مجلس الدولة يوصي بوضع إستراتيجية وطنية لقطاع التعدين وإنشاء مركز للمسح الجيولوجي ودعم استقلالية "الهيئة"

الغتامي: تقرير اللجنة الاقتصادية يبرز تحديات قطاع التعدين ويقترح حلولا لتحسين العوائد

الأعضاء: تحديات تشريعية وتنظيمية واقتصادية تواجه نمو قطاع التعدين في السلطنة

الرُّؤية - عهود المقباليَّة

وافق مجلسُ الدولة، أمس، على تقرير اللجنة الاقتصادية بشأن "القوانين المنظمة لاستغلال قطاع التعدين في السلطنة "، ورفعه إلى الحكومة بعد الأخذ بالملاحظات التي أبداها المكرمون الأعضاء حول التقرير.. جاء ذلك خلال جلسة المجلس الاعتيادية الثالثة عشرة لدور الانعقاد السنوي الرابع من الفترة الخامسة، التي ترأسها معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة، وبحضور المكرمين الأعضاء وسعادة الدكتور الأمين العام للمجلس.

وألقى معالي الدكتور رئيس المجلس كلمة في بداية الجلسة، رحَّب فيها بالمكرمين الأعضاء، موضحا من خلالها جدول أعمال الجلسة.

عقب ذلك، ناقش المجلس تقرير اللجنة الاقتصادية حول "القوانين المنظمة لاستغلال قطاع المعادن في السلطنة"؛ حيث استهل رئيس اللجنة الاقتصادية النقاش بالإشارة إلى أنَّ التقرير جاء للإسهام -إلى جانب الجهود المقدرة التي تبذلها الحكومة- في تنظيم قطاع التعدين الواعد، إيمانا من اللجنة بالأهمية الاقتصادية لهذا القطاع؛ باعتباره ركيزة أساسية للقطاع الصناعي، ويساهم بفاعلية في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وجذب الاستثمارات، علاوة على زيادة الصادرات وتعزيز ميزان المدفوعات.

وأوضح رئيس اللجنة الاقتصادية أنَّ التقرير يهدفُ إلى تسليط الضوء على واقع قطاع التعدين والثروات الطبيعية في السلطنة، وأهم الأنظمة المعمول بها في هذا القطاع، والتحديات التي تعيق الاستغلال الأمثل لموارد القطاع المختلفة واقتراح الحلول المناسبة لزيادة كفاءته وتحسين عوائده الاقتصادية والتنموية المأمولة منه.. وتابع الغتامي قائلا إنه تم إنشاء هيئة خاصة بالتعدين في سبتمبر 2014، موضحا أن وجود هذه الهيئة سيسهم في وضع إستراتيجية متكاملة للقطاع.. لافتا في السياق ذاته إلى أنَّ تقرير اللجنة يهدف للوقوف على أهم المعوقات والتحديات التشريعية والإدارية والتخطيطية والاقتصادية التي يواجهها القطاع.

وأكد -في ختام كلمته- أن تعزيز الاستثمار في هذا القطاع وتحسين الأداء الاقتصادي المرتبط به، يتطلب مراجعة القوانين واللوائح المنظمة لهذا القطاع، بما يعكس أهميته كمورد طبيعي قابل للاستنزاف إن لم يتم استغلاله بالشكل الأمثل، وإيجاد منظومة تشريعية واضحة وشفافة تسهل على المستثمر إجراءات الحصول على التراخيص، وتضمن للدولة عوائد اقتصادية تتناسب مع ما تحتويه جيولوجية السلطنة من ثروات معدنية وتحافظ على سلامة البيئة.

أهمية اقتصادية

وأكَّد المكرم المهندس سالم الغتامي رئيس اللجنة الاقتصادية -في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"، عقب الجلسة- أن قطاع المعادن يحمل أهمية اقتصادية كبرى، تكمن فيما تذخر به السلطنة من خامات معدنية عديدة تعد برخاء اقتصادي للأجيال المقبلة. وقال إنَّ القطاع لم يستغل حتى الآن على النحو الأمثل، على الرغم من وجود العديد من الدراسات التي أثبتت وجود كميات كبيرة ومؤكدة للعديد من المعادن في مختلف محافظات السلطنة؛ لذا جاءتْ هذه الدراسة بهدف دعم القطاع، خاصة في ضوء إنشاء هيئة مختصة بالمعادن، ستقوم بتطوير هذا القطاع وتوظيف إمكانياته؛ لذا فإنَّ الدراسة تطرقت إلى طبيعة الواقع الحالي للتعدين في السلطنة، وما هي المعادن التي تتوفر باحتياطات كبيرة في السلطنة.

وأضاف الغتامي قائلا: إن جميع الدراسات أثبتت احتياطات كبيرة من المعادن ذات كميات تجارية ونادرة في السلطنة، وهو ما يفرض على الجهات المعنية في الدولة توظيف هذه المعادن على نحو اقتصادي. وتابع بأنَّ قطاع التعدين في السلطنة مر بمراحل تطور مختلفة خلال السنوات الماضية، من حيث إنشاء شركات وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع. وأوضح أنه على الرغم من أن هذا القطاع يواجه تحديات عديدة منها تحديات تشريعية فيما يخص القوانين المنظمة لهذا القطاع، وصعوبة الاجراءات في بعض اللوائح. وتابع أن هناك صعوبة في فترة صلاحية التراخيص وتدخل أكثر من جهة لإعطاء التصاريح اللازمة، علاوة على أن هناك تحديات إدارية متعددة وأخرى تخطيطية؛ نظرا لأنَّ الخرائط ينبغي تحديثها بين الحين والآخر.. مشيرا إلى أن علم المسح الجيولوجي يتطور من فترة لأخرى؛ الأمر الذي يستدعي تحديث هذه الخرائط وتحديث المواقع التعدينية وتوفير البيئة الاساسية لها وتطوير الدراسات القائمة.

وأبرز الغتامي التحديات الاقتصادية، والتي تتمثل في محدودية السوق العماني، لكنه أكد أنَّ هذا لا يمنع استغلال هذه المعادن من خلال التصدير الخارجي، بجانب استغلال المادة الخام عبر إنشاء مصانع تحقق قيمة مضافة في الاقتصاد وفي الناتج المحلي للسلطنة.

ومضى الغتامي في حديثه لـ"الرؤية" بالقول: إنَّ الدراسة التي أعدها المجلس خرجت باستنتاجات وتوصيات من أهمها موافقة الأعضاء على ضرورة وضع إستراتيجية وطنية واضحة المعالم وطويلة الأجل للقطاع بالسلطنة، على الرغم من أن ذلك من اختصاص الهيئة التي تم تشكيلها، لكن المجلس -وفي هذا الإطار- يحثُّ الهيئة على التعجيل بوضع هذه الإستراتيجية.

وحول طبيعة القانون الجديد المرتقب للتعدين، قال الغتامي إنَّه يجب استحداث مواد جديدة في القانون تنظم التعامل مع المعادن النادرة بالسلطنة وتطبق العقوبات على الأفراد والشركات المخالفة، علاوة على ضرورة وضع منظومة تشريعية واضحة وشفافة تسهل على المستثمر إجراءات الحصول على التراخيص، وتضمن للدولة عوائد اقتصادية مجدية تتناسب مع ما تحتويه جيولوجية السلطنة من ثروات معدنية. وحث الغتامي على أهمية تأسيس شركات مساهمة عامة وأهلية لتنظيم العمل في القطاع واستغلاله الاستغلال الأمثل، فضلا عن الاهتمام بتنمية الموارد البشرية العاملة في قطاع المعادن.

وبيَّن الغتامي أنَّ من بين المقترحات التي وافق عليها الأعضاء: إنشاء مركز وطني للمسح الجيولوجي يتبع الهيئة العامة للتعدين.. لافتا إلى أنَّ إنشاء هذا المركز سيساعد على دراسة فرص الاستثمار المتاحة، وإعداد وتحديت الخرائط الجيولوجية للمواقع التعدينية والمصادر الطبيعية الأخرى مثل المياه الجوفية ورصد ومراقبة ودراسة المخاطر الجيولوجية والبيئية في الحد من آثارها.

أهمية المعادن

فيما تناول المكرم محمد التوبي مُقرِّر اللجنة الاقتصادية بالمجلس، أهمية المعادن في حياة الانسان، التي تعتمد اعتمادا شبه كلي على المنتجات المشتقة من المعادن كالغذاء والدواء وصناعة الطائرات والمركبات والآلات والصناعات الثقيلة والبناء وأبراج الطاقة والاتصالات وتوصيلاتها والأدوات الطبية والزينة والمجوهرات والصناعات الحربية، وصولا إلى المركبات الفضائية. وأضاف التوبي بأنَّ الدراسات أثبتت توافر كميات احتياطية كبيرة ومؤكدة للعديد من المعادن في السلطنة، والتي من المهم التخطيط لكيفية الاستفادة منها وتوظيف الخامات المعدنية الفلزية واللافلزية كمدخلات لصناعات محلية أو عالمية ذات عوائد اقتصادية، وإنشاء المصانع ذات التقنيات المتقدمة في هذا المجال والتي ستعمل على توفير العديد من الوظائف المباشرة وغير المباشرة ابتداء من مراحل استخراج الخامات المعدنية من المحاجر والمناجم، ومروراً بمراحل التصنيع والنقل، إلى المناولة في الموانئ، والتي تقدر عائدات مثل هذه المشروعات بمبالغ مالية كبيرة.

واستعرض مقرِّر اللجنة الاقتصادية -خلال كلمته- جهودَ الحكومة الرشيدة وعنايتها بقطاع المعادن منذ فجر النهضة المباركة، موضحا أنه وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والمقدرة التي بذلتها تلك الجهات في إدارة وتنظيم القطاع، إلا أنَّ مساهمته في الناتج القومي ظلت متواضعة ودون المخطط لها، في حين أنَّ الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني تهدف لرفع الأهمية النسبية لقطاع المعادن في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 2 في المئة في العام 2020. واختتم مقرر اللجنة كلمته قائلا: "نظرا لأهمية هذا القطاع الاقتصادي عالميا واعتماد الكثير من دول العالم عليه في ناتجها الوطني، ورغبة من اللجنة الاقتصادية بالمجلس في النهوض به وتعزيز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وتمكينه ليؤدي دورا أكبر في تنويع مصادر الدخل الوطني الوطني وتوثيق الشراكة الفاعلة بين أطراف الإنتاج الثلاثة، فقد أعدت هذا التقرير على مدى عامين، عقدت خلالهما عددا من الاستضافات للمعنيين والخبراء والمستثمرين والمقاولين بقطاع المعادن في السلطنة، من عدد من الجهات واللقاءات والزيارات الميدانية مع جميع الأطراف ذات الصلة.

واطلع أعضاء المجلس خلال الجلسة على الرسائل الواردة للمجلس، وعلى تقرير الأمانة العامة حول أنشطة المجلس للفترة الواقعة ما بين الجلستين العاديتين الحادية عشرة والثانية عشرة والجلسة العادية الثالثة عشرة لدور الانعقاد السنوي الرابع من الفترة الخامسة، إضافة إلى إطلاعهم على محضر اجتماع المكتب مع المكرمين رؤساء اللجان المنعقد بتاريخ 15 من فبراير.

إلى ذلك، شهدت الجلسة مناقشات بين الأعضاء حول أهمية هذا القطاع وضرورة توظيفه بشكل إيجابي، خاصة وأنه أحد القطاعات الاقتصادية المهمة. وطالب الأعضاء بتوحيد القوانين، وأن تكون هيئة المعادن جهة مستقلة لا تتبع اي وزارة، وأن يتم منحها كافة الصلاحيات اللازمة لتيسير الإجراءات للمستثمرين، وضرورة وضع إستراتيجية وطنية للحد من استنزاف المعادن، والتأكيد على أهمية إنشاء مركز وطني للمسح الجيولوجي.

تعليق عبر الفيس بوك