المؤتمر السادس للفكر الأباضي يختتم أعماله بتجديد الدعوة لإحياء لنشر السلام والتسامح بين الشعوب

إشادة واسعة بمؤلفات السالمي في استقراء "صحيح" الدين وبذر "النبتة السليمة" للقيم

◄ وليد صالح: مسعى لوضع التراث الأباضي على قدم المساوة مع التراث التفسيري لعموم المسلمين-

◄ رضوان السيد: السلطنة انفردت برسالة التسامح وفهم جوهر التجديد الفقهي والإصلاح الديني-

◄ فرحات الجعبيري: العلامة الإمام بيوض إبراهيم أنموذج باقٍ لانعتاق الفكر الإباضي من قيود "الانغلاق"-

◄ سليمان الحسيني: التسامح والمودة والكرم سمات حفرت اسم السلطنة في ذاكرة الرحالة القدماء-

بطرسبرج - الرُّؤية-

اختتمَ المؤتمرُ السادس للفكر الأباضي "الفكر الإصلاحي للمدارس الفكرية الإسلامية في العصر الحديث"، أعماله، أمس -بمعهد الدراسات الشرقية بسانت بطرسبرج الروسية- بتسليط الضوء على صفات التسامح التي تسود الفكر الإباضي بين المدارس الفكرية الإسلامية الأخرى.. وجاء اختيار معهد المخطوطات والدراسات الشرقية للأكاديمية الروسية لاحتضان هذا المؤتمر باعتباره أحد المراكز المهمة في العالم الذي يحوي أعدادا كبيرة من المخطوطات الأباضية؛ حيث يعود بعضها لأكثر من 200 سنة، ولا تزال موجودة في مبنى مكتبته العامرة.

وشهدت فعاليات أمس استعراضا لعدد من أوراق العمل؛ حيث تناول البروفسور وليد أحمد صالح أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تورنتوا بكندا، "التفسير الأباضي وتاريخ التفسير الإسلامي"؛ حيث أشار إلى أنَّ التفسيريْن اللذين ألفهما القطب العلامة محمد أطفيش يُعتبران من أهم التفاسير الأباضية على الإطلاق، وأن البحث يسعى لوضع التراث الأباضي على قدم المساوة مع التراث التفسيري للمسلمين عامة. موضحا أن القطب من خلال هذين التفسيرين استطاع أن يضع الرؤية الأباضية والمنهج الأباضي التفسيري كدرب أساسي كباقي الدروب إلى القرآن. فكتاباه "هميان الزاد" و"تيسير التفسير" هما حلقتان مهمتان في مشروعه لتعريف المسلمين على التراث الأباضي والتفسير الأباضي للقرآن الكريم. ولكن القطب لا يقدم تفسيرا أباضيا فقط، بل تفسيرا إسلاميا شاملا قادرا على التحاور مع أي مسلم مهما كانت خلفيته الفكرية والعقائدية.

وأضاف: إنَّ القطب يجعل الأباضية من خلال هذين التفسيرين محاورا ومناقشا مساويا لباقي المذاهب الاسلامية من خلال جعل تفسيره مبنيا على أسس تأويلية أباضية واضحة المعالم؛ بحيث يستطيع أي مسلم أن يُدرك كنهها ويفهم قصدها لأنها كتبت بطريقة منفتحة على كل التراث التفسيري الإسلامي.. مؤكدا أنَّ هذين التفسيرين هما عمدتان أساسيتان في البنيان الفكري للقطب، وهما محوران لا يلغي أحدهما الآخر، بل يُكمل كلاهما الآخر، وهما جزء متكامل لمشروع حضاري نهضوي أباضي إسلامي موجه للمسلمين كافة بلغة تفهمها كل فرقة وتسطيع من خلالها أن ترى أنَّ الأباضية هي جزء من التراث الإسلامي العالمي.

التأليف الفقهي الأباضي

كما تطرَّق الباحث د.سليمان بن علي الشعيلي رئيس قسم العلوم الإسلامية بجامعة السلطان قابوس -في ورقته التي كانت بعنوان "تطور التأليف الفقهي الأباضي في عمان خلال القرن العشرين الى التحسينات في التأليف بصفة عامة وفي كتب الفقه بصفة خاصة، وجاءت في مقدمة وثلاثة مباحث.. المبحث الاول: مراعاة مستوى الناس في التأليف، والمبحث الثاني: التأليف التخصصي، والمبحث الثالث: منهجية التأليف الفقهي؛ حيث تحدثت الورقة في المبحث الأول أنَّ السالمي راعى مستويات الناس وقدراتهم على الفهم، فألف للمبتدئين كتابا سماه "تلقين الصبيان بما يلزم الإنسان" وقد نال هذا الكتاب قبولا لدى الناس حتى صار عمدة المتعلمين المبتدئين، كما أفاد غيرهم من باقي المستويات. ثم ألف للمستوى المتوسط جوهرَ النظام، وقصد أن يكون نظما (شعرا)؛ نظرا أن الناس في وقته عامة ولا يستطيعون القراءة، لكن لهم قدرات في الحفظ خاصة فيما يتعلق بالشعر.

وأضاف: إنَّ هذا الكتاب لقي قبولا واسعا من العلماء والمتعلمين على السواء، ويندر بألا يحفظ منه العمانيون شيئا حتى العامة منهم وكان الكتاب ولا يزال عمدة العمانيين في أحكام الفقه ومسائله. مشيرا إلى أن السالمي -رحمه الله- ألف كتابا آخر سماه "معارج الأمال" شرح فيه مدارج الكمال الذي نظم فيه كتاب مختصر الخصال للشيخ إبراهيم بن قيس الحضرمي تناول فيه مسائل الفقه وتفاصيلها بطريقة فريدة لم تكن عند العلماء المؤلفين في عمان قبله ولا يزال الكتاب حتى اليوم مصدرا مهما للأباضية بصفة عامة وللعمانيين بصفة خاصة في هذا الفن.

وأوضح في المبحث الثالث من هذه الورقة طريقة التأليف عند الإمام السالمي خاصة في كتابه المعارج؛ حيث قسم كتابه إلى أباب؛ كل باب يتعلق بكل الوسائل المتعلقة بالباب ثم فروعها والاستدلال عليها وتحرير هذه المسائل بطريقة سلسة سهلة كل مسألة تؤدي للتي تيهها بحيث يسهل على القارئ ومن أراد أن يرجع إلى مسألة معينة، وبهذا يمكن أن يُقال أنَّ السالمي باعث التجديد في التأليف في عمان في القرن العشرين.

التجديد الفقهي

وأكد البروفيسور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بيروت -في ورقته بعنوان: "النهضة العُمانية.. التجديد الفقهي والإصلاح الديني"- أنَّ بعضَ المثقفين والعاملين في مجالات الإصلاح التربوي والاجتماعي والسياسي والإعلام، في أواخر القرن التاسع عشر، وفي مصر وأسطنبول وبيروت وزنجبار والجزائر وتونس، بدأوا يُطلقون على نشاطاتهم مصطلح النهضة. وكانوا يقصدون بذلك الإقبال على مواجهة التحديات الناجمة عن الاستعمار الغربي، بتجاوُز أزمنة الركود والتقليد، وصنع المؤسسات الحديثة. ويمكن جمع المتغيرات التي كان هؤلاء الرواد يسعَون للقيام بها تحت ثلاثة عناوين: تجديد مشروع الدولة، والتجديد في فقه الدين، والتجديد في المجال الثقافي والفكري والتربوي. وبالطبع، وكما صار معروفاً؛ فإنّ التجديد في مشروع الدولة أو الشأن السياسي، بدأ قبل ذلك، أي في النصف الأول من القرن التاسع عشر. لكنْ سُرعان ما ظهر أنه كانت هناك حاجةٌ مُلِحةٌ للإصلاح التعليمي والتربوي، والتغيير الثقافي. كما كانت هناك حاجةٌ للتجديد الديني أو الإصلاح الديني. بيد أنه سُرعان ما ظهر أيضاً أنّ ملفَّ الإصلاح الديني شديد العُسْر لثلاثة أسباب: التقليد العريق لدى سائر أتباع المذاهب الإسلامية والذي ما كان معظم العلماء العاملين من ضمنه ومن ضمن آلياته على مدى قرون، مستعدين للتخلّي عنه. بحيث بدا أنّ أولئك الداعين للإصلاح والاجتهاد والتغيير في هذا المجال كأنما يريدون التلاؤم مع الاستعمار، وإضعاف المقاومة التي كان الوضع السائد يشكّلها أو يمثّلها وسط الهجمة الغربية. أما السبب الثاني لعُسْر الإصلاح الديني فيتمثل بأنّ الإصلاحيين ما كانوا يمتلكون الاستراتيجية الملائمة، إذا اكتفوا بالهجمة على التقليد والدعوة لفتح باب الاجتهاد. وما كان التقليد مستنداً إلى مصالح مستقرة وحسْب؛ بل كان قد صار في وعي الناس هو الدين نفسُه، بحيث بدا الهجوم على الصوفية مثلاً كأنه هجومٌ على الدين.

وأضاف: هذا فضلاً عن هالة القداسة التي كانت تحيط بالمذاهب الفقهية ومؤسِّسيها. وأما السبب الثالث، وهو أهمُّ الأسباب من وجهة نظري؛ فإنّ الفقهاء الإصلاحيين ما كانوا يملكون منهجاً للتغيير، باستثناء القول بتجاوُز التقاليد الفقهية والدينية إلى الكتاب والسنة مباشرةً، وفتح الباب على مصراعيه للاجتهاد استمداداً من الكتاب والسنة. لقد تطورت على مدى قرون مناهج وأساليب للاجتهاد الفقهي، وللاستنباط الفقهي، واشتهرت على مدى قرونٍ أيضاً الطريقةُ القياسية في الاجتهاد أو استنباط الأحكام. وفي القرن التاسع عشر، كان هذا المنهج الكلاسيكي العريق قد تجمَّد، وما بحث الإصلاحيون في إمكانيات فتحه أو تحريكه أو تجديده مثلاً، بل أرادوا الاستبدال به، عودةً للكتاب والسنة كأنهم يبدأون من جديد، دون أن يطوّروا طرائق وآليات أُخرى إلاّ إذا اعتبرنا انفتاحهم على مسألة مقاصد الشريعة منهجاً أو مَعْلَماً للفهم والتقدير لعلائق الدين بالواقع والذي حدث أنّ الحملات على التقليد على مدى خمسين عاماً زعزعتْه بالفعل.

وتابع بقوله: لكنّ الذين حلُّوا محلَّ التقليد كانوا هم السلفيين والإحيائيين القُدامى والجدد. فالإصلاحيون ما كانوا فئةً واحدة، بل فئتان رئيسيتان: السلفيون الجدد والتحديثيون. وعندما تصدّع التقليد صعد السلفيون، وصعدت التيارات الإحيائية العقَدية أيضاً، وهؤلاء صاروا خليطاً من أمزجةٍ مختلفة فيها الإصلاحي التحديثي، وفيها المعْنيون بالهوية، وفيها ذوو الاهتمامات القانونية. وهذه الأمزجة جميعاً يحدوها همٌّ واحدٌ هو استعادةُ الشرعية في الدين والمجتمع والدولة. وهذا الميل الإحيائي العَقَدي هو أَصْلُ ما صار يُعرفُ بالإسلام السياسي.

وأضاف: لقد شارك فقهاء ومفكرو وإعلاميون الأباضية في النهضة. بل ربما كان أحدهم (أبو نبهان الخروصي) هو الذي أعطاها هذا الاسم. وبالطبع فإنّ بيئاتهم تنوعت بتنوع حضور جماعاتهم بين الجزائر وشرق إفريقيا وعُمان. ويريد الأستاذ ويلكنسون أن يقسّم زمن النهضة الأباضية إلى قسمين. المرحلة الأولى (1750-1850)، وهي مرحلة نهوض سياسي وتجاري وانتشار، والمرحلة الثانية (1850-1930) وهي مرحلة صعود فكري وفقهي وانخراط في الأجواء العربية والإسلامية العامة المعادية للاستعمار. والأستاذ ويلكنسون يسمّي المرحلة الثانية هذه مرحلة الأباضية الجديدة، أو الـ neo- Ibadism، والتي تتميز بالتقارب الفكري والسياسي بين الأباضية والمذاهب الإسلامية الأخرى وانفتاح بعضها على بعض. إنَّ هذا التقارب فتح فضاءاتٍ في النشاط الصحفي، والنشر بالقاهرة، ومعالجة موضوعات متشابهة بطرائق متقاربة.

وتابع: وإذا كان هذا ديدنَ ممارسي النشاط الإعلامي والثقافي والسياسي في الصحف والمجلات؛ فإنّ العلماء مثل إطفيّش والسالمي تواصلوا أيضاً. ويخبرنا العلاّمة نور الدين السالمي، في "تحفة الأعيان" عن حجته إلى مكة، ولقائه بعلماء المذاهب السنية، وجلْبه كتب الفقه والأصول من هناك.

وأوضح أنَّ أهمَّ المؤلَّفات الفقهية الأباضية في مطالع القرن العشرين، أي زمن النهضة أو مرحلتها الثانية الأكثر ازدهاراً هي مؤلَّفات إطفيّش (شرح النيل) والعلاّمة السالمي الفقهية والأصولية وفتاويه. وفي ذلك الزمان، كان الإصلاحيون السنة التحديثيون والسلفيون يشنون هجومهم الأقوى على المذاهب الفقهية وتقاليدها. أمّا عالما الأباضية الكبيران؛ فإنهما أقبلا على ممارسة التأليف الفقهي بالطرائق التقليدية، بل وممارسة الاجتهاد بالطرائق التقليدية أيضاً. وما اقتصر الأمر على اطفيّش والسالمي، بل تناول ذلك أيضاً شيوخهما وزملاءهما وتلامذتهما. لقد أقبلوا على كتابة المتون في الفقه والأصول والعقائد نثراً وشعراً، كما أقبلواعلى شرحها، مكتشفين أو مستكشفين إمكانيات التقليد وفضائله. وهم عندما كانوا يفعلون ذلك، ما ترددوا في استخدام كل التراث الحديثي السني، وكل التراث الفقهي والأُصولي السني.

وأوضح: هذا في الوقت الذي كان فيه زعيم الإصلاح الإسلامي الشيخ محمد عبده يريد إخراج فقه المذاهب كلّه من الأزهر، ويعتبر شيوخ الأزهر بتقليديتهم خطراً على مستقبل الإسلام. ولكي لا أبقى في حيِّز العموميات أودُّ أن أتأمل "طلعة الشمس، شرح شمس الأصول للسالمي. موضحا ان المسألة الثالثة؛ المتعلقة بالحديث النبوي، والتراث الفقهي فإنه يستشهد بالصحاح الستة دونما حرجٍ أو تردد. في حين يُطيلُ في مباحث العلة في القياس، شأن الأًصوليين الآخرين. إنما اللافت أنه يمر على "المصالح المرسلة" مروراً سريعاً، دون أن ينسى الاستشهاد بآراء المثبتين والنافين، وقد استشهد السالمي بزُهاء الستمائة حديثٍ وأثر في مقارباته أما الاستشهاد بالفقهاء الآخرين فحدِّث ولا حرج. وهو يسلك في ذلك أحد مسلكين. إما أن يذكر المذاهب، وإما أن يذكر علماءَ أفراداً في شتى المذاهب. وفي ثلثي المسائل والحالات، فإنّ الشيخ يوافق على آراء المذاهب والأفراد بعد نقاش. أما الثلث الثالث فهو فيه مجتهدٌ مستقل. ويتميز الشيخ بذكْر مصادره بدقة، وهو يستحضر الموروث الفقهي الأباضي كلّه، ومعظم المتداوَل بين العلماء من تراث المذاهب الأُخرى بما في ذلك الزيدية.

وأضاف قائلا: يُطْلِعُنا هذا العرضُ الموجزُعلى حقيقة أنّ "النهضة" كانت حالةً أو دعوةً إسلاميةً عامة. وهي واجهت في مرحلتها الثانية التحدي الاستعماري العسكري والديني والثقافي، وتطورت وتغيرت استجابةً له. لقد واجهت سائر المجتمعات الإسلامية بطرائق متشابهة ظاهراً، لكنّ النتائج أو المآلات جاءت مختلفة. وأقصِدُ بالاختلاف مسألة التقليد الفقهي أو الاتجاه الرئيسي أو الـMain Stream؛ فبسبب الاستعمار والحداثة وقع التقليد الديني العَقَدي والفقهي لدى السنة والشيعة تحت ضغوطٍ شديدةٍ فحصلت فيه تصدعاتٌ أدَّت في النصف الثاني من القرن العشرين إلى انزياحه بقوةٍ عن ساحات وبيئات الاعتبار والحجية لدى الجمهور. فقد تراجع اعتبار المذاهب الفقهية السنية، وظهرت من خلال تشققات التقليد الأصوليات الجهادية والسياسية. أما لدى الشيعة فقد تراجع تيار اعتزال النظام السياسي والمسالمة والتقية لصالح الإمامة وولاية الفقيه الجديد أو حجيته المطلقة.

وأبان بقوله: أمّا لدى الأباضية؛ فإنّ النهضة شهدت انفتاحاً للتقليد اتسم بالتواصُل والتلاؤم، واستخدام علم الأُصول الكلاسيكي في الاجتهاد بطرائق ناجعة. وهكذا فإنّ المذهب ما شهد حتى مطالع القرن الحادي والعشرين تصدُّعاً في التقليد واستمراريته، ولا في العلاقات بين المفتي والجمهور. وتساءل: لماذا اختلف الأمر لدى الأباضية في القرن العشرين؟ هناك عدة أساب: أولها: أنّ التقاليد الفقهية الأباضية كانت أوسع وأكثر رحابة، وأكثر إصغاءً على مدى التاريخ لدعوات وضرورات التجدد والانفتاح. وثانيها أنّ الجماعة الأباضية ظهرت في أوساطها الدولة منذ زمنٍ مبكّرٍ، فبقيت فكرة الدولة باعتبارها حاكماً وضابطاً قوياً.

الشيخ العلامة بيوض إبراهيم

في ورقة للدكتور فرحات الجعبيري بعنوان "الشيخ بيوض كما عرفته"، عرَّف من خلالها بشخصية الشيخ بيوض إبراهيم -رحمه الله- بأنه الأستاذ والإمام، وأنه المجتهد المصلح الذي عاش بين القرن 19 والقرن 20.

وأشار إلى أنَّ هذا الرجل إنما هو رجل المرحلة، رجل العصر. ذلك أنه صرع أهل الجمود والانغلاق وسمى تياره "تيار الاصلاح"، حيث كان همه أن يتحول بالمجتمع الأباضي في وادي ميزاب وحيثما كان والمجتمع الاسلامي عامة من دائرة الانحطاط والانغلاق الى دائرة التفتح والتماهي مع الحياة المعاصرة دون إخضاع النص للواقع وانما لاخضاع هذا الواقع للنص وجعله يواكب أو يتماشى ويتماهى مع النص الكريم الوحي المعجز ووحي سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلــم- ومن سنة نبوية شريفة.

ثم أشار إلى مواقف الشيخ بيوض الاصلاحية في الجانب السياسي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي، مشيدا بما كان يتمتع به الشيخ بيوض رحمه الله تعالى من ميزات أهلته بأن يكون من شيوخ الاصلاح في عصرنا الحديث الذي لم يدرس بجامعة وانما توقف عن الدراسة في 22 من عمره.

جزيرة جربة

وفي ورقة قدمها الباحث نادر جومبياز حول "العالم الأباضي" أبو سليمان داود بن إبراهيم التلاتي"، عرف من خلالها بجزيرة جربة وإسلامها مع الصحابي رويفع بن ثابت الانصاري سنة 47 للهجرة ودخولها بعد ذلك في الدائرة الأباضية بداية الدولة الرستمية الى الآن. وعرف بواحد من شيوخها البارزين "الشيخ ابي سليمان داود التلاتي" شهيد 967 هجري وذكر نشأته العلمية ورحلته في هذا الشأن بين جربة ونفوسة ووادي ميزاب وبعد سنوات التعلم تحمل مسؤولية رئاسة مجلس العزابة طيلة خمس سنوات واكب فيها الصراع الجربي الأباضي ضد الدولة العثمانية بقائدها برغوث باشا وانتهى الصراع بإعدام الشيخ ابي سليمان على يد برغوث باشا.

ثم تطرق إلى نتاجه الفكري الذي يتمثل في مراسلة مع شيخه ابي مهدي من نفوسه وشرح كتاب عقيدة التوحيد وبيّن قيمة هذا الشرح وقيمة هذا النص العقدي وهو من مكتوب في اصله باللغة الامازيغية في القرن الثالث للهجرة وترجمه الشيخ عمر بن جميع في القرن السادس الى اللغة العربية وشرحه الشيخ الشماخي المتوفى 928 هجري ثم اعاد شرح الشيخ التلاتي ثم شرح مرة اخرى واهمها شرح الامام اطفيش المتوفى 1914 ميلادي.

أما الباحث هارون بلديز فقد قدم بحثا حول "الأباضية في دراسات علي بن يحيى بن معمر" وجاء مختصرا ملما لخص تلخيصا كافيا حياة الشيخ علي بن يحيى بن معمر وانتاجه الفكري الغزير فهو الرجل المنافح عن الأباضية بقلم سيّال وبلغة راقية وبعقل ثاقب يدعو الى الاعتزاز بالنفس واحترام الآخر والتعايش معه والتعارف.

ثم ذكر عن حياة الشيخ حيث كانت بين جبل نفوسة نالوت وغيرها وجزيرة جربة وتونس العاصمة ووادي ميزاب خاصة القرارة. ثم عرج الى مؤلفاته التي مسحت الفكر الأباضي عامة بسيره وعقيدته واصوله وفقهه مع لمسات معاصرة طريفة؛ ففي كتابه "الأباضية في موكب التاريخ" جمع في مجلد واحد تابع سير الأباضية في مرحلة النشأة مع الائمة الأول"جابر، ابي عبيدة، الربيع ومن لفّ لفهم" ثم عرف حياة الأباضية في جبل نفوسة في ليبيا، والعلماء والحياة السياسية والاجتماعية زمن امامة الرستميين وبعدها الى يومنا ولم يغفل عن جغرافيتها وعمرانها وكذلك فعل مع الأباضية في تونس والأباضية في الجزائر ولم يغفل بكل ذلك عما للمرأة الأباضية من شأن في المجتمع.

وفي كتابه "الأباضية بين الفرق الاسلامية"، ناقش ما جاء في كتب الفرق من تهجم على الأباضية وبيّن بالدليل الصواب في ذلك ووضح العقيدة الأباضية في رسالة سماها "سمر أسرة مسلمة" عالج فيها ثلاثين بابا من ابواب العقيدة بأسلوب حواري في كنف اسرة مسلمة مع مؤلفات أخرى ونشاط اوسع في المسرح والشعر والمقال الصحافي والمقالات في المجلات والارشاد التربوي بصورة رسمية في وزارة التربية والتعليم في ليبيا.

التسامح وكرم الضيافة

كما قدم الدكتور سليمان بن سالم الحسيني، باحث متفرغ بمركز الخليل بن أحمد الفراهيدي، جامعة نزوى ورقة بحثية بعنوان "التسامح والمودة وكرم الضيافة التي لقيها الرحالة الأوربيون والأمريكان الذين زاروا عمان في القرنيين التاسع عشر والعشرون" ركز فيها على ما كتبه الرحالة والمواطنين الأوربيين والأمريكان الذي زاروا عمان وأقاموا فيها من أجل العمل وتركيزهم على سمات الكرم وحسن لضيافة والتسامح الديني والثقافي الذي لمسوه من قبل المجتمع العماني. مشيرا الى الرحالة البريطاني فلكس هيج كان قد وصل عمان في 1887 وقام بجولة في مسقط ومطرح التقى بها بالسلطان الذي رحب به في عمان. وتحدث هيج إلى الناس وتعرف منهم على المستوى التعليمي والثقافي والديني في البلد. وبعد ذلك قام هيج بجولة بواسطة الجمال إلى مدينة سمائل حيث أقام بها عدة أيام والتقى فيها أعيان البلد والمواطنين. وقد ذكر هيج في التقرير المطول الذي كتبه عن زيارته إلى عمان ونشر في وسائل الإعلام بأوربا والولايات المتحدة الأمريكية أن العمانيين من أعرق الشعوب العربية، وأنهم متمسكون بدينهم الإسلامي إلا أن ذلك لم يمنعهم من التسامح مع أصحاب الديانات الأخرى والإطلاع على ما لدى الغير من معارف وكتب.

وذكر بأنَّ لقاءه مع أعيان سمائل وعلمائها تتطرق إلى مناقشة المواضيع الدينية ولم يتمنع أؤلئك الناس من إعطائه الفرصة ليتحدث عن المسيحية ويقراء أمامهم من الإنجيل. كما أنه هيج كتب عن المستوى التعليمي في البلد، وذكر أنَّ المدارس منتشرة حيث يتعلم الأطفال القرآن ومبادئ القراءة والكتابة. كما أنَّ مصاحف القرآن الكريم التي تستورد من الهند منتشرة في عمان وتباع بسعر رخيص، وقد ذكر أنَّ كلَّ رجل يستطيع القراءة لديه مصحف.

وبعد ذلك، تطرق الباحث إلى الزيارة التي قام بها البريطاني فالبي فرنش إلى مسقط واستمرت بضعة أشهر. وقد كتب فرنش عن التسامح الذي وجده من قبل العمانيين في مسقط. فقد أتيحت له زيارة المساجد والإجتماع فيها بالعلماء الذين كانوا يقيمون حلقات العلم، وناقشهم في عدد من المواضيع الدينية بالرغم من أهم يعرفون أنه ليس مسلما وأنهم متحمس إلى دينه الذي ينتمي إليه. إضافة إلى ذلك فإن فرنش قد ذكر أن جولاته في مسقط ومطرح اتاحت له الالتقاء بالناس ودعوته للتناول القهوة والحديث معهم في بيوتهم. وقد ذكر فرنش أنه لم يواجه خلال إقامته في مسقط بأي نوع من الإضطهاد بسبب دينه أو انتمائه الثقافي والعرقي.

ومن الشخصيات الذي ذكرها الباحث في محاضرته الطبيب الأمريكي بول هريسون الذي عاش في عمان بين 1928-1938 وتمكن من التجول في معظم ربوع عمان وعالج فيها المرضى وتحدث إليهم وناقشهم في الكثير من المواضيع. وقد ذكر الطبيب هاريسون "أن عمان أرض التسامح والكرم". وذكر أنه في عمان دخل هو وزملائه إلى بيوت الفقراء والميسورين وتناول القهوة والشاي مع الغني في بيته ومع الفقير في كوخه. فلم يتمنع العمانيون بسبب دينهم أو عرقهم من ضيافته وتكريمه وحمايته.

كما ذكر الباحث أن الطبيبة سارة هوسمون وزميلتها فاني لتون قد تحدثنا عن خلق المرآة العمانية، وما كن يلقينه أثناء جولاتهن في مسقط أو خارجها من قبل العمانيات من ترحيب وكرم ضيافة. كما ذكرن أن العمانيات الآتي يزرن مستشفى الإرسالية في مسقط كن مهذبات ويتعاملن معهم باحترام وتقدير.

وتطرق الباحث إلى الزيارات التي قام بها الطبيب الأمريكي ولز توماس إلى نزوى في 1940 و 1944 والتقى فيها بالإمام محمد بن عبدالله الخليلي. وقد ذكر الطبيب ولز أن تلك اللقاءات أتاحت له التعرف عن كثب على التوجه الديني المعتدل والمتسامح الذي كان ينتهجه الإمام مع المواطنين ومع الأوربيين. فقد ذكر أن الإمام ناقش الطبيب في معتقده الديني ولما قال له الطبيب أننا نعبد الرب الخالق الواحد قال له الإمام انتم أهل الكتاب ولكم الأمان في بلدنا وحرية التنقل. وقد قال الطبيب ولز تومس في تقرير كتبه عن ذلك اللقاء "لقد كان هذا اللقاء بداية معرفة طويلة وسعيدة بهذا القائد الروحي المسلم غير العادي الذي عاش حياة بسيطة للغاية".

وقدمت الباحثة ماندانا ليمبرت بحثا بعنوان "الأسرة في شمال إفريقيا" هدفت الى توثيق تطور مؤسسة الزواج مع بداية القرن العشرين في زنجبار والتي كانت حينها محمية بريطانية. وقدمت مقارنة مقارنة مع ما تم من تحديث في عمان خلال الاربعين سنة الاخيرة من عصر النهضة والانتقال الى عالم ومفهوم المواطنة. ومع دخول المؤسسة التبشيرية في زنجبار في بداية القرن العشرين والتي طالبت بتنظيم علاقة الزواج بين المسيحيين والمسلمين وغيرها من اثنيات و اديان في شرق افريقيا ومن هنا عملت الادارة البريطانية على تنيم عقود الزواج بين مختلف الاديان والعرقيات المتعايشة هناك في زنجبار.

وتضيف: وفي مرحلة ما بعد الاستعمار كان من الواجب على الدولة الوطنية ان تعي ترتيب الامور بما يتماشى مع مفهوم المواطنة و التحديث.

تعليق عبر الفيس بوك