غفوة وزير!

إبراهيم الهادي

 

كنت قد كتبت في هذه الزاوية قبل شهور مقالاً بعنوان: "يقظة وزير"؛ فأثار ما أثار من جدل ونقاش وغبار، وهـأنذا أعاود الكرَّة لأكتب هذه المرة عن "غفوة وزير".. بعد أن أيقنت حق اليقين خلال هذه الأشهر التي مرّت أنّ يقظة الوزير ليست حالة تكتسب صفة الديمومة، بل تتخللها غفوات وما أكثرها.

سيكون مجرى حديثي عن بعض الموظفين الذين استغلوا غفوة الوزير وثقته فيهم وتلاعبوا بالأوراق المُبعثرة ثم استنزفوا ميزانية الدولة، في سبيل تحقيق مصالح شخصية ضيقة، متجاهلين صوت ضميرهم أو ربما غفا هو الآخر. وذلك من خلال إبرام الصفقات المليونية لمشاريع تكاد لا تخدم الوطن، حيث استطاعوا أن يتعاقدوا مع هذا ويتفقوا مع ذاك مستندين إلى حائط الوزير الذي غلبت عليه الغفوة، معتقدين أنّ اللوم سينصب على الوزير وحده! بينما يتأجل حسابهم إلى يوم يبعثون.

ويبدو أنهم لم يضعوا في حساباتهم أن يفيق الوزير ولو بعد حين ليكتشف أنّه كان ضحية استغفال كبير، وأنّه كان يُوقِّع الاتفاقيات بطرف ناعسٍ دون أن يطلع بدقة ويقف على مدى جدواها الاقتصادية ومدى الفائدة التي تعود بها على الوطن.. وأنّ الثمن فادح جدًا وستتأثر به أجيال وأجيال؟ عندها سيكتشف كم كلفت غفوته هذه الدولة مئات الملايين ويكون شفافًا فيبرئ ذمته أمام الله وأمام الوطن أو يُطور الغفوة لتصبح نومة كنومة أهل الكهف، وعندها يطمئن المتعاملون مع معاليه من موظفيه ويصبح التلاعب على المكشوف دون أن يلقوا بالا لمعاليه، كيف لا وهو يغط في نومه الكهفي العميق؟!

بل حُق لهم أن يقيموا الاحتفالات ابتهاجًا بتحول الغفوة إلى نومة الوزير الدائمة، وأن يسدروا في غيهم ويمضوا في طريقهم غير آبهين ولا عابئين فيطورا لعبتهم لتدار في حفلات العشاء وسط صخب لا يسمع فيه الحضور همساتهم ولا لمزات أصحاب الشركات العملاقة مع بعضهم، ساعة واحدة فقط حققت الأهداف ورسمت معالم اللعبة من خلال تلك الهمسات واللمزات، وهذا ما كان يصبو إليه الفاسدون فاستلم الأصحاب المعلومات والقواعد الجديدة للعبة على أن يكون ثلث الكعكة للموظفين، انتشرت المعاملات المشبوهة في أروقة وزارة الوزير الذي لا تزال الغفوة تسيطر عليه، ومع كل توقيع له على اتفاقية يسيل لُعاب الموظفين الفاسدين، في ظلِّ هذا الزخم الفوضوي لاحظ المقهوي الذي يدخل على مكاتب أولئك الموظفين منذ سنوات أنّ الآلة الحاسبة صارت ملازمة ومرابطة على طاولاتهم ولم تكن موجودة طوال السنوات الماضية! ولكنه ما حيلته وهو الذي لا يعرف مغزاها وفيم تستعمل، لم يلتفت لها ولم يهتم لأمرها؛ فجل ما يُتقنه في ذلك الكتب هو تلميع الفناجين وصب القهوة مع ترتيب الأوراق المتناثرة أحيانًا، ترى كيف يمكن معرفة الحقائق؟ وهل سيستمر الوزير في غفوته تلك؟ معالم النهاية هنا للأسف مفقودة فقد حان وقت مغادرة طائرة العميل رقم سبعة الذي كان يحكي القصة لصاحبنا الذي أُعلن عن هروبه في الصحف اليومية قبل مدة زمنية كونه كان وافدًا.

ibrahim@alroya.net