"200عدد Xخمسون عاما"

عبيدلي العبيدلي

"200 عدد X خمسون عاما".. كان هو العنوان الذي اختارته إدارة تحرير فصلية "السياسة الدولية"؛ احتفالا بمرور نصف قرن على انطلاقتها. مهَّد لملف الاحتفالية مُؤسِّس المجلة بطرس بطرس غالي بالقول "كانت ("السياسة الدولية) هي المجلة العربية الدورية الأولى الموجهة إلى القارئ العام في مجال كان الاهتمام به مقصورا على نخبة ضيقة من دارسي العلوم السياسية والدبلوماسيين، وبعض المشتغلين بالعمل العام. وهذه نقلة نوعية حققتها المجلة؛ حيث جعلتْ قضايا السياسة الدولية جزءا من النقاش العام الذي تجاوز الأوساط الأكاديمية، والدوائر المتخصصة، ومنتديات المثقفين، وانتشر في المجتمع... (معتبرا ذلك) إنجازًا في حد ذاته، لأن الكثير من المجلات والمطبوعات التي صدرت في ذلك الوقت، وبعده، توقفت أو أغلقت. وعندما تبقى مجلة متخصصة لمدة نصف قرن؛ فهذا يعنى أنها قادرة على الاستمرار، فضلا عن أن الحاجة إليها لا تزال قائمة، بل ازدادت عما كانت عليه قبل نصف قرن".

ومن جانب آخر، أفردتْ المجلة مجموعة لا بأس بها من صفحات عددها لمن يعتبر مؤسسها الحقيقي محمد حسنين هيكل "بمقدار ما كان بطرس بطرس غالى هو مؤسسها الفعلي". ولهذا وجدنا هيكل يقول في مقابلته مع "السياسة الدولية"، أنه في "العام 1965 فيما لم يكن ممكناً التفكير فيه حينئذ وهو إصدار مطبوعات متخصصة في القضايا السياسية والاقتصادية. لم يكن العالم العربي كله يعرف هذا النوع من المطبوعات، عندما فكر إصدار مجلة "السياسة الدولية" الفصلية، ومجلة "الأهرام الاقتصادي" الأسبوعية".

ويُشير هيكل في ذلك اللقاء إلى أنَّ "نموذج (فورين أفيرز)، ماثلا أمامي، ورأيت وقتها أن هناك ضرورة لاستشراف ما هو أبعد من المرئي على الساحة الدولية، لذلك وبعد أن ذهبت إلى "الأهرام" مع السيد بشارة تقلا وكان لديه مشروع إصدار مجلة الأهرام الاقتصادي، بإشراف الدكتور بطرس غالى، وكانت فكرة مجلة للسياسة الدولية في الوقت نفسه تلح على، واقترحت على بشارة تقلا أن يتولى د.بطرس غالى رئاسة تحريرها، وكنت أثق به وأقدره، رغم اختلافنا في أمور كثيرة".

... مسألة في غاية الأهمية يُشير لها هيكل في هذا اللقاء، عند تناوله الوضع العربي القائم قائلا "أكثر ما أخاف منه في اللحظة الراهنة -رغم تعدد المخاوف- هو أن تكون الأمور قد خرجت من أيدي أصحابها، وأصبح اللاعبون الأساسيون في المنطقة إمَّا قوى أجنبية وإما قوى إقليمية، والسؤال المخيف فعلًا هو: إلى أي مدى ستستمر صراعاتنا في المنطقة على هذا النحو؟ والطارئ الجديد المهم هو الانخفاض المستمر في أسعار البترول، الذي يُؤثر بشكل كبير في الصراع الدائر في المنطقة؛ لأن الدول التي استطاعت أن تكون طرفًا في الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط لن تستطيع استكمال هذا الدور بدون البترول، لذلك ينبغي أن نهتم ببحث هذا القطاع، والتداعيات المترتبة عليه، وبالتالي الخطر كبير، لأن جميع الجبهات أصبحت مفتوحة وهناك أطراف خارجية تعمل فيها كما تشاء، وبعض العرب كانوا موجودين فيها كطرف أساسي بقوة تأثير المال فقط، ومصر موجودة كطرف أساسي بحكم تاريخها، وموقعها، وباقي النظم العربية غير موجودة؛ فالعراق وسوريا في لهب العاصفة، والجزائر مقبلة على مشاكل؛ وبالتالي نحن أمام جراح مفتوحة، وبؤر متوترة، ووجود عربي ضعيف قد يتراجع أو يتأثر جدًا في المستقبل القريب نتيجة انخفاض دخل الممولين الرئيسيين والمؤثرين في حل مشاكل المنطقة، جراء تراجع أسعار البترول، وهنا ستكون المشكلة كبيرة جدًّا".

حفلتْ المجلة بموضوعات قيمة غزيرة في معلوماتها عميقة في تحليلاتها. من بَيْن تلك الدراسات القيمة تلك تلتي أعدها الخبير النفطي العراقي وليد خدوري حول "تراجع أسعار النفط ونتائجه"، والتي يرى فيها "تباين نتائج انهيار أسعار النفط على اقتصادات الدول المنتجة؛ فبعض الدول -السعودية الإمارات، وقطر والكويت- استطاعت توفير احتياطيات نفطية ضخمة، ومن ثمَّ فهي لن تحتاج إلى سياسات تقشف حادة، كما هو الأمر مع دول أخرى مثل العراق وإيران وليبيا وفنزويلا والجزائر، التي بقي اقتصادها بسبب سوء الإدارة، أو الحصار أو الحروب. فهذه الدول ستضطر إلى تخفيض موازناتها في العام 2015".

ومع العد الاحتفالي، سيجد القارئ أيضا الملحقين الاعتياديين: "اتجاهات نظرية" وتحولات إستراتيجية" وكلاهما حافل بالمقالات القيمة التي تسلط الضوء على الواقع العربي من خلال معالجات موسَّعة للواقع الإقليمي العربي. خاصة بعد "التغيرات الحادة بعد الثورات"، و"انتشار القوة.... وتغير موازين القوى الإقليمية"، ومحاولة قراءة "العوامل المفسرة لتحول أنماط الصراعات الإقليمية".

وفوق كل ذلك هناك المقدِّم لملحق "تحولات إستراتيجية" الموسومة بـ"أساطير التعاون الدولي في إدارة التغير العالمي"، ومقالة "الفضاء وتوازنات القوى العالمية حتى 2050".

... الجيل الجديد ممَّن يتابعون اليوم التطورات الإقليمية عبر المواقع الإلكترونية التي تنشرها مراكز الدراسات والأبحاث المنتشرة كالفطر على الشبكة العالمية، لا يستطيعون تقدير الأهمية التي كانت تحظى بها دوريات؛ مثل: "السياسة الدولية"، و"دراسات عربية" و"الطريق"، و"الكاتب"، والتي كانت حينها المعين الذي يغرف منه من كان يريد أن يفهم التحولات الكبرى التي كان يشهدها العالم، وتنعكس على الأوضاع العربية.

خمسون عاما مضت على انطلاقة فصلية "السياسة الدولية" عرفت خلالها المنطقة العربية الكثير من التحولات الكبرى التي لا نزال نعيش تداعياتها، وكانت صفحات تلك الدورية المجال الأمثل لمن يريد أن يعرف الأسباب التي كانت تقف وراء مثل تلك التحولات والنتائج التي قادت لها، والاحتمالات التي سوف تترتب عليها.

تعليق عبر الفيس بوك