التنمية المستدامة ... أين نحن منها؟

عبد النبي العكري

انعقد في البحرين المؤتمر العربي الثاني العالي المستوى للتنمية المستدامة وذلك في إطار التحضير للقمة العالمية للتنمية المستدامة، والتي ستنعقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2015. هذا المؤتمر مكرّس للبلدان العربية، والهدف منه مراجعة أداء الدول العربية في تحقيق أهداف الألفية للتنمية خلال الفترة بين 2000- 2015، والإسهام في صياغة المرحلة الجديدة، وهي التنمية المستدامة خلال 2016 - 2030، حيث جرى حتى الآن التوافق على 17 هدفاً، أي ضعف أهداف المرحلة الأولى، ما يخلق تحدياً كبيراً أمام الأسرة الدولية. والسؤال هو: إلى أيّ مدى حققت البلدان العربية أهداف الألفية الأولى؟ وإلى أيّ مدى يمكنها فعلياً تحقيق أهداف المرحلة الثانية وهي في هذه الحالة التي نعرفها؟

على امتداد ثلاثة أيام (5 - 7 مايو/ أيار 2015)، وفي القاعة الكبرى لفندق الرتز الفخم، تعاقب على الحديث ممثلون عن الجهات الخمس المنظمة للمؤتمر، وهي حكومة البحرين، والمنظمة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا(ESCWA) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة(UNEP) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP) وجامعة الدول العربية. وشارك في المؤتمر إلى جانب الرسميين العرب من ممثلي الدول العربية وجامعة الدول العربية، العديد من خبراء الأمم المتحدة والخبراء المستقلين.

لكن لوحظ خلافاً لما هو معروف في مؤتمرات الأمم المتحدة، غياب ملحوظ لممثلي المنظمات الأهلية العربية ومنها البحرينية، واقتصار الأمر على عدد محدود جداً من ممثلي المنظمات العربية والدولية. وهو ما نوّه له عدد من ممثلي هذه المنظمات، ومن ذلك عدم منح «الفيزا» لمدعوين من المجتمع المدني، ومنهم زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات العربية غير الحكومية، وأحد مستشاري الأمين العام للأمم المتحدة للتنمية. وعلى رغم ذلك فقد أرسل ورقته للمؤتمر وقرأها نيابة عنه أسامة صفا. كما أنّ طلب عدد من منظمات المجتمع المدني البحرينية المعنية بالتنمية إلى وزيرة التنمية الاجتماعية لم يلقَ أي تجاوب.

الملاحظ أنّ غالبية المتحدثين الرسميين العرب، قد أطنبوا في الحديث عن الإنجازات التي حققتها بلدانهم فيما يخص أهداف التنمية للألفية الثانية، ومنهم بالطبع ممثلو حكومة البحرين، حيث أطلق على هامش المؤتمر تقرير مملكة البحرين، عن الأهداف الإنمائية للألفية، من قبل الجهاز المركزي للمعلومات، وذلك في مؤتمر صحافي عقده المدير التنفيذي للجهاز محمد العامر، والجهاز المركزي هو رابع جهة حكومية تتناوب المسؤولية لإصدار تقرير مملكة البحرين، ما يعكس تخبطاً حكومياً واضحاً.

أهداف الألفية للتنمية الأولى متواضعة أصلاً، وقد وضعت على أساس المتوسط العالمي، وكما نعرف فغالبية دول العالم هي دول متخلفة أصلاً وذات مستويات دنيا في التنمية. الأهداف الثمانية هي: 1. القضاء على الفقر. 2. تعميم التعليم الابتدائي. 3. المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. 4. خفض وفيات الأطفال. 5. تحسين صحة الأمهات. 6. مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية. 7. الاستدامة البيئية. 8. إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

ومن المعروف أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عمد منذ 2003 إلى إصدار تقرير سنوي حول التنمية البشرية، يضعه مجموعة من أفضل الخبراء العرب المستقلين ويتناول كل عام موضوعاً محدداً، بدأه في العام 2003 بنقص الحريات، وتناولت هذه التقارير أوجه الخلل في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية. وقد تنبأت هذه التقارير في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بتفجّر الأوضاع، وهو ما حدث فعلاً في العام 2011 فيما يُعرف بالربيع العربي. وقد تفاعل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبالتعاون مع الايسكوا وغيرها من مؤسسات الأمم المتحدة، في عقد الندوات والمؤتمرات وإصدار التقارير، بالاستفادة من حالة هز القناعات القديمة والتفكير في تغيير المسار. من الواضح أنّ دول مجلس التعاون الخليجي ودولاً عربية أخرى مثل تونس، تجاوزت المؤشرات الرقمية لمعظم الأهداف، لكنها حين تسوق بعض المؤشرات فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين مثلاً، فإنه تقدمٌ شكلي لا يؤكد مساواة فعلية. وبمراجعة سريعة، ما كان لأوضاع مُعظم الدول العربية أن تنفجر في 2011 لولا الفشل الذريع على معظم الصعد، خصوصاً الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي ترتب عليه ازدياد البطالة في أوساط الشباب، وتهميش الشباب والنساء، بل وارتفاع نسبة الأمية كما في مصر والسودان والمغرب واليمن، وتزايد الفوارق الطبقية.

بعض الخبراء العرب ومنهم مروان المعشر، من مؤسسة كارنيغي، ورئيس المنتدى العربي للتنمية والبيئة نجيب صعب، وكذلك عدد من الخبراء الأجانب مثل الخبير المالي ستيفنز ستون، وخبير التنمية روبرت سميث والأخصائي خوراج ريكان، حللوا بعمق وصدق واقع مأزق التنمية في البلدان العربية، والذي هو في حقيقته نمو اقتصادي محدود، وأكثره تحقق في الدول النفطية، لكنها لا تتناسب في معظم الدول العربية مع الزيادة السكانية، أو الرفع الفعلي لمستوى المعيشة. أحد أوجه المأزق العربي هو في طوفان الهجرة غير المشروعة عبر المتوسط لمئات الآلاف من الشباب، على أمل تحقيق الخلاص في أوروبا الأحلام، حيث يغرق الآلاف سنوياً. والوضع العربي إجمالاً هو الأسوأ منذ عقود، حيث إنّه ومنذ 2011، تشتعل الحروب الأهلية في أكثر من بلد عربي مثل العراق وسوريا، وليبيا واليمن، فيما أعمال الإرهاب في معظم الدول العربية مثل مصر ولبنان وتونس والسعودية والجزائر والمغرب، في حين أن التنظيمات الإرهابية قد انتشرت مثل النار في الهشيم، فيما معظم الدول العربية باستثناء تونس والمغرب تتعاطى مع قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والحراك الشعبي بالقمع ومصادرة الحريات. ويقتصر تعاطيها مع التنظيمات الإرهابية بالعمل العسكري والأمني، دون التعاطي مع الأسباب الحقيقية والبيئة الحاضنة لهذه الحركات.

في ظل أنظمة استبدادية وشمولية، وافتقاد الاستقرار، وتهميش الشعوب ونخبها، فإنّ من الطبيعي أن تعجز الدول العربية عن تحقيق جوهر الأهداف الألفية للتنمية. والمؤسف أنّه بدلاً من التحليل الموضوعي لأوجه الإخفاق وأسبابها وطرق معالجتها، يتبارى المسؤولون العرب في الإطناب في إنجازات وهمية لا يسندها الواقع. أما الفرصة المضاعة الثانية، فهي عدم التصدي الجدي لمتطلبات التنمية المستدامة في المنطقة العربية، ومسؤولية كل حكومة عربية، ومسؤولية منظومة الدول العربية ممثلة في الجامعة العربية، ومنظماتها المعنية وخصوصاً منظمة الوحدة الاقتصادية العربية، والمنظمة العربية للثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية وغيرها. والذي حدث هو تكليف لجنة لصياغة التوصيات السبع عشرة لما تعتقده المنظومة العربية بأنه ضروريٌ لتحقيق التنمية المستدامة، وهي توصيات نظرية لم يجر صياغة آليات لتحقيقها ولا الموارد الضرورية لتحقيقها ولا السياسات المطلوبة لإنجازها.

غالبية المشاركين استمتعوا بالإقامة في فندق السبع نجوم والتسوّق والمآدب... وكل مؤتمر عربي وأنتم بخير.

تعليق عبر الفيس بوك