السعودية: تغييرات "واسعة" وقيادات "شابة".. و"انعطاف" مسار ولاية العرش ينبئ بمستقبل جديد للمملكة

إعفاء مقرن وتعيين محمد بن نايف "صائد الصقور" ولياً للعهد.. تعزيزا للقبضة الأمنية

محمد بن سلمان وليا لولي العهد في تغيير هو الأكثر تأثيرا بالمملكة منذ رحيل الملك عبدالله

الرؤية - هيثم صلاح

في تغيير سياسي واسع النطاق، وهو الثالث منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سُدَّة الحكم في المملكة العربية السعودية، خلفا للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، شهدت المملكة ما وصفه محللون بـ"عاصفة من التغييرات السياسية"، حيث صَدَر عن الديوان الملكي عدة مراسيم ملكية بإجراء تعديلات في الدائرة الأولى للحكم السعودي.. ونصت المراسيم الملكية على إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من منصب ولي العهد، وتعيين ابن شقيقه وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بدلا عنه. كما أعفي الأمير مقرن من منصب نائب رئيس الوزراء.. وعيَّن الملك سلمان بن عبدالعزيز ابنه الأمير مُحمَّد بن سلمان وليا لولي العهد. كما أعفى العاهل السعودي وزير الخارجية المخضرم الأمير سعود الفيصل من منصبه الذي يشغله منذ أكتوبر عام 1975، وعيَّن عادل الجبير سفير السعودية لدى الولايات المتحدة وزيرا للخارجية، وهو أول شخص من خارج الأسرة الحاكمة يشغل هذا المنصب، وأن يُنقل الأمير سعود الفيصل من وزارة الخارجية بعد سنوات طويلة أمضاها فيها ليصبح وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً للعاهل السعودي ومشرفاً على الشؤون الخارجية.

وبتعيينه الأمير محمد بن نايف (55 عاما) وليا للعهد، والأمير مُحمَّد بن سلمان وليا لولي العهد، والذي يعتقد أنه في أوائل الثلاثينات، حدَّد العاهل السعودي مسار ولاية العرش في المملكة لعقود قادمة وعزز فرع أسرته في الحكم.. وبناءً على دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مواطني المملكة لمبايعة الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد والأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد؛ تمت بعد صلاة العشاء، أمس، في قصر الحكم بالرياض مباعية ولي العهد ووليه.

وتجيء هذه التغييرات واسعة النطاق في وقت اضطرابات غير مسبوقة تشهدها المنطقة بينما تحاول السعودية اجتياز المشهد المضطرب الذي أعقب انتفاضات الربيع العربي وتخلت عن عقود من الدبلوماسية الهادئة بقيادتها حملة عسكرية في اليمن

كما شملت القرارات أيضا تعيين خالد بن عبدالعزيز الفالح وزيراً للصحة، وإعفاء محمد بن سليمان الجاسر وزير الاقتصاد والتخطيط، من منصبه وتعيينه مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير، وكذلك إعفاء عادل بن محمد فقيه وزير العمل، من منصبه وتعيينه وزيراً للاقتصاد والتخطيط على أن يحل مفرج الحقباني مكانه وزيرا للعمل.

وقضت القرارات الملكية كذلك بإعفاء خالد بن عبدالرحمن العيسى نائب رئيس الديوان الملكي، من منصبه وتعيينه وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء وعضواً في مجلس الشؤون السياسية والأمنية. في حين يعين حمد بن عبدالعزيز السويلم رئيساً للديوان الملكي بمرتبة وزير.

وأعفى العاهل السعودي أيضا نورة بنت عبدالله الفايز نائب وزير التعليم لشؤون البنات، من منصبها، وكذلك حمد بن محمد آل الشيخ نائب وزير التعليم لشؤون البنين، كما أمر بإعفاء منصور بن ناصر بن عبدالله الحواسي نائب وزير الصحة للشؤون الصحية، من منصبه.

وتعد هذه التغييرات هي الثالثة منذ تولي الملك سالمان للحكم، والتي اعتبرها مراقبون بمثابة انقلاب قصر ناعم للإطاحة برجال الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وقال خبراء في الشأن السعودي إن الخطوة الجديدة هي استكمال لانقلاب القصر الناعم الذي بدأ قبل مبايعة الملك سلمان.

السعودية تتغيَّر

ففي 23 يناير الماضي وقبل أن تمر ساعات على وفاة الملك الراحل، لم ينتظر العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، دفن سلفه عبد الله بن عبد العزيز، وسارع -حتى قبل أن تبدأ "البيعة الرسمية" التي تُعقد عشية دفن الملك الراحل- إلي إصدار 6 مراسيم ملكية مكنت الجناح "السديري" بالأسرة الملكية من إحكام قبضته على السلطة، وحسم معركة الصراع على السلطة لصالحه مرة أخرى.

وقضت المراسيم بتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لـ"ولي العهد" ووزيرا للداخلية، وتعييّن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزيرا للدفاع، ورئيسا للديوان الملكي، قبل أن يتم تصعيدهما في التغيير الجديد صباح اليوم إلى منصبي ولي العهد وولي ولي العهد، ووقتها تم إعفاء الرجل القوي خالد التويجري من مهامه، كما قضت بتعيين اللواء حمد العهولى رئيسا للحرس الملكى الخاص.

واعتبر المحللون مراسيم سلمان الستة، انقلابا ناعما داخل الأسرة الملكية، لإعادة ترتيب البيت الملكي، وتقوية "السديريين السبعة" وهم الإخوة الأكثر نفوذًا من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وهم أبناؤه من زوجته حصة بنت أحمد السديري، الذين ضعف نفوذهم بشكل غير مسبوق في عهد الملك الراحل.

وبعد أقل من أسبوع من التغيير الأول، وتنصيب الملك، وبالتحديد في 29 يناير الماضي، أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز، ثلاثين أمرا ملكيا، كأكبر تعديل وزاري تشهده السعودية، وذلك بالتزامن مع أوامر بصرف راتبين لكل موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، وأيضاً مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي داخل وخارج المملكة، وإعانة شهرين للمعاقين، وصرف راتب شهرين للمتقاعدين، وصرف مكافئة شهرين لمستفيدي الضمان الاجتماعي.

وتضمَّنت الأوامر دمج وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة باسم وزارة التعليم، وتعيين عزام الدخيل وزيراً لها، كما نصت المراسيم على تعيين الأمير منصور بن متعب وزيرا للدولة ومستشارا للعاهل الجديد، والشيخ صالح آل الشيخ وزيرا للشؤون الإسلامية، والدكتور وليد الصمعري وزيرا للعدل، وإبراهيم السويل وزيراً للاتصالات، والدكتور ماجد القصبي وزيراً للشؤون الاجتماعية، والمهندس عبد اللطيف آل الشيخ وزيراً للشؤون البلدية والقروية، والدكتور عادل بن زيد الطريفي وزيراً للثقافة والإعلام.

ونصَّت المراسيم أيضا على إلغاء لجنة سياسة التعليم ومجلس الخدمة المدنية، وتشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، وتعيين أحمد الخطيب وزيراً للصحة، وعبدالرحمن الفضلي وزيراً للزراعة، وفيما أبقى مرسوم التعديل الوزاري على الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وزيراً للحرس الوطني، نص مرسوم آخر على تشكيل مجلس للشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف والذي تم تصعيده في التغيير الجديد وليا للعهد، وعضوية متعب، وإلغاء مجلس الأمن الوطني الذي يتولى أمانته العامة الأمير بندر بن سلطان الذي تم إعفاؤه كذلك من منصبه كمبعوث خاص للملك.

ويرى المحللون أنَّ التغير الأخير بإعفاء ولي العهد؛ يأتي لتمكين الجناح "السديري" بالأسرة الملكية من إحكام قبضته على السلطة أكثر من أي وقت بعدما تم تهميشه وضعفه نسبيًا في العهد السابق، وهناك من يذهب إلى تحليل آخر بأن التغيرات في مراكز السلطة بالمملكة جاءت عقب خلافات حول مسار الحرب على اليمن، إضافة للتوتر الأمني الذي تمخض عنه الإعلان عن اعتقال مجموعة إرهابية بتهمة الانتماء إلى تنظيم "داعش"؛ حيث أعلنت السعودية في خضم التطورات الأمنية التي تشهدها إلقاء القبض على خلية إرهابية تنتمي إلى جماعة "داعش" الإرهابية، مكونة من 93 شخصا كانت تخطط لتوجيه ضربات وهجمات داخل البلاد، بما فيها مراكز حساسة وسفارات أجنبية.

واهتمت شبكة "بلومبرج"، أمس، الأمريكية بالتغييرات التي شهدتها المملكة السعودية.. وقالت إن الملك سلمان عيَّن الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، وجعل ابنه الثاني في ترتيب العرش بتعيينه وليا لولى العهد بعد أقل من أربع أشهر على توليه السلطة في البلد الذي يُعد أكبر مصدر للنفط في العالم.

وأشارت "بلومبرج" إلى أن التغييرات تأتى مع إشراف القيادة الجديدة في السعودية على حملة قصف ضد الحوثيين في اليمن، وتبنيها دورا أكثر بروزا في السياسات الإقليمية. واعتبرت الشبكة أن التعيينات الجديدة تعزز السلطة في يد جيل الأمراء الأصغر سنا، بقيادة ولى العهد ونجل الملك، محمد بن سلمان الذي يعتقد أنه في الثلاثينيات من العمر، والذي سيتعين عليه أن يمنع انتشار عدم الاستقرار عبر حدود البلاد.

ونقلت الشبكة عن فهد ناظر المحلل السياسي الذي عمل في السفارة السعودية في واشنطن، قوله: إنَّ قرار ترقية محمد بن سلمان سيدهش البعض نظرا لصغر سنه وعدم خبرته نسبيا، مضيفا بأن قليلين فقط يعرفون الكثير عنه، ونادرا ما يتحدث علنا، لكن هذا الأمر سيتغير على الأرجح في المستقبل. وقالت "بلومبرج" إن السعودية تواجه تحديات داخلية وخارجية منها صعود داعش في الدول المجاورة، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط الذى أدى إلى تراجع عائدات الحكومة.

تعليق عبر الفيس بوك