الرواحي : الثقافة موجه لسلوك الإنسان.. وتحقيق الأمن الثقافي من واجبات عقلاء الأمة

* تحقيق الأمن الثقافي رهين بصناعة الإعلامي الكفء

* نأخذ من ثقافات الآخرين المفيد ونترك الهدام

الرؤية- مالك بن أحمد الهدابي

قال عماد بن سعيد الرواحي باحث شؤون إسلاميّة في مكتب الافتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن تحقيق الأمن الثقافي في المجتمع ونشر الثقافة الآمنة واجب من واجبات عقلاء الأمة الحاملين هم إصلاحها، وأضاف أن أهمية هذا الموضوع تنبع من أهميّة الثقافة بدايةً، وهي من الضرورات لا ريب؛ ذلك لأنّه لا بد للإنسان من ثقافة تنشّئه أو ينشأ عليها، وأعني بها هنا المنهج الذي يسير عليه الإنسان في شق طريق الحياة المنتهية، فالموجّه الحقيقي لسلوك الإنسان هي الثقافة الراسخة فيه التي تملي عليه ذلك السلوك الإيجابي أو السلبي، وإنّ الموّلد الأساسي لنمط حياة المجتمع هو الثقافة، والرسامَ الذي يخط التنبؤات بمستقبل حضارة ما هو الثقافة، حتى الحكم على السلوك سلبًا وإيجابا إنما هو بحسب ثقافة الحاكم على السلوك وسط من يشترك معه في الثقافة نفسها.

وأضاف: ولكي تبين ضرورة الثقافة يمكننا القول إنّ كل إنسان يقضي سنين عمره بمنهج وثقافة، فإنّ لم يختر له منهجا أو ينتمي لمنهجية وثقافة معينة فإنّ منهجه وثقافته سيكون السير بعشوائية في هذه الحياة وتخبط، لا يوجد إنسان بغير ثقافة وضعها أو وُضعت له، ومن لم يمش على مخطط يرتضيه فقد مشى على مخططات الآخرين شاء أم أبى.

وتابع: إنّ توجهات الأمم تتباين؛ لأنّها اعتمدت ثقافات وضعية في الأساسُ؛ وضعها الحس والطبع البشريان والعقل، وهي وإن اتفقت في استنكار أشياء معلومة كالقتل وعموم الظلم ونحوها وأقرّت ثقافتها ذلك إلا أنها تتعارض في أشياء أكثر لتباين النظرة وتفاوت معايير الحكم حسب المكونات البيئية والثقافية.

وأشار الرواحي إلى تدخّل الوحي متمثلا في الشرائع السماوية ليثبت الثقافة والمنهج الذي يسير عليه البشر ليسعدوا فيما علموا وما لم يعلموا مما لا يمكن أن تحيط به المعايير البشرية لرسم المنهج واعتماد الثقافة، فأقرت لهم بعض مبادئ ثقافتهم التي وصلوا إليها بالحس والطبع والعقل كاستنكار القتل، وغيرها مما لاطاقة لهم بها كتحريم السفاح وتجويز النكاح ومثل ما جاء في قول الله تعالى:

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) المائدة 3

وأكد الرواحي أهميّة حماية الثقافة لدى مجتمعاتنا وتحقيق الأمن الثقافي لتسلك مسالك النجاة في الآخرة وتنعم بالاستقرار في كافة جوانب الحياة، وتأمين الثقافة المعني هنا إنما هو ما يكون وفق مبادئ الشريعة الإسلامية التي تجمع أعدادا غفيرة من الأتباع مع التنبيه على أنها صالحة لتنظيم حياة غير الأتباع متى شاؤوا ذلك، ويجدر بالتنبيه أيضًا أنّ تأمين الثقافة لا يعني التضييق على المستهدفين وحصرهم في اختيارات ضيّقة بل هو يعني تبيين الخطوط العريضة، والاجتماع على الكليّات الجامعة المعروفة، ونبذ كل الأفكار المصادمة لشريعتنا المناوئة لها من المحاولات التغريبية ونحوها.

وأشار إلى أن جوانب المطالَبة بالإسهام في التأمين الثقافي متعددة فمنها المتطلبات الدينية والمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وأخرى، ومن أهم الجوانب تحقيق الأمن الثقافي في المجتمعات، وهي جانب الإعلام.

تأثير بالغ للإعلام

وعن كيفية تحقيق الأمن الثقافي يقول الرواحي: لا بد قبل كل شيء من معرفة الإعلام وما يشتمل عليه فهو بإجمال يشمل الأنشطة الكتابية كالمقالات والقصص والتأليفات والنشرات، والأنشطة السمعيّة كالتسجيلات بأنواعها والإذاعة بأنواعها، والأنشطة المرئية كالبرامج المتلفزة والمسرح ومثلهما.

وأضاف: أمّا تأثير الإعلام العام وإسهامه في تشكيل الثقافة والتأثير عليها فهو تأثير بالغ جدًا؛ لتطور وسائله التي أضحت ركنا أساسيا للبيت، وصاحبًا ملازما للفرد، فالتلفاز، والهاتف وإخوانه، وأجهزة الحاسب الآلي بأنواعها، والإذاعة التي نالت حظها بسبب الأوقات الطويلة التي يقضيها الناس في السيارة لهي وسائل جعلت الإعلام حاضرًا بقوة في ساحة التأثير على الثقافة، ويدفع بهِمم المصلحين الغيارى لتثمير هذا الجانب العظيم وتوجيهه الوجهة السليمة النافعة، ومن الملاحظ أنّ الإعلام أضحى في واقعنا المعاصر صانعاً للحدث وليس ناقلا له فحسب.

ويفصل الرواحي خطوات تحقيق الأمن الثقافي بالإعلام بالقول: أرى أن صناعة الإعلامي الحامل للثقافة الآمنة ودفعه إلى معامل الإعلام والنجاح فيها لهو أولى وأجدى، فدفع الكفء لهذا الجانب المهم يقيك كثيرًا من الأعراض الجانبية ويختصر لك مسافات طويلة ويعود لك بنفع أعم.

ولتحقيق ذلك يلزمنا إبراز دور الإعلام الريادي وفاعليته في التغيير والتأثير، وذلك في البرامج والكتابات والندوات والرسائل الجامعية والمحاضرات المسجدية والخطب. إذكاء الإرادة ونفخ جذوتها في نفوس المؤهلين لحمل هذه الرسالة عبر القنوات الإعلامية والمشاركة في تكوينهم العلمي والمهاري. وتوسيع دائرة الوسائل الإعلاميّة وعدم حصرها في وسائل تقليدية يعسر وصول المبتدئ إليها. تفعيل الأقسام والدوائر الإعلاميّة في مؤسساتنا ومنحها اختصاصات واسعة وليُجعل على رأسها مديرًا متخصصًا في المجال ذي حركة وطموح.

كل ذلك يكون مع ضرورات البذل لتكوين النشء بالثقافة الآمنة كي يكون سفيرًا ينشر عبيرها أينما حلّ.

الحذر من التقليد

وحذر الرواحي من عواقب ونتائج التقليد الأعمى لمن هم لا ينتمون إلى ثقافتنا الأصيلة والحذر من محاولات تغريب الإعلام، ولئن كان الأخذ من الناجحين ما يعيننا على تحقيق النجاح هو من خطوات تحقيق النجاح المهمة فإن ذلك مشروط بعدم تعارضه مع ثقافتنا، فنأخذ المفيد كي لا نبدأ من الصفر ونترك الهدام كي لا نهوي إلى الحضيض إثر التصادم بين الثقافات. اعتزاز الإعلامي العربي والإسلامي بثقافته السمحة الراسخة الشاملة بأنّها من إله لا يخامر صنعته الخلل والنقص وليست من بشر، يعتز بها اعتزازًا يجعله يسخّر جهوده في خدمتها وغرس المبادئ والقيم الشريفة. وحذّر الشباب وأولياء الأمور والمربين من الغزو الفكري الذي من أهم قنواته القنوات الإعلاميّة، ومسألة تسخير الحاقدين والحاسدين القنوات الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة في سبيل هدم ثقافتنا واختراقها باتت حقيقة لا تقبل الشك، فليحذر من تصدير الأفكار في برامج الأطفال والشباب والكبار. تكوين حس نقدي لدى الشباب المسلم يكون بمنزلة المؤشر الداخلي ليميز به بين الغث والسمين والنافع والضار وهو ما يسمى بالتحصين الذاتي.

وختم الرواحي حديثه بضرورة نشر ثقافة الوقوف عمّا يشكل علينا في الأمور التي تصلنا عبر قنوات الإعلام، وأعني بها الأمور التي تواجه الشباب إعلاميا مما يتعارض ظاهريا مع أصوله الثابتة ومبادئه الراسخة، يقف عندها ولا يتخذ موقفا حتى يسأل ويناقش ويدرأ عن نفسه شُبهة ما يتشابه عليه. ولابد كذلك من توظيف وسائل الإعلام الحديثة وفق منهجية واضحة وثبات على المبادئ، والتثبت في النقل، وهذه قيمة لمن يدخل الإعلام بأي شكل من أشكاله وهي من ثقافتنا الإسلامية، وتعني ألا يكون الدافع للنشر النشرَ ذاته بل لتبليغ رسالة الإصلاح والحفاظ على الصلاح، يقول الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين)، ويقول عز من قائل: (كذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) وهذه القيمة من جهة أخرى تعد من قواعد النجاح في القطاع الإعلامي لأنها توثق العرى بين الإعلام الخاص بالجهة المتثبتة في النقل وجمهورها ممن يتابعونها.

تعليق عبر الفيس بوك