لماذا لا يحب طفلي القراءة؟!

زينب بنت محمد الغريبية

إنّ للقراءة أثراً كبيراً في مجال تربية الأطفال وتوجيه سلوكهم، والكتاب يساهم في تكوين شخصيّتهم وبنائها، وتساعده على فهم الحياة، وتنمية قدرته على التخيل، ويكن الاستفادة من الكتاب في غرس القيم التي نريدها في عقول ونفوس الأطفال، فالقراءة تفيد الطفل في حياته بشكل عام؛ فهي توسع دائرة خبراته، وتفتح أمامه أبواب الثقافة، وتحقق التسلية والمتعة، وتكسب الطفل حساً لغوياً أفضل؛ فيتحدث ويكتب بشكل أفضل، كما أنّ القراءة تعطي الطفل قدرة أكبرعلى التخيّل وبعد النظر، وتنمي لديه ملكة التفكير السليم، وترفع مستوى الفهم، وقراءة الطفل تساعده على بناء نفسه وتعطيه القدرة على حل المشكلات التي تواجهه.

إلا أنّه للأسف يسود جو من بعد أطفالنا عن القراءة وقد يغفل الكثير منا عن الأسباب المؤدية لامتناع الطفل عن القراءة والتي قد ترجع إلى عدم فهم نفسيته أو عدم الاكتراث لميوله وقدراته، أو قد تكون طريقة صياغة النصوص القرائية مملة أو فوق مستوى الطفل، وفي هذه الحالة على الوالدين مساعدة الطفل وإعطائه الفرصة لاختيار نصوص تتناسب مع ميوله ومهاراته.

وأحيانا قد يكون الدافع للبعد عنها عدم وجود الوقت الكافي عند الطفل للقراءة، حيث يكون الأطفال عادة ورغماً عنهم منهمكين في أداء الواجبات المدرسية، أو منشغلين مع أقرانهم في اللعب أو مشاهدة التلفاز لاسيما وقت المساء في اليوم الروتيني بعد يوم حافل بالمدرسة وما يستلزم من جهد ووقت، ويستهلك هذا الروتين اليومي الوقت على حساب زمن القراءة، وهنا يمكن للوالدين مساعدة الطفل في إعادة جدولة نشاطاته اليومية لتسنح له الفرصة لممارسة القراءة، وممكن ترك وقت ما قبل النوم على السرير هو وقت القراءة والمطالعة، شريطة أن يكون في ميوله وما يحب، حتى تكون عادة شيّقة يمارسها قبل النوم.

وقد تكون القراءة عملية مرهقة، ويعود ذلك إلى أنّ بعض الأطفال يعانون من بطء في القراءة مما يجعلها عملية صعبة، وينبغي على الوالدين في هذه الحالة التشاور مع المعلمين المتخصصين في تدريس مهارة القراءة لاختيار الأدوات والكتب والوسائل المناسبة لمستويات أبنائهم والملائمة لقدراتهم الفردية. أمّا عندما يتعلق الموضوع بالجدوى والمتعة من القراءة بالنسبة للطفل، لعدم إدراك بعض منهم بالهدف من القراءة أو مدى تعلقها بحياتهم ومحيطهم البيئي، أصبح دور الوالدين ملحا في السعي لإزالة هذه الضغوط بإعطاء الطفل الفرصة لاختيار ماذا ولماذا وكيف وأين ومتى يقرأ.

كما لا يمكن تجاهل ارتباط تدني مستوى الطفل التحصيلي بقلة إقباله وتوجهه نحو القراءة، وقد يرجع تدني المستوى لدى الطفل لعدة أسباب جسدية أو نفسية أو اجتماعية، وفي هذه الحالة يكون لزامًا على الوالدين أخذ المشورة من اختصاصيين لسبر غور المشكلة وتحديد أسبابها للوصول إلى حلول تتناسب مع قدرات واحتياجات الطفل، واعتبار القراءة إحدى أدوات رفع مستوى الطفل التحصيلي وفتح مداركه الفكرية ليسمو بقدراته وملكاته.

وقد يلجأ الوالدان أحياناً لبعض الممارسات غير المبررة لتحفيز الطفل على ممارسة القراءة، ولكن قد تكون نتائجها سلبية تؤدي إلى عدم تقبل فكرة القراءة برمتها، كأن يلح الوالدان ويكثران من النصائح واستخدام أسلوب المحاضرات عن أهميّة القراءة، أو ممارسة الرقابة التفتيشية الدائمة على الطفل، لأنّ العناد طبع متأصل عند أغلب الأطفال، وفي قرارة نفس الطفل "كل مفروض مرفوض" إن لم يتناسب ذلك مع رغباته، فالتالي قد يحدث نفور من الطفل عندما يشعر أنّ ذلك أحد الواجبات الأساسية التي عليه تأديتها بغض النظر عن اهتمامه أو رغبته الشخصية، وكذلك تقييد الطفل بتقييم أدائه، بأنّ عليه إنجاز قراءة هذا الكتاب في مدة ثلاثة أيام، على أن يكون ملمًا بكل القضايا الواردة فيه، هنا علينا الابتعاد عن أسلوب التقييم المدرسي (إعطاء الدرجات مثلا)، بل جعل المتعة هي الهدف الأساسي من القراءة داخل البيت، وبطبيعة الحال القراءة تجلب فائدتها معها.

كما أنّ تعويد الطفل على إعطائه هديّة مقابل قراءة كتاب كنوع من التشجيع يعد أمرا أتحفّظ عليه شخصيًا، حيث من الممكن في هذه الحالة أن تصبح الهدية هي الهدف بحد ذاتها وليست القراءة، إلا أنّ المَخرج من هذا هو أن نجعل الهدية المقدمة للطفل عند انتهائه من قراءة كتاب هي كتاب آخر على أن يكون من اختياره هو وبحبه ورغبته، ولنجعل من القراءة وسيلة للوصول لغاية أرقى وهي قراءة شيء جديد.

يعمد الوالدان أحيانًا إلى انتقاد اختيارات الطفل من باب حرصهما على أن يقرأ المفيد له من وجهة نظرهما، والأصح أن نترك الخيار للطفل بأن يقرأ ما يختاره خيرٌ من ألا يقرأ أبدًا، حتى وإن كان كتاباً أقل من مستواه التحصيلي فعلى الوالدين احترام ذلك الاختيار من أجل بناء الثقة وتشجيع ذائقته الشخصية ودعم توجهه لجعل القراءة هواية وعادة حسنة، فغرس حب القراءة هو الهدف الأساسي، ويأتي من بعده تكوين الاتجاهات نحو ما يحب الوالدان أن يكون عليه طفلهما، وأن يكونا واقعيين في توقعاتهما عن مدى تقدم الطفل في مهارة القراءة، فلا يقيسا الزمن الذي يستغرقه الطفل في قراءة كتاب أو قصة على مستواهما الشخصي كقارئين متمرسَين، بل ينبغي أن يمنحاه الوقت الكافي بناءً على قدراته وإمكانياته البدنية والذهنية.

لا يمكن تجاهل أهمية أثر القراءة في تربية جيل واعٍ متمكن، قادر على التفكير، واتخاذ القرار، والتنفيذ، ولإيماني العظيم بأهميتها في صنع جيل قوي قادر على البناء، فقد وضعت هذه الإشارات كأيقونات تتلمس الطريق لفتح أبواب للمربين، يضيفون عليها ويبنون خبراتهم لصنع أجيال تستحق منا العناء، لنجعل امتدادنا نورا مشعا، يبني حضارات، وأنا على موعد مع القارئ المربي في المقال المقبل لطرح أفكار عملية وشيقة لتحفيز أطفالنا على ممارسة القراءة.

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك