آثار "بات" تواجه خطر الاندثار تحت مطرقة الإهمال وعوامل التعرية .. وأهالي الظاهرة يطالبون بتطوير خدمات المواقع التاريخية لتعزيز الجذب السياحي

الناصري: مراعاة المواقع الأثرية يبرز عراقة وأصالة الحضارة العمانية القديمة

المقبالي: بلدة بات في أمس الحاجة إلى الاهتمام الخاص من قبل الجهات المعنية

الريامي: دعوة لتشكيل فريق عمل مشترك بين الجهات المعنية لتطوير الموقع الأثري

الزيدي: وضع خطة شاملة للمدينة الأثرية يعيد إحياء البلدة

العبري: على الجهات المعنية التحرك سريعًا لإنقاذ "بات"

الرؤية - ناصر العبري

تواجه الآثار والمواقع التاريخية في بات والخطم والعين بمحافظة الظاهرة مخاطر الاندثار مع تزايد الإهمال وتسارع عوامل التعرية، الأمر الذي دعا أهالي المحافظة إلى رفع نداء استغاثة لحماية هذه الآثار التاريخية التي تجسد حضارات خلت من قبل، ومناشدة الجهات المعنية تطوير الخدمات في هذه المواقع بما يخدم الحركة السياحية ويعزز جذب السياح إليها.

وتعد هذه الآثار ثاني موقع يتم إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي في عام 1988، والموقع عبارة عن قبور من طراز أم النار، وفي الجزء الشمالي قبور خلايا النحل التي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وتشبه في بنائها المدافن التي بنيت في فترة حفيت، كما تتضمن هذه المواقع مقبرة تحتوي على 100 مدفن مبنية من الحجارة ويبدو فيها التطور من مدافن خلايا النحل إلى مدافن فترة أم النار.

وقال سعادة المهندس حميد بن علي الناصري عضو مجلس الشورى ممثل ولاية عبري إن بلدة بات تعد من البلدان الأثرية الضاربة في القدم، ومسجلة عالميا، مشيرا إلى أن ما نشاهده من تردد السائحين عليها من داخل السلطنة وخارجها، يأتي بفضل سمعتها وشهرتها التاريخية. وأضاف أن هذه الآثار تعد معلمًا من المعالم الرئيسية في السلطنة، من حيث الجذب السياحي والتراث والحضارة القديمة، ونظرا لهذه المكانة فلابد من أن تلتفت إليها الحكومة والجهات المعنية بشكل عاجل، للعناية بها وإظهارها بالمظهر المشرف، لما يقدمه الموقع من رسائل واضحة تبرز مدى تطور السلطنة بتاريخها وتراثها العريق، داعيا وزارة التراث والثقافة ووزارة السياحة ووزارة النقل والاتصالات إلى تطوير مدينة بات بما يليق بمكانتها وتاريخها. ومضى يقول إن مدينة بات ينقصها الكثير من المرافق والمشاريع الحيوية، مشيرا إلى أنّ المدينة تحتاج إلى مشاريع طرق وتوفير البنية الأساسية المهمة سواء كانت الطرق الداخلية أو تلك المؤدية إلى المدافن والآثار. وأوضح أن من يصل إلى آثار بات يكتشف أن هذه الآثار لم تحظ بأي لمسات تدل على الاعتناء بها، فهي تحتاج إلى صيانتها والمحافظة عليها وإنشاء المواقف والمرافق الصحية والمحلات واستراحة ومتحف خاص بها، ووضع لوائح إرشادية وطباعة نشرات ومطويات وإنشاء مكاتب للإرشاد السياحي وغرف للحراس.

وأكد الناصري أنّ مدينة بات مدينة جميلة وتحتاج إلى جهود الحكومة حتى تكون معلمًا من المعالم السياحية تثري الروافد الاقتصادية، لاسيما في ظل توجه الحكومة إلى تنويع مصادر الدخل.

وقال وليد عبد الله المقبالي: "من يدرك الإرث التاريخي الكبير لمدافن بات ثم يقوم بزيارة إلى هذا المعلم يفاجئ بحجم الإهمال الذي يتعرض له الموقع، فالطريق المؤدية إلى المدافن غير معبدة، ولا تتوفر في الموقع أية مرافق خدمية للسائحين؛ كاللوحات الإرشادية والاستراحات والأدلة السياحية والمرشدين ودورات المياه والمحلات". وأضاف أن بلدة بات لم تلق الاهتمام المطلوب والكافي من الحكومة رغم أهميتها التاريخية، فلا يوجد ما يشجع السائح على زيارة البلدة، بدءًا من الطريق القادم من الدريز والمؤدي إلى بات، حيث إنه معالج معالجة سطحية فقط ودائمًا ما تنقطع الإنارة فيه، عوضا عن خلوه من الأكتاف، بما لا يراعي معايير الأمن والسلامة، وتم تخطيطه على نحو عشوائي، ما أدى إلى زيادة الحوادث المرورية وكان سببا لتضرر المتنقلين بسياراتهم تضررا يمس الإنسان ووسيلة النقل. وتابع: أنه بالاتجاه لمركز القرية عند مدرسة بات، يضيق الطريق وسط النخيل، حتى إنه يتوقف كليا في فترات الذهاب والعودة من المدرسة، مع العلم بأنه الطريق الوحيد المعبد والمؤدي إلى المدرسة.

وشدد المقبالي على أن بلدة بات تحتاج إلى اهتمام خاص من قبل الحكومة في كافة الجوانب، مشيرا إلى أنّ هناك حلولا إيجابية من شأنها أن ترتقي بهذه البلدة وبمعلمها التاريخي الكبير، منها على سبيل المثال لا الحصر: إصلاح الطريق المؤدي إلى البلدة (خط الدريز- بات)، وتعبيد طريق بات- العبلةـ ووضع بدائل للطريق المؤدي إلى مدرسة بات، وفتح الأبواب للمستثمرين ورجال الأعمال للاستثمار في البلدة، بإنشاء الاستراحات السياحية والمرافق الخدمية الجاذبة بشرط خلق البيئة الاقتصادية المشجعة للمستثمرين وتوفير مراكز للإرشاد السياحي تتوفر به الأدلة السياحية، علاوة على تنفيذ الندوات واللقاءات السياحية والاقتصادية، والتي من شأنها أن تقدم الحلول والأفكار، وكذلك العمل على إشراك المجتمع المحلي في عملية تطوير البلدة بإشراكهم والأخذ بآرائهم ومقترحاتهم.

مقابر أثرية

وقال خليفة بن حمد الريامي إن مدينة بات الأثرية حافلة بتاريخ ضارب في القدم يصل عمره للألف الثالث قبل الميلاد، كما أن الزائر للمقابر الأثرية يدرك حجم الحضارة التي كانت تستوطن هذه المنطقة، والتي كان يطلق عليها "حضارة أم النار". وأضاف أن أشكال المقابر وأحجامها تتعدد، إلا أن غالبيتها تشبه خلايا النحل في التصميم، وتستقطب المنطقة أعدادا كبيرة من السائحين من مختلف الجنسيات. وأبدى الريامي أسفه من أن البلدة تفتقر للكثير من الخدمات السياحية التي يحتاجها الزائر مثل الاستراحات ودورات المياه العامة واللوائح الإرشادية والمنشورات وغيرها. ولفت الريامي إلى أن الموقع تأثر بعوامل التطور الحديث؛ حيث إن الترميم الذي تشرف عليه وزارة التراث والثقافة شابه الكثير من التغيير للمعالم الأثرية، حيث رمم بواسطة صخور بيضاء لا تمت للموقع بأي صلة وتمت إضافة بعض المجسمات الغريبة، كما أن بلدة بات تفتقر للكثير من الخدمات المهمة للسائحين والأهالي. وتابع أن البلدة بحاجة إلى رصف الطرق الداخلية وإنارتها وخاصة الطريق الذي يخدم الموقع الأثري ومدرسة بات للبنات، والذي سيخفف الزحام عن الطريق الداخلي الضيق.

وقال الريامي إنّ التنسيق غائب بين الجهات الحكومية خلال تنفيذ المشروعات المختلفة، داعيا إلى تشكيل فريق عمل مشترك بين كل من وزارة التراث والثقافة ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ووزارة السياحة ووزارة النقل والاتصالات والجهات ذات الصلة، بما يضمن الخروج بتوصية تنقذ الموقع وتنهض به في سبيل الرقي بالمواقع الأثرية.

التراث العالمي

وقال حمد بن سالم المقبالي: "تعد آثار بات من المعالم الأثرية والتاريخية في سلطنة عمان بشكل عام وفي محافظة الظاهرة بولاية عبري بشكل خاص والتي تم تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو لعام 1988م ولكن هذه الآثار تفتقر لمقومات السياحة وكذلك بلدة بات تفتقر للبنية التحية؛ حيث إن الطريق المؤدية إلى هذه الآثار ترابية وليست معبدة، ولا يوجد بالبلدة محلات تجارية أو مطاعم واستراحة قريبة من هذه الآثار. وشكا المقبالي من عدم وجود لوائح إرشادية للسائحين للتعريف بهذه الآثار، داعيا الحكومة الرشيدة للاهتمام بهذا المعلم الأثري وتوفير الخدمات الأساسية لجلب المزيد من السياح لهذه الآثار.

وقال محمد بن سالم المقبالي إن آثار بات تستغيث، وهي من الآثار التاريخية العريقة ومن المعالم السياحية الأثرية المدرجة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، بالإضافة إلى قلعة بهلا وحيوان المها العربي في جدة الحراسيس.

وقال ماجد بن عبدالله المقبالي إن السلطنة تزخر بالعديد من المقومات السياحية والتاريخية، لكن الكثير منها يُعاني الإهمال وعدم الاهتمام، الذي يجعل منها متنفساً للسائح والمواطن الذي لطالما يبحث عن أماكن سياحية وترفيهية في بعض دول الجوار.

وأضاف أنّه كلما يتبادر بأذهاننا ذكر المواقع الأثرية التاريخية الموجودة في السلطنة، يذهب بنا التفكير نحو مدافن بلدة بات الأثرية التي تعود للألف الثالث قبل الميلاد، والتي سُجِّلت في منظمة اليونسكو كثاني موقع تراثي عُماني بعد قلعة بهلا التاريخية، هذه المدافن لاقت تجاهلا غريبا في المؤتمر الدولي للمنتزهات والمواقع الأثرية الذي أقيم في السلطنة في فبراير الماضي وقُدِّمت فيه 33 ورقة عمل ضمن عدة محاور تعرض وتناقش التجارب الدولية في حماية وإدارة مواقع التراث العالمي وتبرز دورها في المحافظة على أصالة وسلامة هذا التراث بأبعاده الوطنية والدولية وحماية الموارد الثقافية والطبيعية ضمن المشهد الأثري خدمة للمجتمعات المحلية.

الجذب السياحي

وأوضح المقبالي أن السائح الذي ينوي زيارة مدافن بات الأثرية يظن أنه سيجد موقعا أثريا تاريخيا قديما مهيئا للسياحة، تتوفر فيه كافة الخدمات والتسهيلات من شارع معبَّد ومواقف للسيارات ومكتب سياحي ومتحف تراثي ومرشد سياحي بالإضافة لتوفر شقق فندقية ومحلات تجارية، لكنه يتفاجئ بموقع مهجور ومندثر، حيث تغيب اللوحات الإرشادية والمنطقة تفتقر للخدمات. وتابع أنه على الرغم من ذلك، لا يزال الكثير من السائحين الأجانب والعمانيين يتوافدون على البلدة خاصة في أوقات الإجازات.

وأشار إلى أن هناك استثمارات يمكن ضخها في هذه البلدة، من خلال إقامة مشاريع اقتصادية وخدمية تخدم كافة شرائح المجتمع وتخدم الزائرين، ومع تشييد جامع بات الجديد في هذه الفترة ، وبدء تشغيل محطة شل للوقود لا زالت البلدة تحتاج للعديد من المشاريع التنموية منها رصف الشارع المؤدي للموقع الأثري والشارع المؤدي لمدرسة بات للتعليم الأساسي، لاسيما مع معاناة المعلمات وسائقي الحافلات من الطريق الداخلي الضيق المؤدي للمدرسة. وأوضح أن البلدة في حاجة إلى إنشاء متنزه سياحي ترفيهي، يكفل توفر الراحة والمتنفس الآمن للعائلات، بجانب إقامة مجمع تجاري يسهل عملية توفير الوقت والجهد لساكني البلدة وبناء شقق فندقية ودورات مياه عامة.

نقص الخدمات

وقال خميس بن حمد بن خميس الزيدي: "تقع بلدة بات شرق مدينة عبري وتبعد عنها مسافة 30 كيلومترا، ويعد بات أهم موقع أثري في السلطنة كونه يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وتضم نحو أكثر من 500 قبر تأخذ شكل خلايا النحل وبأحجام مختلفة أكبرها مساحة وارتفاعا برج الزبة (الرجوم).

وأضاف أن الحفريات بدأت مع البعثة الدنمركية في أوائل الثمانينات، واستمرت إلى يومنا وتتوالى تباعًا بمشاركة شباب البلدة، لكنها الآن تفتقر للعديد من الخدمات والترميم الذي يجعل من موقع بات جاذبًا للسياحة.

وتحدث الزيدي عن مستوطنة بات الأثرية، وقال إنها تحتوي على مدافن من طراز أم النار، والتي تم التعرف عليها عن طريق نظام الجدار الداخلي فيها ومن خلال قطع الفخار المبعثرة حولها، ويحتوي الجزء الأخر من المستوطنة على مدافن خلايا النحل وهي تشبه في بنائها مدافن فترة حفيت.

وشكا الزيدي من عدم وجود طريق رئيسي للبلدة وذلك بسبب اعتراض وزارة التراث للطريق الترابي الذي يعتبره أهالي البلدة الطريق الحيوي للبلدة، ناهيك عن عدم وجود لوائح إرشادية سياحية من مركز الوﻻية إلى موقع المستوطنة، كما يفتقر هذا الموقع للطرق المعبدة والمرافق الخدمية (مثل اللوائح الإرشادية التعريفية عن الموقع ودورات مياه ووسائل التنقل للسائح مثل عربات النقل وممرات ممهدة للمشاة).

ودعا الزيدي الجهات المعنية مثل وزارة التراث والثقافة ووزارة السياحة ووزارة البلديات الإقليمية ووزارة النقل والاتصالات إلى الإسراع في وضع خطة شاملة متكاملة محددة للاستفادة القصوى من هذه المستوطنة لما له من أثر بارز في تطوير السياحة والحفاظ على تراثنا.

وقال الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة الحدث العمانية عادل بن سليم العبري إن الناظر إلى مدينة بات الأثرية لا يراها إلا مجرد أكوام من حجارة تتناثر في البقاع والمرتفعات، بينما تنسج المخيلة الشعبية حولها قصصًا وأساطير تحاول أن تعطي لها تفسيرًا، لكنهم لا يعلمون أنّ هذه الأكوام تعود بزمنها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأن سكانها قد عاشوا في عصر أطلق عليه العصر البرونزي. وأضاف أن المسافة التي تفصل بين تلك الأبراج الشبيهة بخلايا النحل، وبين سكان بات الحاليين، تصل إلى خمسة آلاف سنة، لذلك من يزور هذه المستوطنة الواقعة في جهة الشرق من ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، سيكون قد حظي بزيارة استثنائية للتاريخ، كما أنّ الوقوف عند أطلالها وأبراجها أشبه بقراءة فصول مثيرة من ذلك الزمن البعيد، وكلما أمعن الزائر النظر إلى تلك الأبراج، تلوح له قسمات من ملامح حضارة عُمانية موغلة في القدم.

لكن العبري أبدى حزنه على ما وصلت إليه القرية من تدهور، وقال إنّ المحزن في الأمر أنّ هذا الأثر العظيم يواجه خطر الاندثار، بسبب ضعف الحماية اللازمة له، فيما كان يأمل الأهالي أن يتم إنشاء متنزه سياحي بجانب الموقع.

تعليق عبر الفيس بوك