار، وينتهي الحال بأن تدفع المؤسسة من خزينة الدولة ثمن خُسارتها للقضيّة ولإصلاح ما أفسده موظفوها أيًا كانت مناصبهم.

والحالات كثيرة، والشواهد عديدة، والقضايا التي تخسرها المؤسسة الحكومية غير قليلة، ومنها قضايا موظفين يرفعونها ضدها أمام محكمة القضاء الإداري إمّا بسبب تعسف إداري، أو سوء تقدير، أو محاولة من بعض المسؤولين تطبيق قانونهم الخاص دون الرجوع إلى التشريعات المقننة للوظائف، وكثيرًا ما ربح المدّعون القضيّة، وكثيرًا ما قامت تلك المؤسسات بدفع أتعاب المحاماة والتعويضات وإلغاء ما ترتب على القرار الإداري، والخاسر الأكبر في كل الحالات هو خزينة هذه المؤسسات، وبالتالي خزينة الحكومة التي هي تتولى الدفع، ولذلك لا يكترث كثير من الموظفين ـ أيًا كانت مناصبهم ـ للأخطاء التي يرتكبونها، ولا تقدم بعض الدوائر القانونية ـ للأسف ـ المشورة والنصائح الأمينة والقاطعة للمسؤول، إما مجاملة له، أو تزيين الواقع أمامه، أو عدم فهمهم الصريح للنص القانوني، رغم وضوح النصوص المشرّعة لكثير من الأمور الإدارية.

هذا الحال ينطبق على وزارات خدمية، أو هيئات حكومية تدخل في خصومة خاسرة (مسبقًا) ضد مواطن متضرر من قرار، بسبب تعنت موظف، أو تفسير (مزاجي) وخاطئ للقانون، لذلك لا يعير ذلك الموظف اهتمامًا للمحكمة، لأنّه إن ربحها (استأسد)، وإن خسرها فلن يدفع شيئًا من جيبه، فهو في الحالتين بعيد عن المساءلة، ولو علم هذا الموظف أنّه سيتحمّل كلفة تصرفه، وأنّه سيدفع تكاليف المحكمة أو نسبة معينة من أتعابها، أو أنّه سيتعرّض لمساءلة إدارية لما أقدم على (الخطأ المتعمد) أحيانًا، ولفكّر مرات ومرات قبل أن يتخذ قرارًا ضد مواطن يعلم مسبقا أنّه غير صحيح.

قد يقول قائل إنّ القضية ترفع على الجهة الحكومية وليس على الموظف بصفته الشخصيّة، وهذا كلام فيه الكثير من المطاطية، لذا يجب أن نفرّق بين جانبين:

الأول: أنّ هناك قضايا (ملتبسة) على الجهة الرسمية لا بد من اللجوء معها إلى القضاء، ليفصل فيها، كونه الجهة المنوط بها إصدار الأحكام، وهنا يكون للموظف مبرر في اللجوء للمحكمة، لأنّه لا توجد سوابق لأحكام مماثلة لها نفس الظروف، وبالتالي لا تجب محاسبته لأنّه اجتهد في قرار أو وضعٍ يحتمل الصواب والخطأ.

الثاني: في المقابل هناك قضايا واضحة وسبق أن نظرتها المحاكم، ومعروف الحكم فيها سلفًا، ولها عشرات السوابق، والقرارات المنظمة لها واضحة وقاطعة، ورغم ذلك يصر مسؤولو الوزارات على خوضها، فتخسر المؤسسة ماديًا، وتضطر لدفع التعويضات للمتضرر من خزانتها، دون أن تحاسب المتسبب في ذلك، وهذه الفئة التي أعنيها في هذا المقال.

إن قرارا أو قانونا يتيح محاسبة أولئك الموظفين ـ أيا كانت مناصبهم ـ ممن يتسببون ( لسبب أو لآخر) بالضرر المادي والمعنوي بمؤسساتهم أصبح أمرًا مهمًا، لأنّه يضيّق الخناق على القرارات الارتجاليّة والتعسفيّة للمسؤولين في حق الموظفين ويقلل من (المزاجيّة) التي يتخذ فيها بعض موظفي الحكومة قرارات غير منصفة بحق موظفين آخرين، كما أنّ مثل هذا القانون سوف يمنع بشكل كبير هدر الأموال العامة في المحاكم على قضايا خاسرة دون حسيب أو رقيب.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك