د.عوني شعبان: "البيت الصديق للبيئة" إبداع معماري يسهم في ترشيد الاستهلاك والحد من التلوث

مواد البناء المستخدمة توفر العزل الحراري وتنظم حركة الهواء

تغطية تكاليف البناء خلال 10 سنوات بفضل تكلفة توفير الطاقة

أكد الدكتورعوني شعبان المشرف على مشروع البيت العماني الصديق للبيئة في جامعة السلطان قابوس أن المشروع يعكس الإبداع المعماري الذي يسهم في ترشيد الاستهلاك والحد من التلوث، من خلال تبني منظومة مستدامة توفر الطاقة وتعمل على توظيف الموارد الطبيعية دون إهدار.

ومشروع البيت الصديق للبيئة هو أحد المشاريع المشاركة في مسابقة البيوت العمانية الصديقة للبيئة التي أطلقها مجلس البحث العلمي. وفي هذا المشروع يتجسد مفهوم العمارة المستدامة، وهو مصطلح عام يصف تقنيات التصميم الواعي بيئيا في مجال الهندسة المعمارية، وهي عملية تصميم المباني بأسلوب يحافظ على البيئة مع الأخذ في الاعتبار الحد من استهلاك الطاقة والمواد والموارد الطبيعية مع تقليل تأثيرات الإنشاء والاستعمال على البيئة.

حوار- شيخة بنت عبد الله المقحوصية

** بداية.. نود التعرف على فريق عمل المشروع؟

يعمل على المنزل الصديق للبيئة فريق عمل مكون من أساتذة كلية الهندسة وعدد من الطلبة بمختلف التخصصات مثل الهندسة المعمارية والكهربائية والميكانيكية والمدنية، والمشروع الآن في سنته الثالثة.

** وماهي أهداف المشروع؟

يهدف المشروع لمخاطبة المهنة الهندسية في البناء ووضع أسس لمستقبل العمارة المستدامة في عمان وهذه الأسس قد اعتمدت لعمل نموذج أول لهذا البيت الصديق للبيئة، لكي يكون معرضا دائما للمهنة الهندسية ويطلع الجمهور على ما تم من ابتكارات وتوعيته بما يختص بمستقبل الاستدامة في عمان.

** نود أن تعدد لنا مميزات البيت العماني الصديق للبيئة في جامعة السلطان قابوس؟

البيت يبرز مجموعة من الابتكارات لتخفيض استهلاك الطاقة والمياه ومواد البناء، أما منظومة الطاقة فتتكون من نظام ذي غلافين يحيط بالمنزل بشكل كامل، يمنع وصول أشعة الشمس المباشرة إلى البيت، وفي السطح توجد خلايا شمسية لتزويد المنزل بالطاقة في النهار والطاقة الفائضة يتم إرسالها إلى شركة الكهرباء ليتم استرجاعها في الليل. أما مواد البناء، فالمنزل اعتمد على استخدام نوع خاص من مواد البناء التي تتمتع بخاصية العزل الحراري ومنع نفاذ الحرارة إلى داخل المنزل، كما يوجد في باحات المنزل النباتات والأشجار لامتصاص الطاقة الشمسية ولتنظيم حركة الهواء في المنزل اتجاه التهوية الطبيعية، ويوجد في المنزل متسلقات من النباتات في الجانب الشرقي والغربي تعمل كمصدات تمنع دخول أشعة الشمس وتمتصها قبل أن تصل إلى جدار المنزل وفوق هذه المتسلقات يوجد مظلات من أقمشة معينة ومن سعف النخيل. كما أن هناك طبقة خارجية تمنع دخول الأشعة الشمسية وهذه الطبقة تبتعد مسافة متر عن المبنى الأساسي تمنح هذه المساحة الفرصة لتبادل الهواء وتمنع تراكم الحرارة.

** هل استعنتم بالتراث العماني في أيِّ من تفاصيل البيت؟

نعم بالفعل.. فمن خلال دراستنا للتراث العماني اعتمدنا على فكرة التهوية الطبيعية للمنزل لأربعة أشهر في السنة لذلك صممنا النوافذ بمواقع وأحجام معينة. وبطريقة معينة بحيث تسمح بدخول الهواء البارد من المنطقة السفلى الذي يمر فوق النباتات لتبريده فيدخل الهواء البارد من الأسفل ويطرد الهواء الحار من النوافذ العلوية. كما استخدمنا النافورة في باحة المنزل الجنوبية لتبرد تحتها الماء في الطبقات السفلية وبعدها يخرج الماء باردًا من النافورة فيبرد الهواء المار به، كما اعتمدنا على الطاقة الشمسية لتسخين الماء واستخدامه في احتياجات المنزل، كما يوجد نظام لتنقية الماء الخارج من البيت واستعماله في ري المزروعات. ومعظم الأجهزة الكهربائية في المنزل هي من النوع الاقتصادي الذي لا يستهلك الكثير من الكهرباء.

** بماذا ألهمكم البيت العُماني التقليدي في تصميم البيت الصديق للبيئة؟

صممنا البيت كي يناسب البيئة العمانية، لذا أخذنا بعين الاعتبار دراسة اجتماعية للعائلة في عمان مثل تخصيص المجلس للضيوف وفصله عن حياة العائلة الخاصة من غرف نوم وغيرها، ونظرا لأن المشروع يستهدف مستقبلاً الاستدامة، حاولنا اقتباس تراث البيئة العمانية، لذلك أوجدنا فنائين في المنزل لتشجيع ارتباط الإنسان بالبيئة ـ ولا يقتصر وجوده داخل الغرف مع التكييف، بل يشجع على الانسجام بين الإنسان والبيئة، كذلك ترتبط الاستدامة بالاقتصاد، حيث إنّ النمط العماني لا يعتمد على المساحات الواسعة للغرف، وإنما بالحد الذي يلبي احتياجاته من المساحة فنجد الغرف في البيت صغيرة مقارنة بمقاييس البيوت الحديثة، لكنها تعتبر طبيعية مقارنة بالبيوت التقليدية في عمان.

** ما هو مقدار اقتصاد البيت الصديق للبيئة في استهلاك الطاقة؟

من خلال الإجراءات التي أضفناها في المنزل مثل العزل الحراري وغيره نحاول توفير حوالي 40 بالمائة من استهلاك الطاقة في البيوت الحالية، ويكون ذلك بالتصميم الهندسي في البداية فنجد في كثير من المنازل مساحات واسعة من النوافذ وفي مواقع خاطئة لا تأخذ في الاعتبار الاتجاه وكمية الحرارة النافذة منه واستخدام الطوب دون عزل حراري، فالأساس في عملنا هو تصميم منزل وفق أسس هندسية منظمة يقلل من استهلاك الطاقة في البيت، ومن ثم التفكير في استخدام مصادر الطاقة الصديقة للبيئة. وبذلك يمكننا تخفيض استهلاك الطاقة في المنزل بسهولة.

** ما هي توقعاتكم بشأن مستقبل انتشار هذا النوع من المنازل في السلطنة؟

هناك عوامل كثيرة نرى فيها محددات لانتشار هذا النوع من المنازل، أولاً نتمنى أن يسود المنطق تفكير الأفراد وأن يتم تقليص المساحة الواسعة للمنزل الزائدة عن الحاجة، بالإضافة إلى تقبل المواطن للكلفة المضافة على هذا النوع من المنازل والتي تتضمن تكاليف مواد البناء والخلايا الشمسية، وحالياً نجري حسابات لتقدير الزمن اللازم لتغطية التكاليف القيمة المضافة من خلال اقتصاد المنزل للطاقة ـ فيعوض المستهلك القيمة المضافة في تكلفة البناء.

ومن خلال حساباتنا وجدنا أن الزمن اللازم لذلك هو 10 سنوات، وهي فترة جيدة بالمقارنة مع الدول التي تكون فيها المدة الزمنية اللازمة لإرجاع التكلفة هي15 عاماً، ومن الحلول المبتكرة في بعض الدول أن يتم تعويض المواطن عن التكلفة الفائضة في البناء، وأخرى تقوم بخفض الضرائب على البيوت الصديقة للبيئة، وعمان بصدد إصدار قوانين للحث على بناء البيوت المستدامة.

والحديث عنا على مستوى دخل الدولة بشكل عام وليس الأفراد فحسب، فالاقتصاد في استهلاك الكهرباء يخدم الاقتصاد الكلي على مستوى البلد، مما يشجع على تنفيذ مثل هذه المشاريع تبني الشركات لمفهوم بناء مدن متكاملة صديقة للبيئة ومن ثم بيعها للأفراد، وهذه الفكرة أكثر عملية ومنطقية بدلاً من أن يكون اجتهاد فردي لمواطن يُعاني خلالها من صعوبة فهم المقاول للفكرة والاحتياجات. ولدينا في السلطنة عدد من النماذج لمدن متكاملة تقوم ببنائها شركات ومن ثم تبيعها للمواطنين. ونأمل أن تطبق نفس الفكرة على البيوت الصديقة للبيئة، لأننا من خلال هذه النماذج الموسعة نتيح مجالاً أكبر للتوعية بفكرة البيوت الصديقة للبيئة.

** هل قمتم بتجربة المنزل فعليًا؟

نحن الآن نبدأ المرحلة الثانية لاختبار المنزل من خلال أجهزة معينة للقياس وإجراء حسابات خاصة، بالإضافة إلى تسكين عائلة في المنزل واستعماله بحيث نختبر سلوكهم ليكون مستدامًا، ويتم تدريبهم على نمط حياة جديد بدلا من النمط الحالي الذي يعتمد على استهلاك الكهرباء بشكل عشوائي، بالإضافة إلى إغلاق أجهزة التكييف من أكتوبر إلى ديسمبر والاعتماد على فتح النوافذ فقط على سبيل المثال.

** ماذا عن المشاركة في المسابقة؟

نحن من ضمن المشاريع الخمسة المشاركة في المسابقة، لكن في المرحلة الأولى للأسف لم نتمكن من استكمال المنزل في الوقت المحدد، لذلك لم نكن ضمن التقييم فيها، والتي كانت بقياس المنزل لمدة شهر، ولكن الآن نحن نستعد بكل قوة للمرحلة الثانية والتي يتم فيها اختبار المنزل لمدة عام، والفريق مستعد لكل نقاط المسابقة.

أما المشاريع الأخرى المشاركة فكانت قوية وجيدة جداً، والكل بذل جهدا كبيرا وكل مشروع له مزايا معينة، وركز على نقاط معينة فبعض المشاريع كانت خارج مسقط تعاملت مع البيئة الصحراوية وأخرى في البيئة الساحلية.

**ما هي الجهات التي تدعمكم مادياً لإتمام المشروع؟

هناك دعم مقدر من المركز الأعلى للبحث العلمي، ودعم آخر خاص بدائرة المشاريع في الجامعة، والجميع يبذل جهودا مضنية وتعاونا كبيرا من أجل استكمال المشروع.

** هل استفدتم من تجارب أخرى مشابهة في هذا المجال؟

هناك نوعان من هذه المشاريع في العالم، الأول خاص بالمناطق الباردة، ويتضمن مشروع استدامة مختلف يرتكز على امتصاص طاقة الشمس وتخزين الطاقة، بينما النموذج الثاني يكون في المناطق الحارة، وهو نموذج مختلف يرتكز على تقليل الحرارة وعزلها، وفي هذا الجانب أجرينا بحثا مستفيضًا حول التجارب المشابهة، وبما توفر لدينا من معلومات نرى أننا قدمنا عددًا من الابتكارات التي لم يسبقنا إليها أحد نسعى لتسجيلها في براءة الاختراع.

** ماذا عن سقف الطموحات.. هل له حدود؟

نطمح إلى أن يتحول النموذج إلى واقع حي، يضيف الكثير إلى مستقبل الاستدامة في العمارة في السلطنة، فجميع دول العالم تبذل جهدًا وتتجه نحو فكر الاستدامة، وهناك مدن مثل مومباي تبذل جهودًا من أجل توعية الأفراد بهذا النوع من البناء وإيصال الفكرة إلى المجتمع، فما نحتاجه الآن هو توعية الأفراد بأهمية الاتجاه نحو هذه المشاريع، وأن يصل صوتنا إليهم، فلا جدوى من تنفيذ مشاريع لكنها تظل حبيسة الأدراج، ولا يتم تطبيقها على أرض الواقع.

إننا نؤمن أن المستقبل يتجه نحو الاستدامة، فالعالم مقبل على أزمة حقيقية في الطاقة، وتوفير المياه والموارد الطبيعية الأخرى، لذا يتعين على العالم أن يتنبه لهذا القدر المحتوم وأن يسعى بكل طاقاته إلى تنفيذ سياسات استدامة حقيقية وتبني هذه النماذج.

تعليق عبر الفيس بوك