"الفيفا".. أسطورة الجيش الذي لا يُهزم

المعتصم البوسعيدي

أسطورة الجيش الذي لا يُهزم هي قصة تواردت عبر حقب تاريخية كثيرة صنعتها الأعمال والأوهام على حد سواء، على أن الجيش يتمثل أحيانًا في شخوص بعينها أكانت تلك الشخوص ملوك وسلاطين أو قادة وفرسان، حتى من حضارتنا الإسلامية وقع هذا الأمر تحت ألفاظ ربما هي بعيدة عن معنى الأسطورة لكنني ـ على مضض ـ أقول أنها أشبه بالأسطورة رغم حقيقتها وليس بغريب أن أستحضر الفارس الذي قيل عنه يومًا "لا يهزم جيش فيه مثل هذا" "القعقاع بن عمرو" قائد الكتيبة الخرساء وبطل المشاهد العظيمة في القادسية واليرموك والمدائن، لكن الأمر حينما يتجلى في أسطورة فإن "السيف أصدق أنباء من الكُتبِ" وقد رأينا في حاضرنا القريب كيف سقطت أسطورة الجيش الإسرائيلي الموصوف أيضًا بالجيش الذي لا يُقهر والمدعوم من بلد "العم سام" وبإمكانياتها المعروفة إضافة للمصنوعة في اعلام قدم لنا بضاعة ـ للأسف الشديد كنا ولا زلنا ـ نشتريها ثم نصدرها لأجيالنا جيل بعد جيل هي "هم" في السماء "ونحن" في الأرض.

الفيفا هذه المنظمة الهائلة بكمها وكيفها والتي تتعدى كل منظمات العالم في سطوتها المالية والجماهيرية ولعبة "التحكم" في منظومة العمل داخل بلدان العالم على المستوى الكروي إن لم يكن أبعد من ذلك، كانت وقبل أيام تتحدث عن العجوز "بلاتر" الأسطورة التي لا تُهزم ولا يمكن الوقوف أمامه حتى أن الجميع يستشهد "بأبن همام" الرجل القوي والصديق المقرب للسويسري الذي أصبح بعد ذلك "عدوًا فاسدًا" حينما قرر مجابهته، فطارت الرؤوس بعدما أينعت وقُطفت الثمار قبل أوانها وصار أبن همام إلى ما صار عليه "منسيًا" في زمان كان يتغنى بأمجاده.

عند الحديث الجميل عن كرة القدم يحلو لنا الحديث عن الرياضة التي تصلح ما تفسده السياسة، لكن في اجتماعات كونجرس الفيفا وانتخاباته الأخيرة "انقلبت" المعادلة وظهرت أقطاب الحراك السياسي العالمي أمريكا وروسيا، هذه الأخيرة التي عرَّضت بتدخل أمريكا في الانتخابات بكشفها للفساد والمفسدين ووصفته "بتجاوز الحدود" في ظل وجود ملف كأس العالم بروسيا 2018 كملف متهم بجانب الملف القطري 2022 وقبلهما مونديال جنوب أفريقيا الذي أوضحت فيه وزارة العدل الأمريكية حصول مسؤول كبير في الفيفا على رشوة من الحكومة الجنوب أفريقية نظير توفير أصوات داعمة لإقامة المونديال في أرض "البافانا بافانا" فيما أظهرت أوروبا شرفها الداعي لاحترام روح الرياضة وطالبت "الأسطورة" بالتنحي وإعطاء دفقة جديدة للإصلاح ووقعت آسيا وأفريقيا كمؤثرين بأصواتهم من جهة وكتابعين ضمن نطاق التحالفات من جهة أخرى، خصوصًا العرب الذين تباينت مواقفهم مع الأمير علي بن الحسين، وأحمد الله ان الموقف العُماني كان واضحًا من البداية وأتبع نهج شفاف ربما ـ وأقول ربما ـ هو من أفقده مقعده في آسيا والفيفا.

بعد انسحاب الأمير علي قبل عملية الفرز الثاني للتصويت وترسيخ الأسطورة مكانته الأشبه بالجيش الذي لا يُهزم، ترددت أنباء وتوقعات على أنه سيقدم استقالته وهو ما حدث بالضبط فاتحًا المجال للتأويل حول وجود "مؤامرة" أو لعبة مرسومة من البداية أبطالها سيظهرون تواليًا، فيما علق البعض على إنها انتصار لروح النزاهة والإصلاح التي طالما رددها "بلاتر" بل واختتم بها حديثه عند الاستقالة: "الفيفا يحتاج إلى إصلاح عميق، في الوقت الذي أمتلك فيه تفويضا من عضوية الفيفا، لا أعتقد أن لدي تفويض من مجتمع كرة القدم أجمع، الجماهير، اللاعبين، الأندية، الأشخاص الذي يعيشون ويتنفسون ويعشقون كرة القدم، مثلنا تماما في الفيفا، بالتالي قررت التنحي عن ولايتي" نعم هو لم يُهزم فعليًا لكن الأحداث قبل ذلك تظهر مقدار سقوطه خاصة الصوت الإنجليزي الذي أكد على أنه سيستقيل علاوة على لغة المطالبة برحيله كجزء أصيل في ما آل إليه أمر الفيفا، فأهتز كرسي الرئاسة بعد سطوة سنوات وبات مستقبل منظومة كرة القدم تحت رحمة قارئي الفنجان، لكنه التاريخ الذي يعلمنا "يا خبر اليوم بفلوس، بكره ببلاش" بل أن خبر "الفلوس" ليس بالضرورة هو الخبر الصادق.

في خضم هذه الأحداث يجب على العرب تحديث بوصلتهم والتحلي بالشجاعة، وأعتقد ان التحالفات الآن باتت معروفة وستزداد خلال الأيام القادمة "حجرات الطبخ" ولن تنحسر لعبة المصالح إلا بمواقف واضحة ومعلنة، يجب علينا أن ندرك أنه لا وجود لجيش لا يُهزم او أسطورة لا تشملها رياح التغيير، لنستحضر التاريخ مرة أخرى ونعيد كتابة مواقفنا، فالنعمان أبن المنذر قُتل بكبرياء بعدما كان ذليل لكسرى الذي سقط جيشه وسقط قائده الهامرز وحلفائهم العرب في يوم "ذي قار" على حد السيف العربي "المنحني" إذ انحنت له الرقاب حينما قادته صلابة الموقف وعدم الرضوخ، وقد صدق هانئ بن مسعود قائد العرب في ذلك اليوم المشهود: "يا قوم مُهلك معذور خير من نجاء معرور، وإن الحذر لا يدفع القدر وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية واستقبال الموت خير من استدباره والطعن في الثغر خير وأكرم من الطعن في الدبر"

تعليق عبر الفيس بوك