الإعدام في مصر.. عقوبة جنائية أم وسيلة لـ"لي عنق القانون" ووأد المعارضة؟!

◄ تخوفات من ردود فعل "متطرفة" تنسف أجواء الاستقرار.. وضغوط دولية لإعادة المحاكمات

◄ مؤيدو السيسي يستبشرون بعهد جديد "بلا إخوان".. ومخاوف من سياسات "متهورة" تكرس لاستحكام قبضة النظام

479 حكما أوليًّا بالإعدام، و122 قرارَ إحالة للمفتي، و7 أحكام تم تنفيذها.. هي حصيلة أحكام الإعدام والقرارات التي قد تمهِّد للإعدام في مصر، والصادرة عن محاكم مدنية وأخرى عسكرية بحق مُتهمين في قضايا ارتبطتْ في الغالب باحتجاجات على عزل الرئيس الأسبق مُحمَّد مرسي في الثالث من يوليو عام 2013، أو بقضايا قديمة تم تحريكها بعد هذا التاريخ، أو أخرى مُتعلقة بالإرهاب، والمتهمون فيها قيادات من جماعة الإخوان، التي ينتمي لها الرئيس المعزول.

قد يكون غريبا ألَّا يتم الربط بين ذاك الكم من الأحكام القضائية (في عقوبة هي الأعنف في سجلات القوانين الدولية) خلال تلك الفترة اليسيرة، وبين لُعبة السياسة التي تشهد اضطرابا كبيرا في مصر ما بعد ثوْرَتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو.. وبعيدا عمَّا يُرى فيه تدخلا في شؤون القضاء أو تجنيا على أحكام ورؤى الهيئات الاستشارية هناك، تفتح الحادثة الأخيرة بتنفيذ حكم الإعدام بحق 6 قيل إنهم داعمون لـ"الإرهاب" -في القضية التي عُرفت إعلاميا بـ"عرب الشركس"- (وكذا أمر الإحالة الصادر بحق الرئيس الأسبق محمد مرسي)، كل الأبواب أمام تساؤل جوهري وهو: هل يسعى النظام الحاكم الحالي في مصر إلى تعزيز سلطته بإحكام القبضة على المعارضين، أم أن أفعالا إجرامية حقيقية ثبتت بالأدلة القاطعة دفعت الجالسين فوق منصات القضاء هناك لإصدار مثل تلك الأحكام؟

الرُّؤية - هيثم صلاح

ففي شكوى "عاجلة" قدَّمتها "هيومن رايتس ووتش" لعدد من الهيئات الحقوقية الدولية؛ قالت المنظمة إن أحكام الإعدام التي صدرت في مصر خلال الآونة الأخيرة "مبالغ فيها".. فيما انتقدت منظمة العفو الدولية المحاكَمات، ووصفتها بأنها "تمثيلية" لا أساس لها، ومؤشر على عدم الاكتراث لقوانين حقوق الإنسان. واعتبرت العفو الدولية أن حكم الإعدام أصبح "وسيلة السلطات المصرية للقضاء على المعارضة السياسية".

وبدَوْرها، اعتبرت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان في جنيف، الأحكام مخالفة لدستور 2012، الذي وَضَع شروطا محددة لمحاكمة رئيس البلاد.

وقال تقرير حقوقي صادر عن مركز "هردو لدعم التعبير الرقمي"، بعنوان "عقوبة الإعدام في مصر.. بين العهود الدولية والتشريع": إن مصر توسعت في أحكام الإعدام بعد ثورة 30 يونيو، منتقدًا عدم وفاء مصر بالتزاماتها الدولية في الحد من عقوبة الإعدام.. وأضاف التقرير بأن أحكام الإعدام في العام 2014 هي الأكبر في تاريخ مصر، منوهًا بأنَّ أحكام الإعدام في العام 2009 وصلت إلى 136 حكمًا. وفي 2010، صدر 134 حكمًا. وفي العام 2011، صدر 115 حكمًا بالإعدام، ونجد أن أحكام الإعدام في العام 2014 هي الأكبر في تاريخ مصر الحديث.

ودعا مركز "هردو" إلى ضرورة تعديل النصوص التشريعية في كافة القوانين المصرية المعاقب فيها بالإعدام واستبدالها بعقوبات أدنى.. موضحًا أنه يجب "تعديل قانون الإجراءات الجنائية لينص على درجة ثانية في التقاضي في مواد الجنايات حيث يكون التقاضي على درجتين (الابتدائية والاستئنافية) وفقا لما أقره الدستور المصري الصادر في العام 2014". كما دعا السلطات المصرية إلى مراجعة قراراتها بالتحفظ على بعض المواد الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام وتصويتها ضد قرارات الأمم المتحدة التي من شأنها تضييق المساحة التشريعية أمام القاضي الجنائي في إصداره حكم الإعدام.

وقالت الولايات المتحدة الأمريكية، إنها تشعر بقلق عميق من قرار المحكمة المصرية بإحالة أوراق مرسي للمفتي، وترى أن مثل هذه المحاكمات لا تتطابق مع سيادة القانون، بينما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه البالغ إزاء القرار.. وأوضح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أنَّ واشنطن قلقة من الحكم الجماعي الجديد بإعدام أكثر من مائة بمن فيهم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. وأضاف: "لقد ظللنا نتحدث ضد المحاكمات وأحكام الإعدام الجماعية التي تُنفذ بشكل لا يتوافق والتزامات مصر الدولية وحكم القانون".

الإعدام في مصر

وفي سياق بعيد عن الانتقادات التي قابلتها لهجة مستنكرة من قبل الجهات المختصة في مصر (سواءً الحكومة على لسان وزارة الخارجية، أو القصر الرئاسي)، فإن مصر التي كانت سباقة في تسجيل أول حالة إعدام موثقة في التاريخ في القرن الـ16 قبل الميلاد، باتت أيضا سباقة في عدد الجرائم التي يُعاقب عليها القانون بالإعدام؛ فهناك 59 مادة في القوانين المصرية تقرر الإعدام لعدد 105 جرائم، ونص عليها في 4 قوانين هي: (قانون العقوبات، قانون مكافحة المخدرات، قانون الأحكام العسكرية، قانون الأسلحة والذخائر)، وأشهر هذه الجرائم القتل العمد، والاغتصاب، والتجسس لصالح دولة أجنبية، والاتجار في المخدرات.

ويرى قانونيون أن عقوبة الإعدام "من أنجح" العقوبات في مكافحة الجريمة والحفاظ على أمن المجتمع، إلا أن هناك العديد من الجرائم التي يُقرِّر المشرِّع لها عقوبة الإعدام، لا تتناسب وهذه العقوبة القاسية؛ خصوصا وأن لتلك العقوبة شروطا محددة وصارمة.

ولكن وجود 105 جرائم يعاقب عليها القانون المصري بالإعدام فهو بلا شك رقم كبير.. وبالرغم من تناقص استخدام عقوبة الإعدام على مستوى العالم، فقد تزايد استخدام هذه العقوبة في مصر على مدى العقد الماضي. فمع مطلع القرن الحادي والعشرين، كان ما يزيد على 111 دولة، أي أكثر من نصف دول العالم، قد ألغت عقوبة الإعدام في القانون أو الممارسة العملية. ولم يبق سوى 84 دولة تبقي على عقوبة الإعدام، وإن كان عدد الدول التي تنفذ أحكام الإعدام أقل من ذلك بكثير. والواقع أنه على مدى العقد الماضي كان كل عام يشهد إقدام ثلاث دول في المتوسط على إلغاء عقوبة الإعدام من خلال القانون، أو إلغائها بالنسبة لجميع الجرائم إذا كان قد سبق لها إلغائها بالنسبة للجرائم العادية. ونادراً ما يُعاد فرض عقوبة الإعدام بعد إلغائها.

ويعكس هذا الاتجاه الوعي المتنامي بوجود عقوباتٍ بديلة لعقوبة الإعدام، تُعتبر ناجعةً ولا تنطوي على قتل نفسٍ بشرية بطريقةٍ وحشيةٍ مع سبق الإصرار على أيدي الدولة تحت اسم العدالة. كما أنه لم يثبت مطلقاً أن من شأن عقوبة الإعدام ردع الجريمة على نحو أكثر فعالية من العقوبات الأخرى، فضلاً عن أنها تضفي الوحشية على كل من يشاركون في تنفيذها. ولما كانت عقوبة الإعدام عقوبةً نهائيةً لا رجعة فيها، فإن ذلك يهدر حق الضحايا في الحصول على الإنصاف إذا ما أُدينوا عن طريق الخطأ، بل ويهدر قدرة النظام القضائي بأسره على إصلاح الأخطاء.

ويفرض "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وغيره من المعايير الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام، قيوداً مشددة على فرض هذه العقوبة في البلدان التي لم تقم بإلغائها. حيث يقضي البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بـ"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1989، بإلزام الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام، في حدود ولايتها القضائية. إلا أن مصر لم توقع ولم تصدق بعد على هذا البروتوكول.

وبالنظر إلى طبيعة عقوبة الإعدام، باعتبارها عقوبة نهائية لا رجعة فيها، يتعيَّن أن تتماشى المحاكمات في الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام بصورةٍ دقيقةٍ مع جميع المعايير الدولية بخصوص المحاكمة العادلة.. وقد ذكرت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان"، التي ترصد التزام الدول الأطراف بأحكام "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، أنه ينبغي مراعاة الضمانات الإجرائية المنصوص عليها في العهد أثناء المحاكمات التي تنطوي على عقوبة الإعدام، بما في ذلك الحق في نظر القضية بنزاهة أمام محكمة مستقلة والحد الأدنى من ضمانات الدفاع والحق في إعادة النظر في الحكم أمام محكمةٍ أعلى، كما ينبغي أن يتمتع كل من صدر ضده حكم بالإعدام بالحق في استئناف الحكم أو الطعن فيه أمام محكمةٍ أعلى والحق في التماس العفو وتخفيف العقوبة.

مستقبل الوضع السياسي

"إذا تم تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس الأسبق محمد مرسي، فإنَّ ذلك سيقوي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بوضع نهاية للمطالبات بعودة الإخوان المسلمين للسلطة، ولكنه سيُواجه باستهجان دولي ومحلي".. هكذا استهلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تقريرها الذي جاء تحت عنوان "إعدام مرسي له فوائده وعيوبه بالنسبة للسيسي". وقال التقرير: "في فبراير الماضي، تم إلغاء أحكام الإعدام على 36 من الإسلاميين مما يمكن أن يشكل سابقة بالنسبة لتلك القضية، والأكثر من ذلك أن السلطات المصرية قد ينتابها القلق حيال تداعيات إعدام مرسي، وهو الأمر الذي قد يزيد لهيب التمرد الإسلامي المشتعل فعليا".

وتابع التقرير: "إعدام مرسي من الممكن أن يؤدي بالعديد من مناصري الإخوان المسلمين للتطرف بشكل أكبر والانضمام للجماعات الجهادية مثل تنظيم داعش، الذي ينشط في سيناء، أما على الصعيد الدولي، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيوجهان سهام نقدمهما للسيسي دون شك ولن يقفا بجانبه في حال سعيه للحصول على مساعدات عسكرية أو اقتصادية، إذا أعدِم مرسي". وعلى الرغم من ذلك، بالنسبة لنظام السيسي، فإن قتل رئيس سابق قد يُنظر إليه بأنه مسمار في نعش جماعة الإخوان المسلمين التي اجتاحت الاعتقالات قيادتها فيما فر بقية القيادات خارج البلاد.

ويرى محللون "أنه في حين أن العديد من الأشخاص في الغرب كانوا يعبرون عن غضبهم على حكم الإعدام، رفعت مؤسسة "ستاندرد آند بورز" توقعاتها للتصنيف الائتماني السيادي لمصر من مستقرة إلى إيجابية". وأضافوا بأنَّ ذلك دون شك يعطي جهود السيسي ثقة لخلق نمو اقتصادي مستدام، وسيعطي الثقة للمستثمرين المحتملين من الغرب تخفيف العبء على المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تبذل جهدا ملحوظا لدعم الاقتصاد المصري.

وأشاروا إلى أنَّ مصر لا تزال يعوقها الدخل المنخفض، وأوجه القصور المؤسسية والأمية والبطالة، ولكن هناك بصيص من الأمل بعد أربع سنوات من الفوضى تقريبا التي أعقبت سقوط حسني مبارك. مشددين على أن السعي لتنفيذ عقوبة الإعدام بمرسي وأعوانه، هو جزء من حرب السيسي الصعبة التي يشنها ضد الإرهاب الإسلامي الذي يهدف لزعزعة استقرار مصر وجرها لوضع ليبيا أو سوريا أو العراق، ويجب أن يعلم الجميع أن النظام القانوني في مصر يضع قانونه الأساسي من الشريعة وفقا للدستور الذي ينص على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع.

إلا أنهم أجمعوا على عدم ثقتهم في أن باقي تلك الأحكام سيتم تنفيذها فعليا؛ فربما يتم إلغاؤها أو استئنافها أو قد يرفضها المفتي، صاحب القول الفصل في ذلك الحكم، وهو أعلى سلطة دينية في البلاد.

تعليق عبر الفيس بوك