ماذا لو....؟

هلال الزيدي *

مع إشراقة كُل صباحٍ تتجدد "لو" بأمنياتها؛ فتجُر خلفها آلاف الاستفهامات؛ فتتشظى الأيدولوجيات، وتنهمر التطلعات، ويتلوى الإقبال إلى التغيير؛ فتعلو الهمم تارة، وتخفُت تارات كثيرة.. أبحث عنها فلا أجدها لكنني أراها هناك، إنها تهم بالرحيل، لا إنها فعلا رحلت، غادرت المكان.. لقد كثُُر مستخدموها؛ فتعبت "لو" من بني البشر؛ فالسواد الأعظم منهم يردِّد: ماذا لو فعلت كذا..؟ وماذا لو قام "س" من الناس بكذا؟ وماذا لو بدأت بنفسي؟ وماذا لو قلت لهم كذا؟ لو كتبت ملحمة؟ لو غرَّدت بإيجابية؟ لو تواضعت للناس؟ لو أديت عملي وأتقنته؟ لو وضعت أولوياتي؟ لو قدَّست العمل وليس الأشخاص؟ لو ابتعدت عن تهميش الآخر؟ لو كنت جريئا مع الآخرين؟ ولو.. ولو...؟ نعم إنَّها "لو" الملتوية كما يسميها البعض، أو كما قال آخرون بأن "لو" تُنشئ مسرحية بفصولها المتكاملة؛ فالسؤال الذي ألحَّ عليّ كثيرا بأن يكون في الواجهة.. ماذا لو تفكَّرنا في "لو" التي نطأها بألسنتنا يوميا آلاف المرات واقتبسنا منها خططا وتطلعات ومتغيرات ستعود على مجتمعاتنا بالفائدة؟ وهل عندما نلوك "لو" بصفة مستمرة يُعتبر هذا هروبًا من واقع مؤلم، أم أنه فقط كي نُشعر أنفسنا بأننا نفهم كل شيء ونُدرك جُل شيء؟

لكن لو جِئْنا لأصل "لو" اللغوي، فسنجدها حرفا ينزلق من ألسنتنا صباحا ومساء دون الشعور به، وكثيرا ما نستخدمه للتحسر على شيء وقع لكنه لم يكتمل من وجهة نظرنا.. ففي اللغة تعد "لو" حرفَ امتناع لامتناع، وكما قال النحاة فإنه يأتي "حرف مصدري، يُسبَك منه ومما بعده مصدرٌ مؤول، وحرف تقليل وحرفٌ للعَرض، وللتمنّي وحرف وصل وحرف شرط، غير جازم".

تحملُ "لو" الكثيرَ من الأفكار من وجهة نظري.. ولو تفكَّرنا في بعضها وليس جميعها فعلا، سنجد ما يُمكن أن يُنقذ أجيالًا قادمة ويؤسِّس لمرحلة بناء جديدة على مُستوى تشكُّل المجتمعات؛ فهناك العديد من الإبداعات النظرية تربط بـ"لو" سواء قبل البداية أو عند النهاية ورؤية النتائج.. وجميعها لا ضير فيها "لو" وجدت من يتحسس كيانها ويقرأ ما بين حروفها، فمثلا لماذا لا تضع كل جهة من الجهات من يقتفي أثر "لو" ويصنع منها مشروعات تخدم المجتمع؟ فرب مشروع عملاق ولد من فكرة بسيطة، ورب متغيرات حدثت من شرارة يتيمة.. لذلك تعتمد الكثير من المؤسسات العالمية على وجود قسم يدعى بقسم المفكرين (Thinkers) ومهمتهم فقط التفكير في مستقبل المؤسسة وكيفية ابتكار المشروعات لفائدة المجتمع والمحافظة على ديمومة المؤسسة نفسها؛ حيث يقوم هؤلاء المفكرون بوضع جملة من الأفكار وتحويلها إلى دائرة تُعنى بالتخطيط والتنفيذ، ودائما ما يتكوّن هؤلاء من خليط من الخبرات والشباب لإيجاد تجانس وتوافق في إيجاد الأفكار الإبداعية، ويعملون وفق خطط وبرامج سنوية أو نصف سنوية لتحديد مكامن النجاح ومعرفة أسباب الإخفاق.

مثلا لو، والقصد هُنا أنْ نضع أمنياتنا أو متطلباتنا على هيئة "لو"؛ وذلك من أجل إعطاء هذا الحرف أهميته في الفعل والتنفيذ.. ماذا لو قامت وزارة الصحة بحملة الفحص الطبي الشامل السنوي لجميع المواطنين وخصَّصت مستشفيات أو مراكز صحية لهذا الغرض نظير مقابل مادي بسيط يدفعه المواطن بدل اللجوء والسفر إلى خارج السلطنة لعمل الفحص الشامل؟ فلو قامت الصحة بذلك لاكتشفت العديد من الأمراض في فترة مبكرة، واستطاعت حصرها والسيطرة عليها، وقللت من الكلفة العلاجية عندما تتأزم الأمراض وتستفحل في الأشخاص.. عافاكم الله وعافاني.

ماذا لو قامت الحكومة بمختلف وحداتها وأجهزتها الإدارية بإعطاء السيارات الحكومية عطلة ليوم واحد (24 ساعة) على مختلف المستويات الوظيفية من الوزير وحتى الغفير؟ حقاً لقللنا من الاعتماد الكلي على السيارات الحكومية، ولزرعنا في الموظفين كافة خاصة ممن يستخدمون السيارات الحكومية بحكم مناصبهم أو مهمامهم الوظيفية في بناء الوطن والمساهمة في التقليل من الإنفاق العام، وإراحة تلك السيارات التي تجوب الشوارع ليل نهار بداعٍ أو بدون داعٍ.

ماذا لو فكرنا بجدية وشفافية مطلقة في الاهتمام بالأجيال عبر مراجعة المنظومة التعليمية المتمثلة في المناهج وطوعناها بما يلاءم العصر ومتغيرات المرحلة الراهنة بالارتكاز على الهوية الوطنية والقيم التي تُعزز الثقة في الطالب ليكون مواجها للمستقبل؛ وذلك حسب توجهاته ورغبة في دراسة المجال الذي يُحبه منذ مراحل الأولى للحياة التعليمية؟ حقا سيختلف الوضع عما عليه الآن.

ماذا لو قام كل موظف أيا كانت وظيفته بتقديس العمل الذي يقوم به بدلا من التزلف وتقديس وتقبيل المسؤول حتى يحظى بالقبول السطحي؛ مما يؤدي لضعف الإنتاجية؟ فحقا ستكون النتيجة قوية في تنفيذ الأعمال الموكلة إلينا في وقتها، ولاختفى التذمر؛ لأننا نعمل من أجل العمل وليس من أجل فلان ليقول عني بأني منتج.

ماذا لو استطعنا أن ندير أزمة انقطاع الماء والكهرباء بين الفينة والأخرى، ووضعنا الحلول المناسبة؛ كونها مشكلة مُتكررة؟ فربما نخفِّف المعاناة عند وقوعها، بدلا من أن ندعو عند حدوث الأزمة إلى عدم الإسراف في الاستهلاك.

ماذا لو قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بوضع شاشات في الجوامع لترجمة خطب الجمعة لغير الناطقين بالعربية؟ أتوقع لتغيَّر الوضع ولأنصت الجميع وفهم أولئك الذين لا يتحدثون اللغة العربية أهمية خطبة الجمعة.

همسة: ومن أجل "لو"؛ فقد قال الشاعر إبراهيم أحمد الوافي في كتاب "الياسمين":

لو كنتِ كالأخريات...

وكنتُ أنا عابرا في الطريقْ

ما التقينا على مفرق المفردات...

وسكبنا على القارئينَ الرحيقْ

أنتِ يا قبلةَ السحرِ يا ( مَلكانَ ) القصيدةِ...

يا طفلة الروحِ

كيف تنامينَ بعدي...!

آخر الدمع يجدي؟!

غصَّةُ الليل بالذكرياتِ...

برودةُ كلِّ ( الكبائنِ).

* كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك