متى نستثمر سياستنا الخارجية!؟

علي بن مسعود المعشني

لاشك أنّ سياستنا الخارجية في السلطنة ومنذ بزوغ فجر النهضة المباركة بالتحديد تُشكل ظاهرة عربية معاصرة حميدة، ومدرسة مُتفردة في عالم يموج بالأحداث والاستقطابات الحادة، وفي إقليم جغرافي يُمثل صلب الأحداث ومحور صراع النفوذ العالمي ومسرح معارك لعبة الأمم منذ أكثر من ستة عقود من الزمان، وجاذب لأطماع الكبار عبر التاريخ .

ولاشك كذلك أنّ الزاد الحضاري والتاريخي للسلطنة كان لهما الحضور الكبير في رسم معالم وملامح وركائز هذه السياسة الحيوية الهادئة، والتي أقل ما يمكن أن توصف به هو نظرية سياسة "صفر مشاكل" على الصُعد الإقليمية والدولية.

"مشكلتنا" في السلطنة - إن جازت الكلمة - أننا زاهدون جدًا في الحديث عن أنفسنا، حتى من باب التوصيف والتعريف المحمود، ومحجمون أكثر في التسويق لأنفسنا وسياساتنا لدى الآخرين، وهذا الزهد والإحجام شجع البعض على انتحال صفاتنا بل والسطو على طباعنا وخصائصنا اللازبة فينا.

ما يهمنا اليوم وبعد 45 عامًا من السطوع اللافت في سماء السياسة على المستويين الإقليمي والدولي، هو أن نتساءل: عن مدى استثمارنا لهذه السياسة النيرة لخدمة عُمان على مختلف الصُعد، طالما ليس في السياسة شيء لوجه الله، ولا حتى في الحياة نفسها فلولا الخبز ما عُبد الله كما يُقال، ولولا طلب المغفرة ورجاء الثواب ما صلى العبد ولا امتثل للشعائر والطاعات .

الحقيقة أن سياستنا الخارجية أصبحت كتاريخنا العُماني عبئًا علينا ومؤرقاً لنا نحن العُمانيين المعاصرين، وغير قادرين على الامتثال لهما وترجمتهما على الوجه الأمثل. فترجمة التاريخ وتوظيف السياسة واستثمارهما، يحتاجان إلى أداتين فاعلتين في المقام الأول، هما دبلوماسية حيوية وذات هوية جلية وفاعلة، وإعلام عصري عميق في الطرح والمضمون، ويتبعهما منظومة من التعليم والثقافة.

المنجزات السياسية بشقها البروتوكولي من مساعٍ ومفاوضات حميدة، وتوسيع دائرة الأصدقاء وتقليص دائرة الأعداء، من خطوات العقلاء وذوي الحظوة والحنكة والدهاء في السياسة، ولكن الركون لهذا الإنجاز وحيدًا دون استثمار مادي ومصالح ملموسة على الأرض يشوه تلك المساعي ويجعلها شبه منفصلة عن الواقع ومثالية مفرطة إلى حد كبير.

فالأوطان - وكما هو معروف - لا تُبنى بالنوايا الحسنة وحدها، بل بمنظومة متكاملة من الأسس والمصالح، تلك المصالح التي تُسمى في قواعد السياسة بالأوراق السياسية والتي يحركها الساسة في الأوقات المناسبة لجني المزيد من المكاسب وترسيخ المزيد من المواقف والقناعات.

لا نحتاج إلى تذكير أنفسنا، بأن من تعاملنا معهم، وجنبنا بعضهم مزالق كبرى ومشكلات خطيرة، هم في المقابل من الكيانات السياسية والاقتصادية النافذة والفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية، ومنها الكيانات الواعدة كذلك. كما أن الوجه الآخر لتسويق أنفسنا وسياستنا يتمثل في تاريخنا، والذي يعيره الكثيرون جل التقدير والاحترام، وفوق كل ذلك نأتي في ذيل قائمة المستفيدين من السياسة والتاريخ معًا.

آن الأوان - في تقديري - أن نرتقي دبلوماسيًا وإعلاميًا بالدرجة الأولى إلى مصاف سياستنا الخارجية ومنجزاتها وصداها وصيتها وتاريخنا وأمجاده، وأن نستثمرهما بما يليق بعُماننا المعاصرة دون إفراط أو تفريط. وآن الأوان أن نتعامل مع السياسة والتاريخ دون تورية أو رمزية، ووفق قواعدهما ونواميسهما، وأن نتنازل بعض الشيء عن بعض طباعنا ومثاليتنا المفرطة، لنجني الثمار، كما يجني الآخرون ثمار جهودهم ومساعيهم الحميدة، ويوظفون أوراقهم وينتفعون بها ومنها .

فنحن دولة عصرية وفتية بمعايير الحداثة ومفهوم الدولة القُطرية الحديثة، وبحاجة ماسة لكل جهد يصب في رقي وطننا ماديًا ومعنويًا، وكل ما يسهم في رفاهية مواطنينا، وتعدد خياراتنا في الاقتصاد والتنمية والأصدقاء والخبرات والتجارب، وقد شكلت لنا سياستنا الخارجية أعمدة تواصل وجسور صلبة من المحبة والتقدير والاحترام مع طيف واسع من مكونات الأسرة الدولية، والتي يمكننا توظيفها بيسر لإعادة تموضع عُمان اليوم كعُمان الأمس بكل جدارة واستحقاق، ففي السياسة ما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكنًا غدًا، فقواعد المصالح والتحالفات والاشتباك في تغير دائم مستمر، ونحن في أمس الحاجة اليوم أن نشبه عُمان تاريخًا وسياسة.

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك