عندما يعانق برج الصحوة برج أزادي طهران

د. محمد بن سعيد الشعشعي

فعاليات متنوعة وأيام ثقافية عمانية شهدتها العاصمة الإيرانية خلال مشاركة السلطنة في معرض طهران الدولي للكتاب في نسخته الثامنة والعشرين، دعت عمان لهذا المعرض كضيف شرف فكانت المشاركة العمانية مميزة شكلا ومضونا باصدارات ومناشط قدمتها وزارات الإعلام، والتراث والثقافة، والأوقاف والشؤون الدينية، وحظي الوفد العماني الذي يترأسه معالي الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام بحسن الاستقبال وبالحفاوة والترحيب.

قدّم العمانيون برنامجًا ثقافيًا حافلاً بالمناشط والفعاليات الثقافية والحفلات الفنية التي عزفت بها أوتار آلات الموسيقى العمانية ودقت الطبول في ساحة برج ميلاد لتمسع دوي صداها في جبال مسقط العامرة.

لتعود بنا الذاكرة قليلاً إلى القرن الرابع والخامس قبل الميلاد، وإلى فترة التاريخ القديم وحضارات فارس ومجان الضاربتين في أعماق التاريخ، والتوسع الفارسي في الخليج وإلى صد الدولة العمانية الامتداد الفارسي وطرد الغزاة البرتغاليين من عمان ومن المناطق الميحطة بها التي كانت تسمى بساحل عمان، بل إن عمان كان يستعين بها لطرد الفرس من البصرة التي لم تستطع صدهم إلا بمساعدة العمانيين آنذاك.

يطوي لنا شريط الذاكرة ليظهر صورًا من الأبيض والأسود عن تاريخ دول وإمبراطوريات قديمة خلدت لنا اليوم دولا لها بصماتها وتأثيرها في الخارطة العالمية، وسلطتنا جعلت لنفسها منزلة عالية عند الجميع، والعمانيون أينما حلوا مرغوبون، محبوبون، محفوفون بالترحيب والابتسامة لأننا أبينا الحروب وننشد الوئام والسلام.

قدمت المشاركة العمانية طيلة أيام المعرض برنامجا ثقافيا فنيا شاملا ونوقشت أوراق وأدبيات تناولت لطف السماحة الإسلامية والتآلف والحوار بين الأديان، وتطرق آخرون إلى اللغة العربية والأدب والقواسم العربية المشتركة، ودراسات تحدثت عن السياسة العمانية وعلاقاتها مع الدول المحيطة بها فهي علاقات تقوم على المحبة والسلام لأن إسلام أهل عمان الذين دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً "رحم الله أهل الغبيراء الذين آمنوا بي ولم يروني".

أما معرض الصور الفوتوغرافية الذي قدمته الوزارات العمانية قدم للإيرانيين وزوار المعرض من هي عمان، في لوحات معروضة تبصر عين المشاهد بالطبيعة والقلاع والحصون والأثريات والتآلف والروح والوحدة والنهج المستقيم. قد يستغرب البعض مشاركتنا في معرض طهران الدولي للكتاب خصوصًا هذه الأيام وفي هذا التوقيت الذي تعيشه منطقة الخليج، لكننا نحن في المقابل لم نستغرب مشاركتهم المباشرة ومن كثرة دور نشرهم وكتبهم المعروضة،، ونحن لنا مواقف إنسانية متبادلة مع كل دول العالم ولم نقطع حبل التواصل مع الشعوب والدول بما فيهم الإيرانيون الذين تربطنا بهم علاقات قديمة منذ دولة فارس ومجان، وبيننا مواقف متبادلة منذ زمن الشاه عندما أرسل كتائب عسكرية لمساعدة عمان في صد المد الماركسي قبل حوالي أربعة عقود، أما مضيق هرمز الحيوي الذي يعتبر من أفضل الممرات المائية على مستوى العالم فإنه يقدم أيضًا نموذجا من التفاهم المائي والحدود البحرية المشتركة بعيداً عن التدخل في سيادة كل دولة على مياهها الإقليمية وما وجد هذا المضيق إلا لخدمة الدولتين المطلتين عليه لأن السياسة العميقة والرزينة ينطبق عليها قول الشاعر

تكبر في عين الصغير الصغائر **وتصغر في عين العظيم العظائم

مضيق مشترك ومواقف لا تنسى وتاريخ وحضارات تليدة وتطلع لمستقبل قائم على نبذ الكراهية والطائفية والمذهبية مما جعل برج صحوة عمان يعانق برج أزادي طهران المزين بالنوافير والأشجار.

تعليق عبر الفيس بوك