بعض الثوابت التي تؤثر سلبا في العلاقات العربية - الإيرانية

عبيدلي العبيدلي

ضاعفتْ معارك "عاصفة الحزم" من حجم وعدد علامات الاستفهام التي باتتْ ترتفع مُتسائلة عن الأسباب التي لا تكف عن تأجيج الصراع العربي-الإيراني، وتنجحُ في سكب الزيوت على نيران المناطق المشتعلة أو الملتهبة جراء ذلك تلك التنافس، إن لم نشأ أن نرقى بالخلافات إلى مستوى الصدام. فمن يراقب المشهد الإعلامي الدولي أو الإقليمي، سيجد نفسه ضحية القبول بأن ما يدور في اليمن إنما هو صراع مذهبي بين الشيعة الحوثيين من جهة، وأصحاب المذهب السني الآخرين من جهة ثانية. في حين أن هذا المشهد الظاهري الخادع، يخفي تحت عباءته الصراع الحقيقي وهو الصراع العربي الإيراني، حول قضايا كثيرة، ليست اليمن إلا إحدى الساحات المنفجرة الأكثر تجسيدا واضحا له.

وفي البدء، لا بد من الاعتراف بأن هناك عوامل تاريخية موروثة تقف وراء ذلك الصراع، وتمد جذوره بالمياه التي تسقي أشجاره، وبالقدر ذاته ينبغي الالتفات إلى أن البعض من تلك العوامل ثانوية ومؤقتة، في حين ينتمي البعض الآخر منها إلى فئة الثبات والاستمرار، وهذه الفئة الأخيرة هي التي تفسر برزوه بين فترة وأخرى، رغم محاولات إطفاء حريقه.

ويمكن تلخيص أهم العناصر الثابتة التي تؤثر سلبا على العلاقات العربية-الإيرانية المعاصرة، وتحول دون الوصول إلى وئام بين الكتلتين السياسيتين اللتين تنتمي كل واحدة منهما إلى هذا الفريق أو ذاك، في النقاط التالية:

1- التكوين النفسي والحضاري للفرس، وهم الغالبية العظمى من سكان إيران، والمنطلق من "إيمانهم " العميق في دور "الأعراب" السلبي، في تحطيم الدولة الإيرانية، ومن ورائها الحضارة الفارسية، وخاصة منذ انتشار الإسلام في آسيا تحت الرايات العربية وبسيوفها. إذ يرى العنصر الفارسي، رغم اعتناقه الإسلام، أن "العرب البدو"، القادمين من الصحراء، هم، في حقيقة الأمر ونهايته، من يقف وراء تدهور فارس بكل عظمتها والحضارة التي تتكئ عليها. وعلى هذا الأساس تولدت تضاريس الكره الفارسي للعرب، حتى تحت فناء الدين الواحد. وعودة لتاريخ الصراعات التي هزت أركان الدول الإسلامية منذ انتهاء المرحلة الراشدية، سنكتشف أن بعض أوجهها، كانت جذوره ذلك الصراع المبطن، بين العرب والفرس، ممن ينضوون تحت المظلة الإسلامية.

2- زعامة العالم الإسلامي -الشعبي والرسمي- فبينما انفرد العرب منذ ما يزيد على 14 قرنا على احتلال مقعد قيادة هذا المعسكر، جاء انتصار الثورة الخمينية في نهاية العقد السابع من القرن الماضي، كي تضع في يد إيران مقومات جديدة تجعلها قادرة على طرح نفسها منافس، بل وربما بديلا لما كان العرب ينفردون به. ضاعف من حدة ذلك التنافس الخلاف المذهبي بين الطرفين، ففيما انتسبت طهران للمذهب الشيعي، وطرحت نفسها مركز الوكيل السياسي والعقيدي الذي يمثله، تمسكت العواصم العربية، هي الأخرى، بحقها في الاستمرار في حصر "الإسلام" في المذاهب السنية المتعددة، واحتفظت لنفسها بحق تمثيلها والدفاع عنها في المحافل الدولية، شعبية كانت تلك المحافل أم حكومية.

3- ضمن المذهب الواحد، وهو المذهب الشيعي، هناك أيضا صراعا قوميا مبطنا بين زوايا مدن مثلث: قم، النجف، جبل عامل؛ حيث تدَّعي كل واحدة من هذه المدن المقدسة، ذات التاريخ العميق في تشريعات الفقه الشيعي، بأحقيتها في تبوء مقعد مرجعية ذلك المذهب. ليس من حق مقال مقتضب هنا أن يفتي بمن يستحق نيل تلك المكانة المقدسة، بقدر ما يطمح إلى الإشارة إلى أحد العوامل الثابتة التي تساعد على الإبقاء على فتيل العلاقات السلبية بين العرب والفرس، وبين العرب وإيران على وجه التحديد، مشتعلا.

4- التطور الذي عرفته الكيانات السياسية العربية من الخليج العربي، بعد اكتشاف النفط، والثروات التي كدسها ذلك الاكتشاف، خاصة بعد منتصف السبعينات من القرن الماضي، إثر الارتفاع الأول في أسعار النفط. ساعدت تلك الثروات على الإسراع في وتيرة تطور المجتمعات الخليجية العربية، وانتقالها، في بعض الجوانب، من حياة البداوة المحضة البسيطة، إلى تلك المتحضرة المعقدة التي تقترب كثيرا من المجتمعات المدنية المعاصرة. هذا التحول، حتى وإن لم يحقق متطلبات الانتقال الكامل، لكنه أدخل المجتمعات الخليجية حلبة العلاقات الدولية، بما فيها من تحالفات إقليمية وكونية، أثرت في المكانة التي كانت تحتلها إيران في خارطة تلك العلاقات. أذكى كل ذلك نيران التنافس بين العرب والفرس، كل من منطلقاته القومية المتطلعة نحو تبوء مواقع يحاول الآخر احتكارها.

5- السيطرة على المعابر الدولية التي تمتد من البصرة شمالا شرقا، وتعرج على مضيق هرمز جنوبا، قبل تصل أن إلى مضيق باب المندب غربا، هذا الخط الممتد من السواحل الشرقية لأفريقيا، حتى السواحل الغربية لآسيا، كان المتحكم في خطوط الملاحة الاستعمارية سابقا، وهو المتحكم في الملاحة التجارية، خاصة النفطية منها، في الوقت الحاضر. يؤجج هذا الخط الملاحي، بفضل الأهمية الدولية التي يتمتع بها، روح التنافس العربي-الإيراني، ويمارس دورا مهما ملحوظا في إفراز مقومات صراعات أخرى ثانوية تصب جميعها في طاحونة هذا الصراع الرئيس الثابت.

... الحديث عن هذه العوامل الثابتة لا يعني القبول بخلودها، ولا الانصياع لإفرازاتها، بقدر ما هو دعوة لتشخيصها من أجل فهمها، والعمل على وضع حد لها، شريطة حسن النوايا من الطرفين، وتوفر استعداد كل منهما لتقديم التنازلات الضروري التي تضع حدا لأي منها، من اجل علاقات عربية إيجابية ناضجة.

تعليق عبر الفيس بوك