حار بارد صيفًا

علي بن بدر البوسعيدي

حلّ فصل الصيف بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وصارت السمة العامة لطقس السلطنة تتباين ما بين حرارة مصحوبة بالرطوبة العالية وبين حرارة لاهبة تلسع بسياطها كل بشر وحجر على أرض عُمان.

وإن كان الجميع يتذمّر من شدة الحرارة إلا أنّ للأمر جانبًا مشرقًا آخر؛ ففي هذه الفترة من العام تنضج الفواكه والثمار والبلح بجميع أنواعه من رطب ونغال وخنيزي وخصاب وبرني وهلالي.. إلخ، وينعكس ذلك خيرًا وربحًا وفيرًا على أصحاب النخل لاسيما الذين يصدّرون تمورهم للخارج، فسلعة تقدر بميزان الذهب لفائدتها الغذائيّة ودخوله في صناعة كثير من الحلويات في بلادنا العربية.. وبذا يصبح الصيف فصلا يحمل في بواطنه الخير والنعمة لا الحرارة اللاهبة وحدها.

في منطقة أخرى من السلطنة وتحديدًا الجنوب فإنّ الجو في هذا الوقت من العام يكون لطيفًا، يحمل معه أمطارا تمتد لفترة أربعة أشهر.. وهذه الأمطار وبمشيئة الله أنبتتت نوعًا معينًا من الثمار يتماشى مع المناخ السائد هناك، حيث تشتهر منطقة جنوبي عمان بثمرة النارجيل والفافاي والرذاذ المتقطع الذي يُضفي على الجو العام نكهة تجعل القلب مُنشرحًا، ويدفع كثيرًا من السياح العمانيين ودول الخليج للتقاطر للاستمتاع بأجواء جنوب عمان الحبيب وخريف صلالة، والذي بات رقمًا كبيرًا يصعب تجاوزه في منظومة السياحة الداخليّة والإقليمية، وموسمًا يمتد خيره لينعش قطاع العقارات والفندقة والسياحة على كل المستويات، بل في بعض الأحايين تفاجأ بنقص في أماكن الإيواء والسكن إبّان الموسم فإشغالات الفنادق تحقق نسبة 100% ولا توجد أماكن شاغرة نظرًا لكثرة المصطافين والزوار.. فقط نتمنى أن يكون صيف هذا العام مختلفًا ومتميّزًا، تتم فيه معالجة كل النواقص وتشييد عدد من المرافق والخدمات السياحية، وأن يتم تذليل كل المعوقات التي كانت تعترض طريق السائح، وأن نسعى جاهدين بقدر المستطاع للاستفادة من نعمة تلك الأجواء التي تجعل النفس تحلق في سماوات السكينة والانشراح.

وبالعودة إلى الصيف والرطب أريد أن ألقي الضوء هنا على ملاحظة صغيرة في حروفها وكبيرة في معناها ونتائجها؛ وهي أنّ شبابنا العماني اليوم -وللأسف الشديد- ما عاد يهتم بالمزارع ومعرفة طرق زراعة فسائل النخيل كما كان أجدادنا وأسلافنا يفعلون، فأجيال اليوم لا تفرق بين النغال والمبسلي، ومما زاد الطين بلة أكثر أنّ كثيرًا من مزارع النخيل الآن تدار من قبل الوافدين بل حتى العمليات الزراعية من تحدير وتقليم تتم بيد العامل الوافد.. ولعمري هذه مصيبة كبرى يمكن أن تؤدي إلى تغيير كلي في طريقة الزراعة العمانية وبالتالي ضياع مهنة الأسلاف في مستقبل الأيام.

تعليق عبر الفيس بوك