بلاتر.. ولاية أخرى لن تكتمل!

أحمد السلماني

كل يوم تطالعنا حكومات الدول بانتخابات أياً كان نوعها ما بين رئاسية وتشريعية أو تنفيذية وفي كل دول العالم، إلا أن إمبراطورية الفيفا التي لا حدود لها سوى الكرة الأرضية نفسها وقد اتخذت من زيورخ العاصمة السويسرية مقراً لها فاجأتنا بما هو أكبر.

ولقد شهد العالم مساء الجمعة الماضي واحدة من أكثر سيناريوهات الانتخابات العالمية إثارة وبلبلة فقد سبق هذا اليوم ومنذ أشهر عديدة ترشيحات وتحركات لمرشحين من أجل زعامة أكبر إمبراطوريات العالم المعاصر إنها "الإمبراطورية المجنونة"، والتي تعتبر أكبر منظمة في العالم حتى إنها تتجاوز منظمة الأمم المتحدة في قدرتها التأثيرية على شعوب العالم فهي تدير وتنظم دورة عمل آسرة قلوب البشر "كرة القدم المجنونة".

وقد سبق وأن كتبت مقالا فور ترشح الأمير علي بن الحسين لانتخابات رئاسة الفيفا بعنوان"عفواً أيها الأمير..إنه الداهية بلاتر" محذرًا سّموه من سموم هذا الرجل وقدرته الفائقة على التشبث بكرسي زعامة الاتحاد الدولي لكرة القدم، ولقد بنيت كلامي وتحذيري حينها على تجربة القطري محمد بن همام وكيف تعامل معه بلاتر حينها وأنهى حياته الرياضية قبل أن تحكم لجنة التحكيم الرياضي بالفيفا (كاس) لاحقاً ببراءته.

وفاز يومها بلاتر بالتزكية حيث لم يترشح لمنافسته أحد وجاءت هذه الدورة على غير العادة فقد ترشح لمنافسة بلاتر 5 مرشحين في سابقة هي الأولى منذ تنحي جاو هافيلانج عام 1998 وإمساك بلاتر بمقاليد القرار في الفيفا؛ حيث كان سادساً إلى جانب كل من مايكل فان براغ رئيس الاتحاد الهولندي، والفرنسيين جيروم شامبين وديفيد جينولا والأمير الأردني علي بن الحسين والبرتغالي لويس فيغو وكل هذه الأوراق تساقطت أمام الجوكر الكبير وبعبع كرة القدم العالمية باستثناء الشاب الباسل الأمير علي بن الحسين نائب بلاتر في الفيفا عن آسيا.

ولقد فاجأ الأمير الأنيق العالم بشجاعته وإدارته لحملته الانتخابية ببراعة فائقة أقلقت بلاتر وقوضت عرشه والأكثر من ذلك، فالأمر ينبئ بأن إمبراطورية بلاتر في الفيفا تتداعى رغم فوزه.

وعودة إلى الأمير الشاب فإن كل تحذيراتنا السابقة كانت من واقع ما آل إليه سلفه إلا أن الأمير واصل معركته إلى النهاية وحصل من الجولة الأولى على 71 صوتا من أصل 209 أصوات في حين ذهبت 133 صوتا لبلاتر القوي وامتنعت 3 اتحادات عن التصويت وهي المرة الأولى منذ 16 عاما يصل منافس لبلاتر لهذا الرقم فأقصى منافس له كان قد حصل على 51 صوتاً العام 2002 وكان السويدي يوهانسون والذي أقصاه بلاتر من رئاسة الاتحاد الأوروبي بعد أن جلب الإيطالي بلاتيني ليختفي السويدي وتنتهي حياته الكروية هو الآخر وهذا كان مصدر قلق المتابعين العرب من أن يلقى الأمير علي مصير سابقيه ولكنه كان في الموعد ولم يخذل الاتحادات النزيهة التي أرادت أن يتغير حال الفيفا، لكن وللأسف فإنّ مشهد قصة إخوة يوسف عليه السلام تتكرر مرة أخرى مع فارق أن الإخوة هذه المرة لم يضمروا كيدهم ولكنهم أعلنوه نهارا جهارا.

ومع ذلك فقد يقول قائل إن تصرف إخوة يوسف جاء على خلفية ضغوطات مورست من قبل بلاتر فيما يخص الملف القطري وتنظيم قطر لكأس العالم 2022 وهنا نقول وما الذي يخاف منه الأشقاء طالما أنّ ملفهم نظيف وهنا أترك للقارئ والمتابع الكريم تفسير كلامي ودراسة واقع المشهد الخليجي والعربي الكروي كما هو إلا من رحم ربي، وهنا فليدون التاريخ تفرد الموقف العماني في مواقفه ونصرته لشقيقه العربي طالما أن الأمير علي كان يطمح في تغيير واقع الفيفا وتنظيفه من بؤر وملفات غير نظيفة وفضائح بدأت تظهر وتطفو منذ الولاية الأولى لبلاتر ويبدو أنه مسلسل لن ينتهي قريباً وقد يكون الأرضة التي سيتآكل منها بنيان الفيفا العظيم، كما أثبت الاتحاد العماني لكرة القدم أنه سيد مواقفه والتي لا تملى وهي ترجمة حقيقية لثوابت السياسة العمانية.

إنّ المؤلم في الفيلم الدراماتيكي الذي حدث تحت قبة الفيفا أن الداعم الكبير للأمير الشاب كان الغرب في حين أن اتحادات عربية من أفريقيا وآسيا دعمت بلاتر وهي فيما يبدو انجرت وراء وعود فضفاضة من بلاتر كعادته عندما أعلن أنها آخر ولاية ستكون له، ولكنه قد سبق وأن تشدق بهذا الوعد سلفاً ولم يفعل، كما أن هذه الاتحادات ارتضت بالفتات الذي قدمه وسيقدمه معسكر بلاتر، وكل ذلك إنما كان الجزرة التي رمى بها بلاتر لهذه الاتحادات ذات المنظور القصير؛ حيث إن الحقيقة التي لا لبس فيها أن مسلسل الفضائح الأخير إنما هو متجذر وأصبح كالسرطان الخبيث الذي عمّ مفاصل وكيان وجسم مؤسسة الاتحاد الدولي لكرة القدم وصار ثقافة عامة عمياء ستؤدي بلا شك إلى تهالك هذا الكيان وتدميره ذاتيا إن لم تباشر الاتحادات التي تملك قرارها إلى التدخل بفرض أجندة ترغم بلاتر وجيروم فالكه الأمين العام بالفيفا إلى تبني سياسة شفافة هي عبارة عن مطهر ومعقم لتنظيف أروقة هذه المنظمة من هذا المرض العضال.

إن القبض على 6 من أهم الأعضاء الفاعلين بالفيفا بتهم تتعلق بالرشوة وغسيل الأموال والتلاعب بقرارات هامة ومفصلية خاصة فيما يتعلق بملفات تنظيم كأس العالم إنما هي البداية في مسلسل طويل حيث لم تستسغ الدول التي سحبت منها ملفات تنظيم المونديال إنما هو غيض من فيض والقادم كثير وفوق قدرة بلاتر وجيروم على التحمل وقد تعصف به موجات التحقيق الحالية وترمي به إلى مزبلة تاريخ كرة القدم التي وعندما كانت تحت قيادة البرازيلي هافيلانج كان العالم يستمتع بجمالياتها إلى أن أتى الصيارفة بقيادة بلاتر فحولوها إلى صناعة ولعب رأس المال دورا في إدارتها فغابت الجمالية والأداء الممتع ويبدو أن ميسي الجميل بمهاراته أتى في زمان غير زمانه، زمن المال ومن يدفع أكثر والضامن لكل هذا بلاتر.

تعليق عبر الفيس بوك