"الجمعية الاقتصادية" تدعو لتضافر الجهود لتوفير إيرادات لسد عجز الموازنة وبدء "خطوات مدروسة" للتنويع الاقتصادي

ضرورة التخطيط في المستقبل القريب لإيجاد فرص عمل لنحو 400 ألف مواطن عماني

أهمية دراسة اتخاذ حزمة إجراءات تحد من استمرار عجز الموازنة

ضرائب الدخل ينبغي تطبيقها على الجميع .. واستثناء المواطن يضر بالقطاع الخاص

تحفيز القطاع الخاص السبيل الوحيد للخروج من الوضع الحالي

إعادة هيكلة الموازنة العامة "طوق نجاة" من مخاطر تراجع أسعار النفط

حاجة ماسة لتوفير 400 ألف فرصة عمل للمواطنين في المستقبل القريب

تمويل المشروعات بالسندات والصكوك يخفف العبء عن الموازنة

الرؤية- فايزة سويلم الكلبانية

تصوير- راشد الكندي

عقدت الجمعية الاقتصادية جلسة نقاشية ضمن سلسلة النقاشات الشهرية التي تنظمها، وحملت الجلسة عنوان "السياسات المالية في ظل تقلبات أسعار النفط ومحاذيرها"، وأدار الجلسة الدكتور حاتم الشنفري نائب رئيس الجمعية، وبحضور الشيخ محمد بن عبد الله الحارثي رئيس مجلس إدارة الجمعية، وعدد من الخبراء الاقتصاديين والإعلاميين والمهتمين بهذا الجانب.

وطالبت الجمعية الاقتصادية العمانية بضرورة تضافر كافة الجهود سواء الحكومية أو الأهلية لوضع تصور شامل ورؤية متكاملة يتوافق عليها الجميع من أجل توفير إيرادات تسد عجز الموازنة العامة للدولة واتباع خطوات علمية ومدروسة تضمن تدفق الإيرادات وتراعي الأبعاد الاجتماعية وتتلافى الضغط على القطاع الخاص وتضمن توفير فرص العمل. وأكد أعضاء الجمعية أن مواجهة تراجع الإيرادات نتيجة تدني أسعار النفط يجب أن تتم باتخاذ حزمة إجراءات لإصلاح الهيكل المالي للدولة، مشيرين إلى أن هذه المواجهة حتمية ولا بد منها، وأن تأجيلها سيفاقم من خطورة الوضع، وعلى المجتمع العماني أفرادا ومؤسسات أن يتقبلوا ذلك، وأنه لا جدوى من توجيه الانتقادات للحكومة في الوقت الراهن. وقالوا إن الانتقاد ليس حلا ولن يسفر عن نتائج، وإن الحل هو دراسة حزمة إجراءات تحد من استمرار العجز في الموازنة وتنشط الإيرادات مع الوضع في الاعتبار أن الحلول المجتزئة لن تؤدي إلى النتائج المرجوة وأن الحلول يجب أن تكون وفق دراسة علمية شاملة لكافة عناصر الاقتصاد ومدى تأثير هذه الإجراءات- في حال اتخاذها- على القطاعات الأخرى في البلاد.

وكانت الجمعية الاقتصادية العمانية قد دعت إلى ندوة موسعة لمناقشة تقرير صندوق النقد الدولي حول السلطنة والمنشور في الخامس من مايو الجاري، والذي استعرضه الدكتور حاتم بن بخيت الشنفري نائب رئيس الجمعية، منوها إلى أن التوصيات أو المقترحات الواردة في التقرير ليست ملزمة، لكن ينبغي تناولها، كون التقرير اطلع على بيانات ومعلومات ليست متاحة للجمعية ومن هنا تأتي أهمية التقرير وأهمية استعراضه، معتبرًا أن الصندوق "لديه وصفات جاهزة".

وقال الشنفري إنّ الصندوق يقترح على السلطنة- للخروج من أزمة تدني أسعار النفط وعدم القدرة على التنبؤ بتوقيت استقرار هذه الأسعار- إدارة للإيرادات تصحح من أوضاع المالية العامة وتخفض الإنفاق خاصة الجزء المتعلق بالدعم بكل صوره ووقف التوظيف في القطاع العام وتجميد المخصصات المالية ورفع الضرائب إلى مستوى الخدمات والدخل. وقال إنّ فرض ضرائب على تحويلات الوافدين يجب أن يأتي في إطار ضريبة على الدخل تشمل الجميع حتى لا تؤثر على نمو القطاع الخاص الذي يعول عليه كثيرًا في الفترة المقبلة.

وأوضح الشنفري أن تأثير تراجع أسعار النفط وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي شمل كل دول الخليج وليبيا على نحو متفاوت، عدا الإمارات العربية المتحدة التي قال التقرير إنها لن تتأثر، فيما تمتلك الكويت القدرة على الاستمرار 30 عامًا بفضل الفوائض المالية التي تتمتع بها، أما باقي دول الخليج ستتأثر بنسبة 20% وإيران بنسبة 5% والسلطنة لا يمكنها تحمل تدني إيراداتها النفطية لأكثر من 5 سنوات مقبلة، فإذا استمر الوضع على ما هو عليه ولم يتم التدخل ووضع حلول لهذه الأزمة، فإن قدرة السلطنة على تفادي المخاطر ستكون ضعيفة. وشدد الشنفري على أن مراجعة الإيرادات والمصروفات أمر ملح ويحمل أهمية قصوى للسلطنة، لافتا إلى أن إيرادات السلطنة غير النفطية لا تتجاوز 12% في موازنة 2015، وهي نسبة لا تساهم في تقليل الفجوة. وتابع الشنفري أن تقرير صندوق النقد يرى أن تركز الحكومة خلال الفترة المقبلة على القطاع الخاص وتتراجع عن أنشطتها لصالحه، وتمنحه المزيد من الحوافز والتشجيع، وأن يتراجع القطاع المدني والعسكري عن التوظيف، وأن يتولى هذا الدور القطاع الخاص بعد تنشيطه ودفعه نحو النمو. وأضاف أن القطاع الخاص بوضعه الراهن لا يستطيع التوسع في التوظيف، وأن ممارسة أي ضغوط عليه ستجعله يخفق وتتضاءل فرص النمو فيه، حيث لفت التقرير إلى أن مشكلة التوظيف يجب أن توضع لها حلول من خلال تعزيز فرص العمل واحتواء مشكلة الباحثين عن عمل.

وقال الدكتور الشنفري إن تعزيز الإيرادات له جانبين؛ حيث يمكن تعزيز الإيرادات بشكل محاسبي يتمثل في إلغاء الدعم ورفع الضرائب والترشيد، ولكن في المقابل سيشكل ذلك كلفة كبيرة على الاقتصاد وربما يؤدي إلى انكماش القطاع الخاص وتزايد مشكلة الباحثين عن عمل، أما إذا قررنا خفض المصروفات فإنّ ذلك سيؤثر على الاستثمارات وبالتالي يؤثر في النمو، موضحًا أنّ المسألة غاية في الصعوبة وأن إحداث التوازن أمر صعب كذلك.

وتساءل الشنفري عن كيفية إيجاد رأي عام مساند لعملية تدبير النفقات، هل يتم بشكل تدريجي أم نعلن عن هذه التدابير بشكل مفاجئ وبالتالي لن نأمن ردة الفعل كيف ستكون، مؤكدا أن الأمر لا يزال يمثل صعوبة كبيرة. وقال الشنفري إنّ حالة السكون الحالية لا تعني ألا شيء يجرى خلف الكواليس، بل على العكس تماماً، غير أنّه من الأفضل للحكومة أن تطرح المشكلة على الجميع بما في ذلك مجلس عمان لمناقشتها وهل الأمر يتطلب تنفيذ حزمة إجراءات لهيكلة المالية العامة جرعة واحدة أم أن التدرج سيكون أفضل؟.

وبين الشنفري أن الصندوق يرى أهمية تهيئة الرأي العام لتقبل التغيير، لكننا شئنا أم أبينا فإنّ تعزيز الإيرادات مطلب مفروض علينا ويجب أن نتعامل معه وبشراكة مجتمعية واسعة.

وقال الدكتور الشنفري: "نحن كجمعية غير مطلعين على أي إجراءات تتم، ولكننا لا نرى أحدا يهيئ الأرضية للمرحلة القادمة.. فالبعض يرى أن استقرار النفط عند 60 دولارا سيجعل الإدارة جادة.. كما يجب أن لا تتطرق أي حزمة إصلاحية إلى فئات هي في حاجة ماسة للدعم، أي يجب أن تكون هناك خطة لشبكة الأمان الاجتماعي".

هيكلة الموازنة

من جهته، قال الشيخ محمد بن عبد الله الحارثي رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية إن مشكلتنا تكمن في هيكلة الموازنة العامة، فحتى لو تم إلغاء 100% من المشاريع الحكومية فلن نكون قادرين على معالجة العجز، حيث إننا نحتاج لأن يصل سعر برميل النفط إلى 70 دولارا حتى تتمكن الدولة من سداد الرواتب والأجور فقط. وأضاف الحارثي أن الخطة الخمسية الحالية كانت مبنية على سعر 60 دولارا لبرميل النفط، متسائلا عن أسباب تعديل هذا الرقم إلى 75 دولارا للبرميل، مشيرا إلى أن الادعاء بأن ذلك يأتي في إطار المنافع العامة، فهذا غير صحيح.

وتابع أن نسبة التعمين في 2003 سجلت 18,5% وفي 2013 تراجعت إلى 12,5%، مشيرا إلى أن هذا يبرهن أن القطاع الخاص لم يعد قادرا على التوظيف، وكذلك القطاع الحكومي، وفي خضم ذلك كله فشلت سياسات التعمين، في الوقت الذي تحتاج في الدولة إلى توفير فرص عمل في المستقبل القريب لنحو 400 ألف مواطن عماني.

وعبر الشيخ الحارثي عن مخاوفه من أن تلجأ الحكومة إلى الحلول المحاسبية فقط فتكون التبعات أكبر، وقال إن الحلول ليست سحرية، لكنها يجب أن تكون مبنية على دراسات اقتصادية وليس معادلات حسابية.

وتحدث سلطان بن ماجد العبري رئيس لجنة الأمن الغذائي بمجلس الشورى عن ضرورة توحيد قيمة المتر في المناقصات الحكومية والذي يتراوح ما بين 800 إلى 1200 ريال، في حين إنه في القطاع الخاص أو لدى المواطن لا يتجاوز 120 ريالا. وطالب العبري القطاع الخاص بتمويل المشروعات الكبرى مثل القطار والحد من "المناقصات المليونية" في قطاع النفط، على حد وصفه.

وطالب سعادة سليم بن علي الحكماني رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى، بتمويل المشروعات الحكومية عن طريق السندات أو الصكوك باعتباره وسيلة لتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة واقتراح العديد من الحلول البلديلة والتي تقلل من أو تسد الفجوة الحاصلة نتيجة عجز الموازنة.

وتداخل الدكتور محمد حمزة رياض مستشار وزارة القوى العاملة قائلا إن الحكومة تكرر في أكثر من مناسبة أنها لن تمس المنافع الاجتماعية وأنها ستعتمد على الاستدانة من الداخل بإصدار السندات والصكوك لسد عجز الموازنة والتي تبلغ 2,5 مليار ريال، أما أسعار النفط فهي متغيرة وأن نزول الأسعار الحالي ناجم عن أسباب مفتعلة وسياسية تتعلق بروسيا وإيران إضافة إلى تقويض فرص استخراج النفط الصخري. وتوقع الدكتور حمزة ارتفاع أسعار النفط نتيجة لوجود طلب من آسيا وأوروبا.

وتساءل الدكتور نشأت الوكيل المستشار بوزارة المالية قائلا: إن الرواتب في الموازنة العامة للدولة إلى جانب المصروفات المدنية بلغت 68%، فمن يستطيع الاقتراب من الأجور والرواتب؟ إنها مشكلة كبيرة تعاني منها المالية، فيما كانت تمثل 40% في موازنة عام 2014 وارتفعت هذا العام إلى 48%.

وقال إن اقتراحات صندوق النقد الدولي ليست ملزمة، لكن يمكن الاسترشاد بها وأن تتحرك حزمة الإصلاحات وفق ظروف كل دولة وفي حدود مصالحها وبالتدرج دونما حدوث ردود أفعال غير محسوبة.

وعن تجربة الكويت في مواجهة تقلص الإيرادات نتيجة هبوط أسعار النفط، تحدث الدكتور فهد الفضالي موضحاً أن الكويت كانت تبني موازنتها المالية على سعر 60 دولارًا طوال السنوات الماضية ما حقق لها فوائض كبيرة، وصرح وزير المالية الكويتي أنه لا مساس بشرائح اجتماعية معينة، كما تم تقليص بدلات ومكافات المسؤولين بالدولة. وقال إن تركيز السلطنة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعد أحد الحلول الرئيسية والأساسية لا حتواء الراغبين في العمل الحر وتقليص الضغط على سوق العمل.

وقال عبد الرحمن اليحيائي إنّ البعض يقول إنّه أمامنا 10 سنوات حتى يعاود النفط الارتفاع ليصل إلى 100 دولار للبرميل، وطالب اليحيائي بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتشجيع الاستثمار والتوسع في المشروعات التي تنتج فرص عمل عديدة.

وطالب خلفان الطوقي الجمعية الاقتصادية العمانية بوضع تصور ووصفة علاج للخروج من هذه المشكلة والخطوات التي يجب اتباعها.

تعليق عبر الفيس بوك