هل ينجح "بيت المستقبل" حيث تعثر الآخرون؟

عبيدلي العبيدلي

في مستهل كلمته التي أعلن فيها إعادة الحياة إلى "بيت المستقبل"، أكد الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل على أن "حراك (بيت المستقبل) الفكري يهدف إلى كسر زمن الرتابة في العالم العربي الذي بات في نفق الصراعات، التي زعزعت أنظمة، وأزالت حدودًا وأدمت قلوبًا".

ودشن "بيت المستقبل" فعالياته بمؤتمر "مشروع مارشال العربي، شراكة وتعاون من أجل مستقبل أفضل للشرق الأوسط"، الذي عقد يوم السبت الموافق 30 مايو بالتعاون مع "مؤسسة كونراد آديناور" الألمانية في سرايا بكفيا. شارك في المؤتمر نخب شملت نوابا وسفراء وأكاديميين وباحثين من لبنان والخارج. بهذا الفعالية المميزة يستعيد "بيت المستقبل" كما يقول عن نفسه "موقعه الذي انطلق منه في أواسط السبعينات، فكان طليعةَ مراكز الدراسات والأبحاث في لبنان والشرق الأوسط وقِــبلةَ الــنُــخبِ وأهلِ الحوار. فيه وجدوا مساحة حوار تخطت خطوط التماس، فالتقى كل الأطراف بعيداً عن لغة السلاح من أجل الوفاق اللبناني". ومن أبرز التوصيات التي خرج بها المؤتمر، الذي لم يستغرق أكثر من يوم واحد، كان "العمل وبشكل ملحّ على وقف اراقة الدماء وانقاذ المدنيين، وانهاء ظاهرة التكفير والاصولية، والعمل على تنقية أنظمة الحكم من الشوائب وتأمين انتقالها من حوكمة هالكة الى حوكمة صالحة قائمة على الديموقراطية، وضمان الحريات واحترام التعددية. ومن شأن هذه البيئة ان تشكل عامل جذب للنخب وتحملها الى العودة الى أوطانها والمساهمة في البناء السياسي والاقتصادي".

تفاوتت موضوعات النقاش بين الاقتصادي المحض والجيو-سياسي، دون إغفال القضايا الاجتماعية، وجاءت كلمة الجميل مشخصة الوضع العربي العام حين أشار إلى أن "لبنان والمنطقة يحملان نوعين من المتفجرات، أولهما السلاح خارج الشرعية والخارج عن الشرعية، وهو في كل الأحوال سلاح فتاك ضد كل الشرعية، وذو طابع فئوي أو طائفي أو مذهبي، وهنا الإشكالية الأولى التي تزيد من ضراوة القتال والاقتتال، وثانيهما المواجهة الطائفية، المذهبية، الإثنية المدمرة في المنطقة والتي ترخي بتداعياتها على الداخل". ثم عرج، استنادا إلى لك على التربية بوصف كونها "السبيل الى الحوكمة الصالحة".

وطالما كان عنوان المؤتمر منطلقا من مشروع "مارشال عربي"، فقد خصصت الجلسة الأولى للحديث عن التجربة الألمانية التي تحدث عن تفاصيلها رئيس الوزراء السابق لمقاطعة بافاريا غونتر بكشتاين "حول مشروع مارشال واقتصاد السوق الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية".

أما الجلسة الثانية التي حملت عنوان " ما بعد الاضطرابات: هل من وضوح في الرؤية للمنطقة؟" وترأسها مدير برنامج الشرق الوسط والمتوسط في مركز توليدو في مدريد جون بل. كان أول المتحدثين في هذه الجلسة رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر، وكانت مداخلته بعنوان " ما بعد الاضطرابات: هل من وضوح في الرؤية للمنطقة؟ تلاه مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون العامة السابق فيليب ج. كروالي، بورقة حملت عنوان "من أوسلو إلى داعش إلى إيران: تنافس السياسات والخطاب الأميركي تجاه الشرق الأوسط". وكان آخر المتحدثين في تلك الجلسة الشريك الإداري لمؤسسة ستيت فاريوس وهي مؤسسة استشارية عالمية لوضع الاستراتيجيات س. إندرز وينبوش، وحملت عنوان "نحو شراكة عالمية من أجل الشرق الأوسط: مناقشة جيواستراتيجية مقارنة".

وكما بدا من الحوارات، فقد هدف "بيت المستقبل"، إلى إطلاق مبادرة عربية شبيهة من حيث الجوهر بمشروع مارشال العالمي وهو المشروع الاقتصادي الذي وضعه رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 ، الجنرال جورج مارشال لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب للإشراف على إنفاق حوالى 13 مليار دولار أميركي "للمساهمة في إعادة اعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الاوربية". وكان جوهر ذلك المشروع محاربة الشيوعية التي كانت ستستفيد مما "ترتب على الحرب العالمية الثانية من تدمير للاقتصاد الاوربي وانهياره وكساده إلى حداً كبير وعميق مما ادى إلى انتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، مما خلق تربة خصبة لانتشار الشيوعية". وللتذكير فقط، ينبغي التأكيد على مشروع مارشال الأمريكي لم يكن مجرد رصد أموال دون وضع قيود صارمة في مقدمتها ضرورة نيل "موافقة الدول المستفيدة منه، على الاجتماع لتقرر ما تحتاج إليه، ناهيك عن طرق واضحة تحدد كيفية إنفاق أموال تلك المساعدة". ويأتي مؤتمر "بيت المستقبل" في سياق محاولات عربية متكررة هدفت جميعها لطرح مشروع مارشال عربي، لعل الأبرز من بينها لك الذي عقد في مارس 2015 في شرم الشيخ والذي تجاوزت الاستثمارات التي أفصح مئات المليارات من الدولارات. لكن ربما ما يميز مشروع مارشال الذي يبشر به "بيت المستقبل"، هو تلك الشراكة الدولية العضوية التي بوسعها الاستفادة من الخبرة العالمية في مجال المشروعات الاقتصادية/ الاستثمارية ذات الخلفية السياسية، من أجل المزاوجة بين الأهداف السياسية، والمال الموجه من أجل التأثير.

فما لا شك فيه أن المنطقة العربية باتت اليوم من أكثر المناطق العالمية التي بحاجة لمشروعات اقتصادية قادرة ليس على انتشالها من أزمتها الاقتصادية فحسب، بل لوضع حد لتدهور السياسي الذي باتت تعاني منه، والمنذر بتمزق اجتماعي سوف تصعب معالجته عند وصوله إلى مراحل متأخرة من انتشاره. فهل ينجح "بيت المستقبل" حيث تعثر الآخرون؟ فيكسر زمن الرتابة، ويخرج المنطقة العربية من نفق الصراعات التي باتت تهزها من الجذور، مستفيدا في ذلك من دور لينان المميز في طرح مشروعات ريادية عربية، لم تغيبه عنها سوى الحرب الأهلية التي مزقت أشلائه، أنهكت قواه، وحرمته من مبادراته الريادية.

تعليق عبر الفيس بوك