◄ الانهزام النفسي والانغلاق المجتمعي وراء إحجام المرأة عن خوض التجربة
◄ الإعلام مطالب ببذل المزيد لرفع الوعي بأهمية المشاركة واختيار الأفضل
◄ تنظيم دورات تدريبية للراغبين في الترشح مطلب مرحلي مهم
ثمَّنت الإعلامية منى المنذريَّة عضو مجلس الدولة السابق، حجم الصلاحيات التي منحها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- لمجلس عُمان (بغرفتيه الدولة الشورى)، مؤكدة أنها أسهمت في الارتقاء بالتجربة البرلمانية في السلطنة، ووضعت أقدامها على المسار الصحيح؛ لضمان تحقيق المصلحة العامة ومتطلبات المواطن الذي هو أساس التنمية ونهضة البلاد.
إلا أنها نَحَت باللائمة فيما يتعلق بإحجام المرأة عن المشاركة بثقل أكبر في تلك التجربة، على المرأة نفسها.. قائلة: لدينا من النساء مَنْ يَخَفْن خوض التجربة لأسباب عديدة؛ أبرزها الخوف من الخسارة والفشل؛ وهو ما يمثل عائقا أمام تقدمها في هذا المجال.. مقترحة عقد دورات تدريبية للنساء الراغبات في المشاركة بالعمل البرلماني.
وسلَّطت المنذرية الضوءَ -في حوارها مع "الرؤية"- على دور الإعلام في المساهمة بالنهوض بتلك التجربة البرلمانية العُمانية (الحديثة نوعا ما)؛ ففي حين هناك قواعد وشروط معينة مفروض على الإعلام الالتزام بها؛ إلا أن دوره التنويري برفع درجة الوعي لدى المواطن بأهمية المشاركة واختيار الأفضل استنادا للكفاءة لا القبلية والهوى والأمزجة.. وكلها من صميم مهام الإعلام كأداة تعمل على النهوض بالمجتمع.
حوار- مدرين المكتوميَّة
وقالت المنذرية: حكومتنا الرشيدة تُدرك بشكل كبير أهمية مشاركة المرأة في التجربة البرلمانية؛ فمن خلال تجربتي الشخصية، وأثناء تواجدي بمجلس الدولة، كنت ألحظ ذاك الاهتمام، وهو ما عزَّز مساهمتها في تشريع العديد من القوانين الخاصة بالأسرة؛ باعتبارها الأكثر دراية بها عن نظيرها الرجل، إلا أنه -وفي مقابل ذلك- للأسف الشديد نجد المرأة نفسها لا تجد تلك القضية قضيتها، وأنَّ من مهام المواطنة المسؤولة أن تناقش (باعتبارها واحدة من بناة هذا الوطن) وتضع الدراسات الخاصة بها من خلال القوانين والتشريعات التي تُسن.
وتضيف المنذرية: إنَّ العائق الذي يقف أمام مشاركة المرأة في مثل هكذا تجارب، هو المرأة نفسها.. موضحة: لدينا نساء يخفن من خوض هذه التجربة لأسباب عديدة؛ أولها: الخوف من الخسارة والفشل؛ وهو شيء نابع من ركونها لطبيعتها الأنثوية دون محاولة التطوير ومواكبة المتطلبات العصرية، وهو بلا شك ما يقف أمام تقدمها ويحد من عزيمتها، فضلا عن جانب آخر -وهو متعلق بطبيعتها أيضا- ألا هو: مسألة الخجل التي تعيشها والتفكير المحيط بها في حالة عدم الفوز؛ لذلك لا تحاول الاقتراب.. على الرغم من أن الواقع يتطلب منها أن تكون قوية ومجازفة؛ ففي النهاية هي تجربة إمَّا أن تتوج بالنجاح أو الفشل، وفي كلا الحالتين هي المستفيد.
واقترحت أن يتم تنظيم ورش ودورات تدريبية لمن يريد أن يخوض هذه التجربة؛ تركز على جانبي ما قبل وبعد الترشح، لضمان التمثيل الجاد والفاعل للجميع تحت قبة المجلس؛ وللقضاء على ظاهرة "دخول المجلس من أجل الواجهة الاجتماعية، أكثر من خدمة المواطن". إذ إن الجميع بات يعي ضرورة تجاوز تلك النظرة سيما مع حجم الصلاحيات الممنوحة لمجلس عُمان والوعي الذي بات يتشكل داخل المواطن بأهمية اختيار من يمثله ويعمل بجد لمنحه حقوقه، وهو ما بدأنا نلمسه من كثرة الاستجوابات والنقاشات وطلبات الإحاطة والرغبة التي يشهدها مجلس الشورى لمتابعة العمل الحكومي ووضع المواطن في دائرة الحدث.
وتابعت: يجب التركيز على التأهيل والتدريب والتشجيع، وعمل لقاءات مع من سبق له الترشح لمجلس الشورى والفوز بإحدى الانتخابات الفائتة، للاطلاع على كيفية دخولهم للمجلس؛ خصوصا وأن الأمر بات تنافسيًّا والفائز فقط من يملك رؤية وقدرة على التجربة.
وعن ضعف مشاركة المرأة في التجربة البرلمانية حاليا عن الدورات السابقة، قالت: المرأة في البداية كانت تفكر بالمنطق، وترى أن التجربة البرلمانية عمل جماعي، فضلا عما كانت تحظى به من دعم من الجميع، أما في الوقت الراهن فقد بات مبدأ "العمل الجماعي" غير موجود، وباتت كل عضوة تعمل بشكل فردي، وهذا بالطبع خطأ كبير؛ وفي رأيي أن جمعيات المرأة باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بأنه وبمجرد أن ينمو لعلمها أن إحدى الأخوات ستخوض غمار التجربة البرلمانية أن يسارعوا في تقديم الدعم لها؛ فالدعم النفسي أهم بكثير من الدعم المادي. وعلى المرأة أن تؤمن بأنَّ تواجدها بالمجلس هو خدمة لهذا البلد وخدمة لمن قاموا بترشيحها.
تحديات وعقبات
وتكمل المنذرية قائلة: خلال فترة تواجدي داخل المجلس، وبكل أمانة لم أجد فيه أيَّ عائق يواجه المرأة؛ فالمجال مفتوح أمام الجميع في حرية التصرف واتخاذ القرار؛ إلا أنني أكرر أن ذلك يقف أو يعود لشخصية العضو (ذكرا أو أنثى)؛ ففي أكثر موضوع تتم مناقشته لا نجد كل الأعضاء يملكون القدرة على أن يكونوا ملمِّين به، أو توافر لديهم المعلومات للحديث والمشاركة فيه، وهذا يعد تحديا آخر، وهو "الثقافة"، ثقافة الرجل أو المرأة في النقاش وطرح الأسئلة...وغيرها من الأمور. وفي نهاية الأمر يعود للشخص نفسه وقدرته على أن يكون عضوا فاعلا في هذا المكان، ويتمكن من الحفاظ على الأمانة التي أودعها له من قاموا بترشيحه.
وتواصل المنذرية حديثها، قائلة: عندما كنت في مجلس الدولة، لاحظت أن المرأة كان لها دور فاعل جدًّا فيما يخص القضايا والموضوعات النسائية؛ باعتبارها الأكثر دراية عن الرجل بالموضوع.. فعلى سبيل المثال من كان يعلم أننا منذ 20 عاما قمنا بالمطالبة بوجود حضانات في الوزارات لم يكن يعلم بها إلا من شارك في هذا الأمر؟!! ومن يعلم كذلك أنها كانت موجودة؟!! فالرجل بطبيعة الحال قد تغيب عنه مثل هذه الأمور.
تحديات مجتمعية
وفي سياق التحديات التي تعيق المرأة، تقول: في فترة من الفترات -وبالتحديد من 1970 وحتى 1988- كانت المرأة العاملة مقدَّرة من المجتمع ومن البيئة المحيطة بها ومن الجميع، لأنهم كانوا يؤمنون إيمانًا مطلقًا بأن هذه المرأة تسهم وتدعم التنمية البشرية في البلد، وبعد العام 88 بدأت التحديات تطفو على السطح بمسألة بقاء المرأة في المنزل لتربِّي الأبناء، حتى المرأة نفسها أصبحت تردد: "لماذا أعذِّب نفسي بالعمل، وفي نهاية المطاف سأتزوج وسيقدم لي الرجل الرعاية الكاملة"، وهذا الانهزام النفسي الذي بدأ يظهر لدى المرأة، كانت البداية من داخلها ومن ثم تأثر المجتمع به وربما بعض الأشخاص ممن قاموا به، ولكن المجتمع يتأثر بشكل كبير، ناهيك عن أن هناك العديد ممن لا يحبون أن يكونوا ندًّا للرجل.. وأوضحت: أذكر في الثمانين كنا نعمل في الـ24 ساعة 24 ساعة دون تذمر وشكوى؛ لأننا كنا نحب العمل، وإحساسنا بأننا نستطيع أن نعطي لهذا البلد، وأن الوطن يستحق منا الكثير، لكنَّ الأمر يتغيَّر من جيل لآخر، فكل جيل يأتي يختلف ويتغيَّر حتى وصلنا لمرحلة نقول فيها إنَّ الجيل هذا قد يجد كل ما يحتاج إليه متاحا، ولم يشعر بالمسؤولية ولا يعلم بمرحلة البناء والتأسيس.
الإعلام والمرأة
واستطردت عضو مجلس الدولة السابق بالقول: إن دورا مجتمعيا للإعلام إذا مورس بطريقة صحيحة يمكن أن يغير خارجة المشهد تماما، فالإعلام آينعم يستطيع قدر المسموح له فقط أن يعرض للعملية الانتخابية، ولا يستطيع الخوض في مسألة المرشحين وعملية الانتخاب استنادا للقواعد والشروط المفروضة عليه، لكنني في الوقت ذاته أستطيع القول بأن الإعلام يستطيع دعم وإبراز دور المرأة العمانية، ورفع درجة الوعي المجتمعي للمرشح والناخب، سيما وأن هناك أشخاص كُثر يؤمنون بأهمية مشاركة المرأة في التجربة البرلمانية، إلا أنهم لا يقدمون الدعم الحقيقي لها.
واختتمت منى المنذرية عضو مجلس الدولة السابق حديثها بالقول: إنَّه وبعد توسيع صلاحيات مجلس الشورى، رسخت عُمان أقدام تجربتها البرلمانية (الحديثة نوعا ما)، وما يدلل على ذلك حجم النقاشات والاستجوابات وعرض القوانين وطلبات الإحاطة والرغبة...وغيرها، وهو فعلا المسار الصحيح الذي يمضي فيه المجلس نحو إيصال رسالة المواطن والبحث لها عن حلول، خاصة وأن المجتمع في فترات سابقه كان يشكو عاجية "بروج الأعضاء"، وعدم سعيهم لحل المشكلات.